فائزون بجائزة نوبل يعتبرون حرية المعلومات مكافحة للإرهاب ...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لنجرّب شيئاً آخر. ماذا عن العلاقة التفاعلية تاريخياً بين المدخلين، حيث أدى فشل الجامعات في النظام العربي المتكلس في كسر حلقة التخلف الهائل (إضافة الى توليده مشاكل من نوع بطالة الجامعيين وأمية المثقفين وشكلية تسلطية في "المؤسسات" العلمية الرسمية وغيرها)، الى تفكير المجتمع في حل ربما مثّلت مشاريع كـ"مكتبة الاسكنرية" جزءاً من المساعي الى حله، ومن دون الاستغناء عنه ولا الحلول محله أو إلغائه؟ ماذا لو ان المدخل الأول يسعى لحل الاستعصاء التاريخي للمدخل الثاني؟ ألا تبدو العلاقة بينهما، في تلك الحال، أعقد من ثنائية تبسيطية؟ لنجرب مثالاً آخر. يبدو ان الحجاب العصري، الذي يرتاح الى ارتدائه مع ملابس عصرية وكوزموبوليتية ومعولمة، يعبر بسهولة الفارق بين حدّي تلك الثنائية المفتعلة. ويلفت في "بيوفيجن" صعود نموذج الفتاة المصرية التي ترتدي الحجاب، ومعه ملابس لا تختلف كثيراً عما ترتديه الفتيات اللاتي يوصفن بـ"التحرر"، وتتعامل مع معطيات الحداثة بقوة لافتة: من الكومبيوتر والانترنت، الى أنواع العطور ومُكوّنات المكياج الغربي الطابع، الى التمكّن من الثقافات الاجنبية ولغاتها. واستطراداً، فإن تلك المرأة تبدو وكأنها تُكمل التحدي الحداثي الذي يطرحه صعود نموذج "المثقف الاسلامي" وخطابه راهناً، والذي تتعدد التعبيرات عنه ومن ضمنها الصعود القوي للإخوان المسلمين في مصر. يبدو الكلام وكأنه وصل الى نقاط حساسة، وخصوصاً ان المؤتمر المذكور لم يبعد كثيراً، في الزمان، عن الاحداث التي هزّت مصر في سيناء ومنتجعاتها، والتي ينسبها البعض الى خطوط متطرفة في التيار الاسلامي الصاعد سياسياً في منطقة الشرق الاوسط عموماً.
ونبّه الى ان ذواء ذلك الصرح الهائل جاء ضمن مسار من التفكك والتلاشي، ترافق مع الانحدار التدريجي للحضارة الرومانية نفسها، وتآكل تلك الامبراطورية بفعل عوامل داخلية وخارجية عدّة. وتوقف مُطوّلاً أمام النهوض العلمي في الحضارة العربية - الاسلامية، مُبيّناً ان علماء تلك الحقبة، مثل ابن الهيثم والبيروني وابن سينا وابن الشاطر، مارسوا "الشك العلمي" بجراءة لافتة بالنسبة الى من يعمل ضمن صعود مشروع ديني كبير، وصلت حد رفضهم التام للأفكار المسبقة، وعدم الاحتكام الى غير العقل. ولفت الى بعض الإنجازات المعروفة للعلماء العرب، مثل تأسيس علم الجبر، وقوانين الضوء عند ابن الهيثم، وقواعد الأعداد عند الخوارزمي (التي تُستعمل لحد الآن في الكومبيوتر)، واكتشاف الدورتين الدمويتين الكبرى والصغرى على يد ابن النفيس، والتوصل الى كروية الأرض وانها ليست مركز النظام الشمسي في مرصد مراغة، وتوصيف الأمراض وعلاجاتها عند ابن سينا الذي ظل كتابه "القانون" مرجعاً أوروبياً في الطب لفترة طويلة وغيرها.
وفي كلمة دافع فيها بشجاعة عن الحق الانساني في المعرفة، رأى هارولد فارمس (حائز جائزة نوبل في الطب عام 1989) ضرورة فتح نقاش عالمي عن حرية المعرفة باعتبارها ضرورة للبشر، وليس كسلعة تُبحث ضمن التبادل العالمي وأسواقه. ورأى ان الأمر يستأهل مفاوضات دولية حوله. ودعا الشركات الكبرى الى تفهم الموقف القائل بأن تشددها في مسألة حقوق الملكية الفكرية يوّلد الكثير من الآثار السلبية. واقترح فتح نقاش عن امكان للتوصل الى صيغة ما، تحافظ على التوازن الصعب بين الحفاظ على حقوق الشركات من جهة، وحق الاقل نمواً (والاكثر فقراً) في العلم والمعرفة. وتطرّق الى الامكانات الكبيرة التي يفتحها التبادل الالكتروني للمعلومات عبر الشبكات الرقمية الدولية، وخصوصاً الانترنت. ونبّه الى ان تلك الواسطة لا تضمن، بحد ذاتها، سريان المعرفة وعلومها بين العالمين المتقدم والنامي. وفي هذا السياق، ألمح فارمس أيضاً الى الفجوة الرقمية الهائلة بين العالمين، وضمن كل منهما، كما يظهر مثلاً في واقع ان أكثر من نصف سكان الكرة الارضية لا مدخل لهم الى الانترنت، وأن شطراً آخر منهم يملك دخولاً غير كفيّ الى الشبكات الرقمية ومعلوماتها.
ونوّه بما فعله "مشروع الجينوم البشري" Human Genome Project، الذي وضع معلوماته عن تركيب حمض الوراثة وجيناته في موقع مفتوح على الشبكة الدولية للكومبيوتر.
وشدد فارمس على مسؤولية النُخب العلمية في البلدان المتقدمة، مثل حائزي نوبل، في مجال سريان المعلومات المفتوح عالمياً. ولأن التقدّم العلمي من الشروط الاساسية لتجاوز التخلف ومشكلاته وأوضاعه المُعقدة، ألمح الى ان حرية المعلومات تساهم في وقف هجرة الأدمغة من البلدان النامية، كما في امكانها المساهمة في تخفيف معاناة الشعوب النامية ما يساهم، ولو بصورة غير مباشرة، في أمن العالم واستقراره. وقدّم وجهة نظره عن أهمية "مراكز التألق العلمي"، بالاستناد الى بعض التجارب من العالم الثالث.
العلم من أرض الفلاحونبّه سواميناثان الى ان عمله يتركز راهناً على استيلاد انواع من حبوب المحاصيل الاساسية تقدر على مقاومة الجفاف والمياه المالحة والظروف المناخية الصعبة. واعتبر ذلك اسهاماً في التوصّل الى عالم خال من الجوع. ولفت الى ان هذا التوجّه يعتبر استكمالاً للسياسة التي صاغها رئيس وزراء الهند الأول في مرحلة ما بعد الاستقلال جواهر لال نهرو، تحت شعار "في بلادنا، في إمكان كل شيء أن ينتظر إلا الزراعة". وبيّن ان الأمر يعود الى معاناة الهند مجاعة هائلة في خضم الحرب العالمية الثانية، إبان الحكم الانكليزي، ما جعل قهر المجاعة هدفاً أولاً للاستقلال. وبفخر، أشار الى ان بلاده، خلال نحو 60 عاماً من الاستقلال، لم تعان مجاعات ضارية، مُقراً بوجود شكل متوطن من الجوع سببه الفقر والتفاوت الطبقي وسوء توزيع الثروة الاجتماعية ومشاكل التنمية وسواها. ورأى ان القضاء عليه يعتمد، بحسب سياسة الحكومة الحالية، على رفع القدرة الشرائية للفقراء. وأوضح ان ثلثي الشعب الهندي يعتمدون الزراعة (وما يتصل بها من أسباب العيش مثل الصيد والغابات وتصيد الأسماك)، ما يجعل المزرعة الصغيرة للفلاح هي بؤرة تفكير المشاريع العلمية في تلك البلاد. وبدا كحكماء الهند في الأساطير، عندما تحدث عن ضرورة ان يبدأ العلم من أرض الفلاح! فبيّن أولاً ان الهند تملك قاعدة عريضة من الأدمغة، حيث ينال 4 ملايين طالب شهادات جامعية مختلفة سنوياً، ومن ضمنهم أكثر من مليون شهادة في العلوم والهندسة. ومع تراكم تلك الأدمغة، برزت مشكلة الفجوة التي تفصل المعرفة وأصحابها عمن يعملون فعلياً في الأرض. وقفز الى الأمام سؤال: "كيف يمكن إيصال العلم الى المزارع والفلاحين"؟ وفي منتصف الستينات، وُضعت سياسة تقضي بأن تذهب أفضل الأدمغة بالتكنولوجيا الأكثر تقدماً الى المزارع الأكثر فقراً. وهكذا، استطاعت فرق علمية مختلفة ان تبرهن ان مساحة الأرض التي تُعطي طناً في إمكانها استخدام وسائل علمية لتعطي 5 أضعاف تلك الكمية. وبرهن علماء الهند لفقرائها ان التكنولوجيا لديها وسائل في إمكانها إنقاذهم من العوز والجوع، وان تسير بحياتهم الى الأفضل. لماذا الأفقر؟ "لأن أي شيء يحصل في أرض الغني هو رفاه وليس علماً".