من يحمي الليبراليين العرب؟!

عبدالحميد الأنصاري

فسّر أسامة بن لادن في شريط بثته إحدى القنوات الفضائية مؤخراً، رفض المجتمع الدولي لحكومة "حماس"، بأنه جزء من حرب صهيونية صليبية ضد المسلمين، ودعا الأمة الإسلامية لحرب طويلة ضد من أسماهم "اللصوص الصليبيين" في غرب السودان، ورفض "اتفاقية السلام" الخاصة بالجنوب -والموقعة في شهر يناير 2005- كما أعاد تأكيد مقولة "صدام الحضارات" وهاجم كل من يعارضها بقوله: "إن الصدام قائم بالفعل من جانب الغرب ضد الإسلام والمسلمين، وإنها حرب صليبية صهيونية مستمرة ضد الإسلام والمسلمين".
وكان زعيم تنظيم "القاعدة" قد أعلن في يناير الماضي، أن "القاعدة" تشن الهجمات على الولايات المتحدة الأميركية، لكنه مستعد لقبول هدنة مشروطة، وأضاف في خطابه الأخير، لكن ساسة الغرب لا يريدون الحوار إلا من أجل كسب الوقت واستغفالنا وتخديرنا.
يرى المراقبون، أنه لا جديد في هذا الخطاب، وقد سمعناه -مراراً وتكراراً- من زعيم "القاعدة" ومساعده أيمن الظواهري وأبي مصعب الزرقاوي وغيرهما العديد من المتعاطفين مع أطروحات "القاعدة". ومسألة "الحرب الصليبية" أصبحت من المواضيع المحببة لدى مشايخ وعلماء كثيرين في الساحة، يرددونها على مسامعنا -صباح مساء- عبر منابر المساجد والفضائيات، لكن الجديد والمثير والمفاجئ معاً في حديث بن لادن هو تحذيراته الثلاثة:
الأول: تحذيره من "المفكرين العرب الليبراليين" والذين وصفهم بأنهم "المستهزئون بالدين".
الثاني: تحذيره من "الغزو الفكري" الذي يراه اجتاح العالم الإسلامي عبر محطات التلفزة والإذاعة.
أما الثالث: فهو تحذيره من الاستجابة للضغوط الأميركية التي تهدف إلى تغيير "المناهج الدراسية" وخطورة ذلك على الأجيال القادمة!
وجدت تصريحات بن لادن، ردود فعل مختلفة، ففيما يتعلق بتفسيره للنزاعات الدولية من منطلق "الحرب الصليبية"، هناك من أيّد هذا التفسير وبخاصة الجماعات الإسلامية التي تتعاطى السياسة من منطلق ديني، ولكن أكثرية المعنيين بتلك القضايا وقفوا من التصريحات المذكورة موقفا سلبياً، أو رأوها تدخلاً في شؤونهم. أما تحذيراته الثلاثة من الليبراليين والغزو الفكري وتغيير المناهج، فقد أثارت تساؤلات عديدة منها: لماذا يحرّض بن لادن على المفكرين الليبراليين، وفي هذا التوقيت تحديداً؟ ما سبب تحذيره من تطوير المناهج التعليمية؟ ما الذي دفعه لمهاجمة دعاة الحوار الحضاري؟ ومن أين يستقي بن لادن معلوماته عن القضايا والتطورات الجارية؟
وفي تحليله لخطاب بن لادن، يرى طارق الحميد في مقالة عنوانها "بن لادن، هذه المرة خطر"، أن الخطاب يحمل تحريضاً صريحاً ضد أصحاب الرأي الحر، ويقول: "إنه سبق أن رأينا سيناريو اغتيال أصحاب الرأي في مصر مطلع التسعينيات، وذهبت ضحيته أسماء كبيرة"، ثم يضيف: "وخطورة هذا التحريض أنه يأتي متّسقاً مع الحملات التي تشنها (منتديات الإنترنت الأصولية) على أصحاب الفكر الحر، والتي تردد نفس اتهامات بن لادن بالتخوين والعمالة والصهيونية ضد كل من اختلف معهم". أما يوسف الديني في مقالته "عن أي ليبرالية يتحدثون؟"، فيستنتج دلالة جديدة من خطاب بن لادن، إذ يرى في تصريح عراب "القاعدة" بخطورة الليبراليين العرب والدعوة لاستهدافهم، دليلاً على أن "التيار الليبرالي" أصبح تياراً فاعلاً وبخاصة في السعودية، وهو يحاول أن يقرأ في ضوء هذا الخطاب، تحولات خطاب الحركات الإسلامية بما فيها -المعتدلة- من استهداف ومواجهة (الشرك الأحمر) الشيوعي قبل انهيار الشيوعية ثم تحوله إلى خطاب "العداء المطلق للغرب" بعد انهيار الشيوعية، وأخيراً -بعد 11/9- تحوله إلى استهداف عدو جديد، حديث الولادة، غير محدد الملامح، هو "التيار الليبرالي".
ويبقى التساؤل عن مصدر معلومات زعيم تنظيم "القاعدة" في حملته على أصحاب الرأي الحر؟! بالمناسبة صرحت زوجة الزعيم الروحي للأفغان العرب د. عبدالله عزام -مؤخراً- لإحدى الصحف العربية بقولها إن "زعيم القاعدة رجل غير مثقف ولم يدخل الجامعة وكان من السهل التأثير عليه".
يرى مشاري الذايدي في مقالته "أسامة الأفريقي" أن بعض ما يقال ويكتب في الصحف يقرؤه بن لادن في كهوفه، وربما يُعدّ له تقرير صحافي يومي، شأن الوزراء والسياسيين الكبار. ومع صحة هذا التفسير إلا أنني أتصور أن مصدر المعلومات الرئيسي لزعيم "القاعدة" في تطوير معلوماته والاطلاع على الأحداث الجارية، هو قناة "الجزيرة" بالدرجة الأولى، فهي أولاً: قناته المفضلة التي يؤثرها بأشرطته وتصريحاته وكذلك يفعل أعوانه. وثانياً: يبدو لي أن جانباً من الطرح الفكري والسياسي وحتى الديني، الذي تبثه "الجزيرة"، يحظى بإعجاب زعيم "القاعدة"، وبخاصة تلك الأطروحات الحوارية التي تأتي بضيوف يتماهون مع أطروحات بن لادن، وبالأخص أطروحات فيصل القاسم في برنامجه الحواري، وفي هجومه التمثيلي المتكرر على الليبراليين العرب بوصفهم عملاء وخونة. وقد نشر القاسم في موقع -كلنا شركاء- وهو موقع بعثي، مقالاً نارياً في 16/4، شن فيه هجوماً على الليبراليين العرب واتهمهم بالعمالة لإسرائيل والغرب وأميركا، وخصّ بهجومه الأشد من سماهم "التيار الليبرالي التنويري" بسبب أنهم ينتقدون التخلف والتعصب العربي والإسلامي ويتمترسون بأميركا والغرب في هجومهم على الثقافتين العربية والإسلامية -راجع مقالة: "الإرهابيون الموديرن، فيصل القاسم نموذجاً" للكاتب السوري فهان كيراكوس. فيصل القاسم يمتاز بمواهب تمثيلية وقد وظفها جيداً في برنامجه الحواري، ويقال إنه كان من الليبراليين فانسلخ عنهم، وربما اقتضته ظروف المرحلة وطبيعة المهنة أن يتحول، فانقلب خصماً عنيداً ضد الليبراليين، ولو كان يملك سلطة -غير سلاطة اللسان- لتمكن منهم.
الآن: مَنْ لمحنة الليبراليين العرب؟ فبعض المنتسبين إليهم سابقاً يسخّرون المنابر الإعلامية للهجوم عليهم واتهامهم، وزعيم "القاعدة" يريد استهدافهم، فمن يجيرهم، ومن يحميهم؟ إلى أين يذهبون وبمن يستنجدون؟