نزاع الصحراء نحو منعطف جديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
العربي مفضال
بعد التقرير الذي رفعه الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي في العشرين من ابريل/ نيسان الجاري حول مشكلة الصحراء الغربية تكون هذه الأخيرة قد عرفت منعطفاً جديداً وكبيراً، لعله المنعطف الكبير الرابع الذي عرفته تلك المشكلة منذ استرجاع الإقليم الصحراوي في بداية سنة 1976 من طرف المغرب تبعاً لاتفاقية مدريد الموقعة بينه وبين اسبانيا التي كانت تحتل هذا الإقليم.
تمثل المنعطف الكبير الأول في نجاح المغرب في حسم المعركة العسكرية بينه وبين جبهة البوليساريو في أواسط ثمانينات القرن الماضي. وكان المغرب قد عانى صعوبات عسكرية كثيرة، وتلقى ضربات قاسية طوال ما يقارب العشر سنوات، ولكنه منذ أن تمكن من إقامة الجدار الدفاعي قريباً من حدود الإقليم الصحراوي مع الجزائر وموريتانيا وصولا إلى المحيط الأطلسي، تمكن من تحصين الإقليم المذكور، وانتزع المبادرة العسكرية من جبهة البوليساريو، وجعل هجماتها فادحة الثمن اعتماداً على الجدار الذي تنتشر المراكز العسكرية على طوله، وتتعدد وسائل الرصد على امتداده، وتتعبأ القوات الجوية لتعقب مهاجميه.
ومن غير المستبعد أن يكون حسم المعركة العسكرية قد أسهم بصورة قوية في تطبيع العلاقات بين الجزائر والرباط، وفي قيام اتحاد المغرب العربي، وفي المنعطف الكبير الثاني الذي ستعرفه مشكلة الصحراء الغربية بعد اتفاق المغرب وجبهة البوليساريو تحت إشراف الأمم المتحدة على مخطط تنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم، ودخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين الجانبين ابتداء من سادس سبتمبر/ أيلول من سنة 1991.
وبعد حوالي عشر سنوات من الجهود الأممية لتنظيم الاستفتاء، ومن الصراع الحاد حول تحديد قوائم من يحق لهم المشاركة في ذلك الاستفتاء، استخلصت الأمم المتحدة استحالة تنظيم ذلك الاستفتاء في ظل التناقض الحاد بين الموقف المغربي الذي يتمسك بمشاركة كل أبناء الإقليم أينما كانوا، وبين موقف الجبهة المصر على قصر المشاركة على قسم من هؤلاء كانت السلطات الاستعمارية قد أحصتهم سنة 1974.
وتبعا للاستخلاص سالف الذكر عرفت مشكلة الصحراء الغربية منعطفا كبيراً ثالثاً، حمل عنوان البحث عن حل بديل لمخطط تنظيم الاستفتاء. وبرز في عملية البحث عن الحل البديل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق. وحاول هذا الأخير تحت شعار ldquo;لاغالب ولا مغلوبrdquo; أن يبلور مخططاً جديداً للتسوية يجد فيه كل من المغرب المتمسك بالاقليم الذي يعتبره جزءاً من ترابه الوطني، وجبهة البوليساريو التي تتشبت باستقلال هذا الإقليم، جانباً من مطالبهما. وعلى هذا الأساس تقدم السيد بيكر في منتصف سنة 2002 بمخطط يقوم على منح إدارة ذاتية لسكان الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية يتم تتويجه بعد خمس سنوات باستفتاء لتقرير المصير النهائي للإقليم. ودعا المبعوث الشخصي لكوفي أنان مجلس الأمن الدولي إلى إلزام المغرب وجبهة البوليساريو بتنفيذ المخطط المذكور.
وفي الوقت الذي وافقت فيه كل من جبهة البوليساريو والجزائر على هذا المخطط، أبدت الرباط اعتراضات قوية عليه، وأبدت على وجه الخصوص، رفضا قاطعا لأي صيغة تسوية تقوم على الفرض والإلزام من قبل مجلس الأمن للطرفين المتنازعين أو لأي منهما.
ولقد قاوم المغرب، منذ منتصف 2002 بشراسة مضمون مخطط بيكر ومحاولات اضفاء طابع الالزامية على هذا المخطط، واستند في ذلك إلى أن المساعي الأممية لا تجري في إطار مايقتضي الفرض والالزام من الميثاق الأممي، ولكنها تجري في إطار مساعدة المتنازعين على تسوية نزاعهما.
وها هو التقرير الجديد لكوفي أنان يعلن عن منعطف جديد في تطور مشكلة الصحراء الغربية، يُستبعد الفرض والالزام تجاه الطرفين المتنازعين، ويدعوهما إلى إجراء مفاوضات مباشرة تشارك فيها موريتانيا والجزائر، من أجل التوصل إلى حل توافقي.
وقبل توصل أنان ومبعوثه الشخصي الحالي المكلف بمشكلة الصحراء الغربية، بيترفان والسوم، إلى الاستخلاص سالف الذكر، تم التأكيد على أن مجلس الأمن الدولي لم يعد يذكر مخطط بيكر منذ ابريل ،2004 حين أعلن المغرب رفضه لأي استفتاء يتضمن خيار استقلال الصحراء الغربية. وتم التأكيد، كذلك، على أن المجلس المذكور حسم أمره بعدم بحث أي حل ldquo;غير متوافق عليهrdquo;، وبالإضافة إلى هذا وذاك، يقول التقرير الأممي الأخير: إن ما آل إليه نزاع الصحراء الغربية اليوم لايقدم أكثر من خيارين اثنين، حيث يتمثل الخيار الأول في الاستمرار اللانهائي للمأزق الحالي، في حين يتمثل الخيار الثاني في إجراء مفاوضات مباشرة بين المتنازعين. وإذ يرفض التقرير الخيار الأول الذي يدفع نحو العنف، ويعتبر أن هذا العنف ldquo;لن يؤدي إلى استقلال الصحراء الغربية، ولكنه سيؤدي إلى نشأة جيل جديد من الصحراويين في المخيماتrdquo;، يتمسك بالخيار الثاني القائم على المفاوضات المباشرة.
ولتدعيم الخيار الثاني يوضح التقرير الأممي أن مجلس الأمن لم يعد بمستطاعه من جهة، تقديم مخطط تسوية لايتضمن مبدأ تقرير المصير بكافة أبعاده، ولم يعد بمستطاعه من جهة ثانية، تقديم مخطط يتضمن هذا المبدأ ويرفضه المغرب. وتبعا لذلك، فإن هذا المجلس سيعتمد المخطط الذي يمكن أن يبلوره ويتوافق عليه الطرفان المتنازعان بمعية الدولتين الجارتين.
ويؤكد أنان أن هذا التوجه لايعني بأي شكل من الأشكال، تهرباً أممياً من تحمل المسؤولية، لأن الأمم المتحدة سترعى المفاوضات المباشرة، وستحرص على احترام مبدأ تقرير المصير الذي لايعني الاستقلال فقط بل يمكن أن يعني الاندماج التام، ويمكن أن يعني الحكم الذاتي.
وللمزيد من الاقناع بجدوى المفاوضات المباشرة، يؤكد التقرير على تحريرها من أي شروط مسبقة، ويدعو الجزائر في فقرة خاصة، إلى المشاركة في هذه المفاوضات، ويدعو كافة مكونات الأسرة الدولية إلى الاهتمام بها وتشجيع الأطراف على خوضها، ويطالب هذه الأطراف بإيلاء الاعتبار الكافي إلى الواقع السياسي الحالي وليس فقط إلى المبادئ المجردة.
وعلى الرغم من الأهمية الكبرى للآفاق التي تنفتح بعد هذا المنعطف الجديد الذي تعرفه مشكلة الصحراء الغربية تحت إشراف مجلس الأمن الدولي، فإن جبهة البوليساريو والدولة الجزائرية التي تدعمها، لاتبدوان مستعدتين للتجاوب الإيجابي، وقد يمر وقت غير قصير، وتمارس عليهما ضغوط وازنة، وتقدم إليهما تحفيزات جدية، لتهيئتهما لهذا التجاوب.