جريدة الجرائد

التشاد وسط صراع النفوذ

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

توفيق المديني

تعد تشاد المستعمرة الفرنسية السابقة حتى عام 1960، واحدة من أكبر دول افريقيا مساحة وأغناها تنوعاً عرقياً ولغوياً. إذ تزيد مساحتها عن مليون و280 ألف كلم مربع، جزء كبير منها يشكل امتداداً للصحراء الكبرى. وتتقاسم تشاد حدودها مع كل من السودان (الشرق) وجمهورية افريقيا الوسطى (الجنوب) والكاميرون ونيجيريا والنيجر (الغرب) وليبيا (الشمال). ويبلغ تعداد سكانها حوالي 10 ملايين نسمة، يشكل المسلمون 52% منهم ويتركز المسلمون في الشمال والشرق، مقابل 30% من المسيحيين معظمهم في الجنوب، أما النسبة الباقية فمن الوثنيين والمعتقدات القبلية. وعلى الصعيد العرقي واللغوي يشكل العرب والشعوب الصحراوية ـ السودانية معظم السكان المسلمين.
وتعتبر العلاقات السودانية ـ التشادية مترابطة ومتداخلة، وان التداخل القبلي بين البلدين يشكل أحد العوامل التي لها تأثيرات على العلاقات وأنظمة الحكم. وتتأثر حكومة تشاد دائماً بموقف نظيرتها في السودان لأسباب جغرافية واستراتيجية.
في الفترة الأخيرة، وتحديداً يوم الخميس 13 نيسان الجاري اندلعت مواجهة عسكرية عنيفة بين المتمردين ونظام الرئيس ادريس ديبي في قلب العاصمة نجامينا، إذ استطاع متمردو "الجبهة الموحدة للتغيير" قطع ألف كيلومتر في ثلاثة أيام على متن شاحنات بيك آب انطلقت من دارفور على الحدود السودانية ـ التشادية، لشن هجوم عسكري واسع النطاق في سبيل إسقاط نظام ادريس ديبي.
وينقسم المتمردون التشاديون المناهضون للرئيس التشادي ادريس ديبي الذين زحفوا على العاصمة نجامينا، الى حركات صغيرة عدة يصعب تقويم عديدها. الجبهة الموحدة للتغيير هي ائتلاف تضم أكثر من عشرين حزباً تأسست في كانون الأول العام الماضي في شرق تشاد، ويتحدث باسمها حميد دهالون، ويقودها الملازم داوود علي قائد كتيبة مدرعات أدري ومحمد نور رئيس حركة "التجمع من أجل الديموقراطية والحرية" الذي تتهم نجامينا السودان بدعمه.
ويجمع المحللون الغربيون على أن قسماً أساسياً من سكان نجامينا رحب باستيلاء المتمردين في الساعات الأولى على العاصمة التشادية، على أمل التخلص من نظام ادريس ديبي المتسبب الرئيسي في إفقار السكان، والمتهم بالفساد. بيد أن الجنود الفرنسيين من عملية "إيبرفييه" المتمركزين في تشاد (1350 جندياً، و6 طائرات ميراج، و3 هليكوبترات) هم الذين أنقذوا نظام ديبي من السقوط، وحالوا دون استيلاء المتمردين على السلطة في نجامينا. من الناحية الرسمية، مهمة الجنود الفرنسيين تتمحور "في تعزيز قدرات" الجيش التشادي، و"ضمان السيادة" للتشاد. وتنفي باريس تورط جنودها في القتال الى جانب القوات الحكومية. لكن واقع الحال يقول عكس ذلك تماماً، فالقوات الفرنسية لعبت دوراً أساساً في إعلام الجيش التشادي بتقدم المتمردين ساعة بساعة، بوساطة استطلاع طائرات الميراج الفرنسية التي كانت تحلق في المنطقة.
لفترة طويلة كان الحضور العسكري الفرنسي في تشاد مرتبطاً بطرابلس. بيد أنه منذ أعادت ليبيا شريط أوزو الى تشاد في عام 1994، وتخلى العقيد القذافي عن أسلحة الدمار الشامل في عام 2005، لم يعد مبرراً للسلطات الفرنسية أن تحافظ على قوات "إيبرفييه" في تشاد. لكن باريس ترد على ذلك بقولها ان السودان لا يزال يعيش في أجواء حرب أهلية يمكن أن تؤذي بشظاياها جيرانها، إذا والحال هذه يشكل التواجد العسكري الفرنسي قوة ردع واستقرار في المنطقة.
إن القوات الفرنسية موجودة في تشاد بطلب من الرئيس ديبي، ولن تنسحب إلا بناء على طلب منه، وهو الأمر عينه بالنسبة لساحل العاج، حيث تتواجد قوة فرنسية تعدادها 4000 عسكري، إذ ان رحيلها مرتبط بموافقة الرئيس لورانت غباغبو، علماً أن الطبيعة القانونية لوجود القوات الفرنسية في تشاد وساحل العاج ليست متماثلة. ففي الحالة الأولى يرتبط تواجد القوات الفرنسية في تشاد بمجرد اتفاق تعاون عسكري موقع بين البلدين في عام 1976، بينما في الحالة الثانية، هناك معاهدة دفاع مشترك تربط فرنسا بساحل العاج.
أخيراً، ان فرنسا تساند رئيس دولة قام بتعديل الدستور بهدف البقاء في السلطة. فإذا كانت فرنسا تساند الديموقراطية، فلماذا لم تشجع قوى وأحزاب المجتمع المدني التي تطالب بفتح حوار سياسي بين السلطة والمعارضة منذ عدة أشهر؟ ويبدو أنه قبل أسبوعين من اجراء الاستحقاق الانتخابي المقاطع من المعارضة، والمقاتل من المتمردين، أن المأزق فاضح في تشاد. والواقع أن المنطق الكولونيالي لفرنسا يستمر في التحكم في السياسة الخارجية الفرنسية، على نقيض الزعم الرسمي أنه تم التخلي عنه، فالموقف الفرنسي في نجامينا يتناقض جذرياً مع الديبلوماسية الفرنسية، التي تنص على عهد بصورة تدريجية الى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي مهمات حفظ الأمن في افريقيا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف