جريدة الجرائد

ميليس يبوح بأسرار 180 يوما بين بيروت ودمشق:هذه تفاصيل اغتيال الحريري

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
السبت: 2006.05.06دخلت لبنان بتوقيع الحريري ودماء مرقص "لابيل"
عهود مكرم ـبرلينديتليف ميليس اسم لا يجرؤ مؤرخ على اسقاطه من اوراق وملفات الارهاب الدولي، فهو ليس مجرد محقق نجح في كشف وضبط من هزوا العالم بجرائمهم البشعة في المانيا واوروبا، انه خبير قانوني دولي بدأ حياته وكيلا للنيابة ثم قاضيا، وتولى في بداية مشواره التحقيق في اشهر جرائم الارهاب واكثرها جدلاً وغموضا حتى اسندت اليه رئاسة اول لجنة تحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وسط موجة من الغليان والاستياء فجرتها سيارة مفخخة خلطت الاوراق السياسية في الشرق الاوسط والعالم أجمع.
هذا الرجل الذي تجاوز الخامسة والخمسين من عمره أمضى منها 27 سنة داخل اروقة القضاء الدولي حتى تبوأ منصب مساعد الأمين العام للامم المتحدة ليس من السهل عليه ان يقدم استقالته من رئاسة لجنة تحقيق تكونت من 30 قاضيا في مهمة شاقة ينتظر نتائجها الرأي العام العالمي بشغف.. و تحت وطأة متغيرات وظروف الساحة الدولية ترك قضية الحريري بعد ان قدم بشأنها تقريرا يحتوي على 37 الف صفحة و7 أدلة من وجهة نظره على توجيه اصابع الاتهام الى سوريا على حد زعمه وينهي مهمته حزينا على لبنان بعد ان قضى 180 يوما بين بيروت ودمشق دون ان يغلق الملف الدامي ويتركه بكل ثقوبه ويعود الى مكتبه بالنيابة العامة بالمحكمة الادارية في حي شونيبرج "قلب برلين" وهناك ورغم حذره الشديد وتحفظه وميله الى الصمت، لم يستطع ميليس اغلاق قلبه في وجه "عكاظ" وباح في حديث استدعى فيه اوراق ذاكرته وخزانته القضائية والسياسية بأسرار خطيرة من ملفات "ميفكاش" وكارلوس والمخابرات السورية وتفجيرات برلين ومرقص لابيل، وغيرها من التفجيرات المفخخة بالسيارات التي يتقن التعاطي معها جيدا. هذا الخبير الذي يبدو هادئا لاول وهلة لا يستطيع اخفاء حذره وصرامته فبشاشته لا تطول كثيرا، خاصة اذا ما كان الامر يتعلق بقضية انسانية، ذهب ضحيتها ابرياء ودفعت -بسببها- بعض الاوطان الثمن مضاعفا وغاليا، ورغم كل هذا الحزم فهو لا ينسى اسرته ويحرص على اداء العطلة معها خارج المنزل داخل المدينة او خارجها، فالاستجمام قاعدة اساسية في حياته ويبدو ان برج الحظ في ايام عطلاته يبلغ اوج درجاته، ففي احد هذه الايام باسبانيا تلقى نبأ اختياره لرئاسة لجنة التحقيق في اغتيال الحريري من النائب العام الالماني الذي كان يدرك جيدا طاقة صبر ميليس الذي حقق في قضية واحدة 15 عاما حتى وصل الى نتيجة.
فمن هذا الرجل؟
يقول ميليس: عملت قبل 27 عاما وكيلا للنيابة ثم قاضيا ومنذ منتصف الثمانينات حققت في جميع الاعمال الارهابية التي شهدتها برلين في هذه الحقبة، وانا فخور بكشف الحقيقة في هذه القضايا ومحاكمة المتهمين الذين ضبطتهم الشرطة.
قاطعت اشهر محقق في عمليات الارهاب وسألته ما أهم القضايا التي تعاملت معها.. ولماذا ارتبط اسمك بلوكربي؟
- فأجابني في استغراب:
لا... ليست لوكربي.. ولا اعرف من أين ولماذا ارتبط اسمي بهذه القضية التي كانت من اختصاص القضاء الاسكتلندي.

مطعم ميفكاش
أما أهم القضايا فبدأت في برلين عام 1981م بتفجير مطعم "ميفكاش" الذي كان يقدم المأكولات الاسرائيلية والشرقية، تلتها قضية تفجير مبنى المركز الثقافي الفرنسي في برلين الغربية عام 1983م وكان وراء هذه العملية المخابرات السورية (حسب ما توصلت اليه التحقيقات)..
ويواصل ميليس:
وفي عام 1986 حققت في قضية تفجير مكتب جمعية الصداقة الالمانية العربية في "كروتسبرج" ببرلين وبعدها -وفي العام نفسه -عملية تفجير مرقص "لابيل" ببرلين ايضا، وقد اسفرت هذه العملية عن مقتل ثلاثة بينهم فتاة تركية واصابة 230 شخصا بجروح.
شعر ميليس بسؤال يطاردني.. لماذا انت للتحقيق في اعمال ارهابية لها طابع سياسي، وعندما قلت له: هل كانت لك اتصالات مع سياسيين، لا سيما ان هذه العمليات كانت في برلين الغربية وإبان حقبة الحرب الباردة؟
- أجابني الرجل بصرامة المحقق:
تصادف وقوع مثل هذه العمليات التي كانت لها ردود فعل سياسية اثناء عملي في برلين الغربية، ولا ادري وقتذاك هل كان لها ارتباط بأوضاع الحرب الباردة أم لا، الذي كان يهمني هو كشف الحقيقة، لذا كان مسار التحقيق لا دخل له بالسياسة، لانني لا اتدخل في السياسة وعلى سبيل المثال: حين كشفت التحقيقات تورط المخابرات السورية في عملية تفجير مكتب جمعية الصداقة الالمانية العربية سحبت الحكومة الالمانية آنذاك السفير الالماني من دمشق..
(دق جرس الهاتف وقرر ميليس عدم الرد واستمر الحوار...).. لم ألتق الحريري كما رددت بعض الصحف، هكذا استأنف ميليس حديثه الذي انقطع برهة، وكأنه ادرك احد أهم اهداف لقائي، فالحريري اثناء عملية "لابيل" كان رئيس وزراء لبنان،. ولا بد من الاتصال به..
ويمضي ميليس: كان هناك اتصال "مكتوب" عام 1991 عبر السفارة الالمانية والنائب العام اللبناني من اجل تسليم احد المتهمين.
وما دور الحريري.. هنا؟
- وقع بالموافقة على تسليمه للسلطات القضائية الالمانية.. وبهذه المناسبة كانت اول زيارة لي لبيروت.
يبدو انك خبير في قضايا الارهاب.. أليس كذلك؟
- نعم.. ولكن ينبغي ان لا تأتي الاشادة مني شخصيا.

كارلوس ومساعده
لكن كيف قمتم بالقبض على كارلوس ومساعده كمتهمين في تفجير المركز الثقافي الفرنسي ؟
- بعد ان تبين ان الارهابي كارلوس -واسمه الحقيقي أليش راميرس سانشيش- كان وراء هذا التفجير بدأنا بالتعاون مع الشرطة والمحققين الفرنسيين في البحث عنه حتى تم التعرف على مخبئه في السودان وتم توقيفه وترحيله الى فرنسا، حيث حوكم عام 1995 بالسجن مدى الحياة، كما كشفنا مخبأ مساعده الالماني يوهانس فايزيش في اليمن.
عودة للحريري
الى الحريري، عاد الحوار مرة اخرى ليدلي المحقق الالماني بشهادته التي تشكل جزءا ليس هيناً من مذكرات حياته وجولاته تجاه اكبر قضية هزت لبنان والعالم ويقول:
منذ زيارتي الاولى للبنان عام 1991 ارتبطت بهذا البلد بشكل او بآخر، وكنت اتابع احداثه باهتمام، وأستمع لتطورات المنطقة وأقرأ ما يكتب هنا في الصحافة الالمانية عن لبنان، وحين وقع الحادث المؤلم كنت اتابع الاخبار في التلفزيون، وشعرت بقلق شديد وخشيت ان يتعرض لبنان الى حرب اهلية مرة خرى، بعد ان بدأ يهدأ بعد اتفاقية الطائف وجهود الحريري.
يصمت ميليس قليلا من الوقت مسترجعا شريط الاحداث ثم يواصل: ظللت اتابع الاحداث وقرار الأمم المتحدة بارسال لجنة لتقصي الحقائق برئاسة "فيتسجرالد" الايرلندي أكدت عدم امكانية مباشرة الجانب اللبناني للقضية وحده، واقترحت تشكيل لجنة دولية للتعاون مع السلطات اللبنانية لكشف حقيقة الجريمة.
وجاء بعد ذلك قرار مجلس الأمن رقم 1595 الذي بموجبه تم تشكيل اللجنة الدولية برئاستي.
استأذنته مقاطعة.. كيف تم ذلك وهل اتصل بكم الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان، وأين كنتم حين وصلك نبأ اختيارك؟
- كنت في عطلة خارج المانيا استجم في "مايوركا" اسبانيا ووصلني الخبر عبر النائب العام الالماني عندما اتصل بي وطلب مني الاتصال بالمسؤول القانوني في الامم المتحدة وسألني الاخير: هل انت مستعد لتولي رئاسة لجنة دولية للتحقيق في اغتيال الحريري والتفاعل مع قرار مجلس الامن الذي حدد المدة الى 15 ديسمبر 2005 وكرجل قانون لم يكن أمامي سوى الموافقة.
وماذا كان موقف الزوجة؟.. وافقت أم ترددت ومنعتك، خاصة انك كنت في فترة استجمام؟
-سألتها اولا فوافقت وشجعتني وقالت هذه مأمورية مهمة ولا بد ان تقوم بها.. وعدنا فورا الى المانيا وبعد يومين سافرت الى نيويورك لمدة اربعة ايام ومنها الى باريس ثم الى بيروت، وكان ذلك في مايو 2005م.
ماذا فعلتم بعد وصولكم بيروت؟
- شرعت بمشاركة 3 محققين من كندا وفنلندا ومحقق الماني من هيئة مكافحة الجريمة في تشكيل لجنة دولية، وتمكنا خلال 3 أسابيع من تشكيل لجنة تضم 30 محققا وخبيرا في القانون من بينهم محقق مصري حصلنا على مشاركته عبر الانتربول وآخر من تركيا، واستعنت ايضا بمعاونة من المغرب وهي خبيرة في الترجمة والامور السياسية، بالاضافة الى الجانب اللبناني الذي كان يدعمنا ويساعدنا في مراحل التحقيق.
استوقف المحقق الشهير.. وواجهته بالسؤال الصعب:
ورغم هذه القناعات لم تصلوا الى الحقيقة حتى الآن وتقرير خليفتك القاضي "براميرتس" لم يأت بجديد..؟
- لم يستطع ميليس اخفاء انزعاجه مكتفيا ببعض العبارات القصيرة التي لا تفي بالاجابة، وقال: لا يمكنني التعليق فأنا لست في لبنان الآن واتلقى معلوماتي من الصحافة، ولكنني على يقين من ان اللجنة برئاسة "براميرتس" تواصل عملها على أكمل وجه، كما ادينا نحن واجبنا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف