هل ثمة مأزق أمام حماس
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صديق فلسطيني من أهل "فتح" القدماء قال لي مستغربا: "تبين أن الأصدقاء في "حماس" شراهتهم للسلطة أكثر من دأبهم على التحرير", وما هي الا بضعة ايام حتى اشتعلت حرب بين "حماس" والسلطة بشأن "الصلاحيات".
حتى لو أخذنا ذلك التعليق للصديق الفتحاوي بالكثير من الاحتراس، كونه صادرا من احد "حمائم فتح" فان المتأمل في سلوك "حماس" "الحكومي" يرى أنها قد غاصت في التفاصيل، وبخاصة صراع السلطة، دون أفق مرجو للخروج من الأزمة المستحكمة في الحكم.
الفرار الى ايران أو حتى سورية لا تقدم لـ "حماس" الكثير غير "العلاقات العامة"، وهي علاقات عامة لا تُسمع في الجمهور العربي المحبط اصلا ولا غيره من الجماهير، وهي في النتيجة لا تعطي "حماس" قدرة على التقدم، بل تضيق عليها سبل المناورة.
طبعا، لو كان هناك تفكير سياسي لدى "حماس" ولدى السلطة ايضا، لكان من الأفضل "تقسيم الأدوار" في ما بينهم، بحيث يأخذ محمود عباس وجه المفاوض وتأخذ "حماس" وجه المقاوم السياسي، كأي حركة وطنية مقسمة الادوار موحدة الأهداف, كل خطواتها تبتغى في النهاية تحرير شعبها الذي يرزح تحت الاحتلال ويلاقي اهواله, الا ان ذلك لم يحصل، ولا يعتقد انه يمكن ان يتم في ظل الاجواء السائدة, ربما، لان صقور "فتح" أرادوا أن تبقى "حماس" في "حيص بيص", وبالتالي، تسقط أو تُسقط "بالتشديد على القاف" من الخارج، فتعود "فتح" لسيرتها الأولى من التحكم الى الفساد، أو الفشل الذريع لـ "حماس" أمام الناخب الفلسطيني الذي ربما يعود من جديد كي "يستغفر" من الخطيئة التي أوصلت "حماس" الى الحكم!
قابل ذلك تصور من "صقور حماس" بالبحث عن مخرج خارج البئية الطبيعية, والمخارج قليلة وتضيق مع الأسف باليوم والساعة, فلا المال العربي سوف يتدفق على "حماس"، لا بسبب بخل عربي، ولكن بسبب تاريخ طويل من الوعود العربية وعدم الوفاء بها من جهة، وبسبب قلة الثقة التي تفتقر اليها المؤسسات الفلسطينية من جهة اخرى, هذا الجفاف المالي العربي سيزيده جفافا موقف "الغرب" المعارض من تصور "حماس" للمعركة السياسية، وهي معركة يمكن أن تُوصف أنها "معركة في الخارج موجهة لجمهور ذات نبرة عالية، واقل من معركة في الغرف المغلقة التي تقدم فيها الكثير من التنازلات", هذه الثنائية التي يعرفها العدو قبل الصديق تأكل من رصيد "حماس"، الذي يتنازل معدله كثيرا كونها فقط في السلطة.
قوة "حماس" وشعبيتها المفترضة كونها حركة شعبية تشتمل على كثير من الشفافية، يمكن ان تستخدمها لتوجيه شعبها بمصارحته بأن الحصار كبير ويضيق، وان امامنا تصورا يجب أن نتحدث فيه، وهو ان الخطوة الأولى في المعركة السياسية هي "الاعتراف بكل ما قامت الحكومات الفلسطينية السابقة بالاعتراف به", كلما قربت "حماس" الى الواقع هذا والى انقاذه، استطاعت النفاذ للتصورات الدولية للحل الفلسطيني، وكلما قربت من طموح الشعب الفلسطيني النهائية, اما الحماس في الخطب، فلم يكن الراحل ياسر عرفات بقاصر عنها، ولكنها افضت الى لا شيء تقريبا.
