نازية خالصة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جهاد الخازن، الحياة:
الكل دان العملية الانتحارية في القدس، والادانة كانت "شديدة" من الولايات المتحدة الى بريطانيا وفرنسا، وحتى سويسرا "المحايدة". وإن كان من قاسم مشترك ثانٍ بين الكل هذا، فهو انه لم يدن أي ارهاب اسرائيلي منذ بداية السنة. ومنذ بداية العقد والقرن.
منذ بداية السنة هذه قتل 15 طفلاً فلسطينياً في الاراضي الفلسطينية، وعندما قتلت هديل غبن في العاشر من هذا الشهر بقنبلة اسرائيلية وجرح سبعة من اشقائها وشقيقاتها، بمن فيهم روان بنت الثمانية عشر شهراً، وأمهم، لم تدن الولايات المتحدة الجريمة الاسرائيلية، أو أي جريمة سبقتها.
أعارض العمليات الانتحارية منذ سنوات، وقد سجلت رأيي في معارضتها مرة بعد مرة في هذه الزاوية، ونقلته الى قادة حماس والجهاد وفصائل المقاومة كافة. وهناك كثيرون مثلي يعارضون العمليات الانتحارية ويصرحون برأيهم.
غير ان المعارضين من العرب والمسلمين، ومن بين الفلسطينيين انفسهم، فشلوا وسيفشلون بسبب الارهاب الاسرائيلي المستمر، والتأييد الأميركي السافر له، وصمت الدول الغربية الاخرى عنه.
أتهم الحكومة الاسرائيلية بممارسة الارهاب، والحكومة الاميركية بدعمه بالمال والسلاح، وأحمّلهما معاً المسؤولية عن الارهابَيْن، الاسرائيلي والفلسطيني، فالواحد يبرر الآخر، وطالما ان الجرائم الاسرائيلية مستمرة، فإن الطرف الفلسطيني سيرد بكل وسيلة متوافرة له، وستذهب نداءات طلاب السلام، من فلسطينيين واسرائيليين، وعبر العالم، هباء.
بكل هدوء ووضوح، وبالارقام التي لا تكذب، قتل منذ 29/9/2000 وحتى 10/4/2006 نحو 2500 مدني فلسطيني، مقابل نحو 700 مدني اسرائيلي، ومن هؤلاء كان الضحايا من الاطفال نحو 700 فلسطيني دون الخامسة عشرة ونحو 120 ولداً اسرائيلياً.
هذه هي حقيقة الارهاب المتبادل، ولا حقيقة غيرها، فكيف قررت الادارة الاميركية ان حماس ارهابية، وان الجهاد مثلها، ولكن جيش الاحتلال ليس ارهابياً، مع انه قتل من المدنيين خمسة اضعاف ما قتلت الفصائل الفلسطينية مجتمعة ونسبة قتل الاطفال من بين هذا المجموع اكبر؟
هذه نازية خالصة، فالقتلى من الفلسطينيين، غير مهمين طالما انهم عرب ومسلمون، وبما ان في الجيش الاسرائيلي والحكومة كثيرين يتحدرون من ضحايا المحرقة او الناجين منها، فإنهم يستطيعون استغلال خبرتهم في الممارسة النازية لوضع "حل أخير" للمشكلة الفلسطينية.
يبدو ان حكومة ايهود اولمرت اختارت التجويع حلاً، الا انني لا انصح به، فهو يستغرق وقتاً طويلاً، وسيثير منظر الناس على التلفزيون وكأنهم هياكل عظمية، ردود فعل عكسية للديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط. كذلك لا أنصح بأفران الغاز للسبب نفسه، ولا أنصح بالتسفير، لأن الذين هجّروا سنة 1948 لا يزالون يطالبون بالعودة.
ربما كان الأنسب اسرائيلياً مجرزة سريعة تقتل الفلسطينيين كلهم في يوم وليلة، وتقوم ضجة عالمية سرعان ما تهدأ، لأن التاريخ يكتبه المنتصرون، وهم قد يكتبون ان بضعة ملايين من الفلسطينيين انتحروا أو ماتوا بأنفلونزا الطيور. والرقم سيكون قريباً جداً من ضحايا المحرقة.
أكتب غاضباً، وأدرك ان الغضب يؤثر في موضوعية الكاتب واتزانه، ومع ذلك أحاول، وأسأل مرة ثانية كيف يطلب من الفلسطينيين ممارسة الديموقراطية ويفعلون فيعاقبون مرتين: اولاً بالمقاطعة والتجويع، وثانياً بترك حكومة وجيش اكثر ارهاباً منهم خمس مرات في حرية كاملة لارتكاب مزيد من الجرائم؟
نحن نسمع عن قتل داعية سلام اميركي أو بريطاني، لأن هناك من يطالب بالعدالة لهما، ولكن لا نسمع عن إيمان الهمص، الا همساً، وعن هديل غبن الا للغبن ودمها البريء يهدر. مع ذلك هناك انصار للعدالة والسلام حول العالم، بينهم يهود واسرائيليون كثيرون، وأنصح القارئ القادر ان يقرأ مقالاً للسياسي البريطاني جيرالد كوفمان، نشرته "الاندبندنت" في 12 الجاري، فهو ليس رأي عربي "متطرف"، وانما مواطن يهودي بريطاني، عضو في البرلمان، كان وزير خارجية الظل للعمال بين 1987 و 1992. والمقال يضم اشارة الى كتاب الروائي الاسرائيلي اموس اوز "سفوح لبنان"، وأنصح ايضاً كل قارئ قادر بقراءته.
اتوقع مزيداً من الدماء والدموع، فلا حل اليوم أو غداً، طالما ان في اسرائيل حكومة شبه نازية تمارس الارهاب والتجويع بتشجيع اميركي، وطالما ان العرب عاجزون مقصرون. وفي حين ان الفلسطينيين يدفعون الثمن، فإن الاسرائيليين يدفعون معهم، والانحياز الكامل والتحيّز وسياسة الكيل بمكيالين تُوجد انتحاريين جدداً كل يوم.
ربما استخدم الاسرائيليون خبرات دونالد رامسفيلد العراقية في "حل نهائي" للفلسطينيين يؤلم في حينه، ثم يصبح مع مر السنين ذكرى من نوع "بابي يار"، أو أي مجزرة مماثلة، اكبر أو اصغر.