المؤسف أن "حماس" تكرر أخطاء سابقيها، وذلك بالاصرار على تصور علني لا يقبل من أطراف عالمية كثيرة وقوية ونافذة في عالمنا، وفي الوقت الذي تشير في الغرف الجانبية الى امكانية تقديم تنازلات حتى بالخطأ أو ادعاء الخطأ، كما حدث في الرسالة "غير المقروءة" الموجهة من وزير خارجية حكومة "حماس" الى كوفي عنان! او بالتصريحات الاخيرة القائلة ان اطرفا من "حماس" ستقابل "في الخليج" اطرافا اوروبية!
اذا كان المال لن يأتي بالصورة التي تريدها "حماس"، فان المقلق أن يضع بعض قادة "حماس" كل أملهم على الاعتماد على النفس، فقد قال احدهم، يجب أن نحول فلسطين الى بؤرة تصدير الى العالم العربي؟ كيف سيتم ذلك والمعابر محاصرة؟ اليس في مثل تلك التصريحات محاولة للهروب الى الأمام من دون جدوى؟
عدم لقاء وزير الخارجية الفلسطيني بمثيله المصري رسالة يجب أن تُقرأ بما تعنيه، وما حدث في الأردن يجب أن يقرأ بما يعنيه، فـ "حماس" لا تستطيع أن "تأكل التفاحة وتحتفظ بها في الوقت نفسه".
اذا كان التمويل محدودا والعلاقات مع الخارج تضيق، غير منفذي ايران وسورية، وهما منفذان يئنان تحت وطأة المتابعة الدقيقة من المجتمع الدولي ويحتاجان نفسهما الى كل المساعدة.
لعل "حماس" تعي أن القضية الفلسطينية بسبب موقعها في قلب الانسان العربي يمكن أن "يتاجر بها" من بعض الانظمة او القوى، وقد تُوجر بها كثيرا في السابق لاغراض بعيدة كل البعد عن تحرير فلسطين، وهي اليوم تستخدم أيضا تحت شعارات فضفاضة من قوى قد لا تكون أكثر اخلاصا من قوى عربية سابقة استفادت لبعض الوقت من القضية.
ينقل الكاتب الاميركي ذو الأصول الهندية فريد زكريا في كتابة "الحرية" الذي أصبح ذائع الصيت أن المرحوم ياسر عرفات عندما نصحه الرئيس المنتخب جورج دبليو بوش وقتها في نهاية عهد بيل كلينتون أن يقبل بالمعروض على الطاولة، رد وقال لو قبلته لأصبحت "حماس" في السلطة! وهذه الأيام تدور وتصبح حماس في السلطة "من دون أن يقبل عرفات بما عرض عليه"! فالبعبع الذي كان يُخوف منه أصبح في الحكم او القفص، وأصبح محاصرا اكثر من ذي قبل!
يبدو أن امام قيادات "حماس" نقاشا مهما، وفي وقت قصير يجب أن تتوصل من هذا النقاش الى نتائج، وهو يتمحور على محاولة الاجابة عن أسئلة مركزية وحاسمة قبل أن تصلها أمراض "فتح"، وهي واصلة لها لا محالة، ان سارت على الدرب المعلن، فهي غير قادرة الا على الكف عن عمليات كبيرة في داخل اسرائيل، لان ثمنها سيكون فادحا على السلطة الحماسية كونها حكومة شرعية، كما أنها مجبرة على عدم شجب العمليات التي يقوم بها غيرها بما يضعها موضع الاتهام أمام الرأي العام العالمي، خصوصا إن كانت تلك العمليات ضد المدنيين، كما أنها في الوقت نفسه غير قادرة على فتح مسار سياسي معقول أمام جدار الممانعة العربية، والرفض الدولي.
الخيار الاخر هو ان تقوم حرب الاشقاء على ارض فلسطين، وهي حرب تقترب كثيرا وبعجالة على الارض يخسر فيها المواطن الفلسطيني (العادي) اكثر مما يخسر حتى من الاحتلال نفسه، ويدفع يوميا من اعصابه وكرامته ودمه الكثير، والكاسب الحقيقي هو الاحتلال الذي يتفرج على مسلسل من الغباء السياسي، الذي يبدو مع الاسف انه تاريخي.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف