جريدة الجرائد

فائزون بجائزة نوبل يعتبرون حرية المعلومات مكافحة للإرهاب ...

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الأربعاء: 2006.05.10"بيوفيجن الاسكندرية 2006": البيولوجيا أساس في قهر التخلف الاسكندرية - أحمد مغربي، الحياة

سواميناثان: الثورة العلمية الخضراء نجحت لانها ابتدأت من تراب الفقراء وأيديهم على الرصيف المقابل للمدخل الأنيق لـ"مكتبة الاسكندرية"، التي استضافت أخيراً مؤتمر "بيوفيجن 2006" Biovision Alexandria 2006، ثمة مدخل آخر، تعلوه لافتة كُتب عليها بأحرف حمر كبيرة "كلية التجارة - جامعة الاسكندرية". ويُعرّف مدخل المكتبة عن نفسه بتمثال بطليموس (أحد أشهر خلفاء الاسكندر المقدوني - المؤسس الأسطوري للإسكندرية ومكتبتها الغابرة) الذي انتشل بعد بقائه قروناً في مياه هذا الثغر المتوسطي الشهير. ويتشكّل المدخل الآخر من بوابة حديد سوداء ذات قضبان سميكة، تتحكم بالبوابة المؤدية الى مُجمّع الكليات النظرية في جامعة الإسكندرية. وتجاور تمثال بطليموس لوحة اسمنتية ضخمة ومقوسّة، نُقشت عليها حروف من اللغات الهيروغليفية واليونانية والقبطية القديمة والعربية والانكليزية. وتبدو تلك اللوحة وكأنها شكل اسمنتي لشاشة كومبيوتر متخصص بالتواصل بين الثقافات المختلفة عبر التاريخ. لا شيء من ذلك على المدخل الآخر، الذي يبدو أقرب الى "الكليشيه" النمطي عن الجامعة، كما عرفتها مصر وبلدان العالم الثالث. واستطراداً، تملك المكتبة، التي تحرص على اسم يُذكّر بحضارة اليونان ما يشكل رابطاً بثقافة الغرب وتاريخه، موقعاً متطوراً على الانترنت bibalex.org، ويغيب هذا المنحى الالكتروني عما في المدخل الآخر. وبمعان كثيرة، يبدو الفارق بين المدخلين أكبر من الشارع غير العريض الذي يفصلهما، ولكنه أحياناً... أقل! فما الذي يقوله مدخلان متجاوران لبعضهما بعضاً، في عتمة الليل، حين يخلو الشارع من البشر، أو في عز اندلاع الظهيرة؟ بالنسبة الى البعض، قد يُشكل الفارق بين المدخلين مشهداً رمزياً للفارق بين عالمين: القطاع الحكومي الذي أمسك بالمؤسسات الجامعية في العالم العربي منذ عقود وقادها الى التكلّس، والقطاع الخاص الذي يفور بديناميكية التعامل مع متغيّرات العصر وحضاراته. إلى أي حدّ يمكن وصف الأمور بهذة الثنائية التي لا تخلو من تبسيط؟ كثير ممن حضروا لقاء "بيوفيجن 2006"، وكذلك كثير من العاملين في "مكتبة الاسكندرية"، عبروا الفاصل بين المدخلين المتجاورين في حي الشاطبي العريق وصعدوا السلّم الأكاديمي للجامعات الحكومية، وتخصّصوا في الخارج عبرها، وعادوا ليترأسوا كلياتها، وليقودوا مسارها العلمي أيضاً. وشهد "بيوفيجن"، الذي يُمثّل مؤتمراً علمياً متخصصاً يُناقش آفاق تطور علوم البيولوجيا خلال القرن 21 (يفترض ان يأتي الى جلساته جمهور متخصص أيضاً)، حضور كوادر علمية جُلّها من الجامعات الحكومية. وتمثّلت فيه "مدينة مبارك للعلوم" التي تحظى برعاية رسمية. وفي خطوة لافتة، حضر المؤتمر الاسكندراني جمهور شبابي من الجامعات المصرية. ورأت المكتبة في ذلك الحضور تطوراً مهماً، لأنه يعبّر عن تفاعل الأجيال الشابة في مصر مع معطيات القرن 21، كما يُشكّل خروجاً عن النشاطات النمطية للجامعات. والحال ان أولئك الشباب جاؤوا من جامعات خاصة، مثل "الجامعة الالمانية" في القاهرة، وحكومية. ماذا لو تجاوزنا الانقسام ذا الطابع الوظيفي البارد، في ثنائية "حكومي وخاص"؟ ماذا لو نظرنا الى تلك "الثنائية"، التي قد لا تمثّل ثنائية فعلياً، من الوجهة الثقافية والفكرية؟

لنجرّب شيئاً آخر. ماذا عن العلاقة التفاعلية تاريخياً بين المدخلين، حيث أدى فشل الجامعات في النظام العربي المتكلس في كسر حلقة التخلف الهائل (إضافة الى توليده مشاكل من نوع بطالة الجامعيين وأمية المثقفين وشكلية تسلطية في "المؤسسات" العلمية الرسمية وغيرها)، الى تفكير المجتمع في حل ربما مثّلت مشاريع كـ"مكتبة الاسكنرية" جزءاً من المساعي الى حله، ومن دون الاستغناء عنه ولا الحلول محله أو إلغائه؟ ماذا لو ان المدخل الأول يسعى لحل الاستعصاء التاريخي للمدخل الثاني؟ ألا تبدو العلاقة بينهما، في تلك الحال، أعقد من ثنائية تبسيطية؟ لنجرب مثالاً آخر. يبدو ان الحجاب العصري، الذي يرتاح الى ارتدائه مع ملابس عصرية وكوزموبوليتية ومعولمة، يعبر بسهولة الفارق بين حدّي تلك الثنائية المفتعلة. ويلفت في "بيوفيجن" صعود نموذج الفتاة المصرية التي ترتدي الحجاب، ومعه ملابس لا تختلف كثيراً عما ترتديه الفتيات اللاتي يوصفن بـ"التحرر"، وتتعامل مع معطيات الحداثة بقوة لافتة: من الكومبيوتر والانترنت، الى أنواع العطور ومُكوّنات المكياج الغربي الطابع، الى التمكّن من الثقافات الاجنبية ولغاتها. واستطراداً، فإن تلك المرأة تبدو وكأنها تُكمل التحدي الحداثي الذي يطرحه صعود نموذج "المثقف الاسلامي" وخطابه راهناً، والذي تتعدد التعبيرات عنه ومن ضمنها الصعود القوي للإخوان المسلمين في مصر. يبدو الكلام وكأنه وصل الى نقاط حساسة، وخصوصاً ان المؤتمر المذكور لم يبعد كثيراً، في الزمان، عن الاحداث التي هزّت مصر في سيناء ومنتجعاتها، والتي ينسبها البعض الى خطوط متطرفة في التيار الاسلامي الصاعد سياسياً في منطقة الشرق الاوسط عموماً.

المعلومات والحرب على الارهاب

بما ينطق التناقض بين مدخلي جامعة الاسكندرية ومكتبتها؟ قدّم د.اسماعيل سراج الدين، مدير "مكتبة الاسكندرية"، عرضاً مفصّلاً عن تاريخ تلك المكتبة، رجوعاً الى ما قبل نشأتها الأسطورية على يد الاسكندر المقدوني. وامتلأت كلمة سراج الدين، الذي دعم عرضه بالكثير من المواد البصرية المصنوعة في المكتبة عنها، بالتلميحات التي تلامس مواضيع الحاضر بإشارات من الماضي. فشدد على ان تاريخ المكتبة يُثبت ان التفاعل الايجابي بين الشعوب، وتقاليد الحرية الفكرية، تعتبر من الشروط الاساسية للنهوض بالعلم. وقدم سيلاً من البراهين التي تُثبت، وخلافاً لما يُشاع كثيراً في الغرب، ان العرب لم يكونوا السبب في اختفاء مكتبة الاسكندرية التاريخية، التي حُرقت وتلاشت قبل الفتح الاسلامي بقرون عدّة.

ونبّه الى ان ذواء ذلك الصرح الهائل جاء ضمن مسار من التفكك والتلاشي، ترافق مع الانحدار التدريجي للحضارة الرومانية نفسها، وتآكل تلك الامبراطورية بفعل عوامل داخلية وخارجية عدّة. وتوقف مُطوّلاً أمام النهوض العلمي في الحضارة العربية - الاسلامية، مُبيّناً ان علماء تلك الحقبة، مثل ابن الهيثم والبيروني وابن سينا وابن الشاطر، مارسوا "الشك العلمي" بجراءة لافتة بالنسبة الى من يعمل ضمن صعود مشروع ديني كبير، وصلت حد رفضهم التام للأفكار المسبقة، وعدم الاحتكام الى غير العقل. ولفت الى بعض الإنجازات المعروفة للعلماء العرب، مثل تأسيس علم الجبر، وقوانين الضوء عند ابن الهيثم، وقواعد الأعداد عند الخوارزمي (التي تُستعمل لحد الآن في الكومبيوتر)، واكتشاف الدورتين الدمويتين الكبرى والصغرى على يد ابن النفيس، والتوصل الى كروية الأرض وانها ليست مركز النظام الشمسي في مرصد مراغة، وتوصيف الأمراض وعلاجاتها عند ابن سينا الذي ظل كتابه "القانون" مرجعاً أوروبياً في الطب لفترة طويلة وغيرها.

وفي كلمة دافع فيها بشجاعة عن الحق الانساني في المعرفة، رأى هارولد فارمس (حائز جائزة نوبل في الطب عام 1989) ضرورة فتح نقاش عالمي عن حرية المعرفة باعتبارها ضرورة للبشر، وليس كسلعة تُبحث ضمن التبادل العالمي وأسواقه. ورأى ان الأمر يستأهل مفاوضات دولية حوله. ودعا الشركات الكبرى الى تفهم الموقف القائل بأن تشددها في مسألة حقوق الملكية الفكرية يوّلد الكثير من الآثار السلبية. واقترح فتح نقاش عن امكان للتوصل الى صيغة ما، تحافظ على التوازن الصعب بين الحفاظ على حقوق الشركات من جهة، وحق الاقل نمواً (والاكثر فقراً) في العلم والمعرفة. وتطرّق الى الامكانات الكبيرة التي يفتحها التبادل الالكتروني للمعلومات عبر الشبكات الرقمية الدولية، وخصوصاً الانترنت. ونبّه الى ان تلك الواسطة لا تضمن، بحد ذاتها، سريان المعرفة وعلومها بين العالمين المتقدم والنامي. وفي هذا السياق، ألمح فارمس أيضاً الى الفجوة الرقمية الهائلة بين العالمين، وضمن كل منهما، كما يظهر مثلاً في واقع ان أكثر من نصف سكان الكرة الارضية لا مدخل لهم الى الانترنت، وأن شطراً آخر منهم يملك دخولاً غير كفيّ الى الشبكات الرقمية ومعلوماتها.

ونوّه بما فعله "مشروع الجينوم البشري" Human Genome Project، الذي وضع معلوماته عن تركيب حمض الوراثة وجيناته في موقع مفتوح على الشبكة الدولية للكومبيوتر.

وشدد فارمس على مسؤولية النُخب العلمية في البلدان المتقدمة، مثل حائزي نوبل، في مجال سريان المعلومات المفتوح عالمياً. ولأن التقدّم العلمي من الشروط الاساسية لتجاوز التخلف ومشكلاته وأوضاعه المُعقدة، ألمح الى ان حرية المعلومات تساهم في وقف هجرة الأدمغة من البلدان النامية، كما في امكانها المساهمة في تخفيف معاناة الشعوب النامية ما يساهم، ولو بصورة غير مباشرة، في أمن العالم واستقراره. وقدّم وجهة نظره عن أهمية "مراكز التألق العلمي"، بالاستناد الى بعض التجارب من العالم الثالث.

العلم من أرض الفلاح

إهتمام نسائي بالعلم في لقاء خاص مع "الحياة"، قدّم العالم الهندي الذائع الصيت مونكوبو سامباسيفان سواميناثان، الذي يوصف بأنه "قائد الثورة الخضراء" في الهند، عرضاً مفصّلاً عن تجربة بلاده في استخدام العلم في التنمية وكسر دائرة التخلّف. وهو اختصاصي يجمع بين تضلعه في علوم النبات وتمكنه من العلوم الجينية، التي نال درجة الدكتوراه عنها من جامعة كمبردج عام 1952. وفي عام 1966، استطاع ان يؤقلم البذور المكسيكية مع الظروف المناخية في البنجاب ما ولد زيادة كبيرة في الغلال. وفي العام التالي، نجح مع فريق علمي في تهجين حبوب القمح، لتعطي محاصيل وفيرة، ما اعتبر نقطة الانطلاق في الثورة الزراعية في الهند. ويترأس مؤسسة للأبحاث العلمية تحمل اسمه، وعنوانها على الانترنت mssrf.org. وكذلك عمل مستشاراً في "اللجنة العلمية الاستشارية" للامم المتحدة (1980)، كما ترأس "الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة ومصادرها". وبالنظر الى جهوده في مجال الزراعة المستدامة، مُنح أول جائزة دولية عن "طعام العالم" (1987). كما نال "جائزة اينشتاين الدولية للعلوم" (1986)، و"جائزة فولفو للبيئة" (1999) و"جائزة فرانكلين روزفلت عن الحريات الاربع" (2000). ومنحته 43 جامعة درجة الدكتوراه الفخرية. ويقود منذ فترة طويلة "مؤتمرات البيغواش عن العلوم وشؤون العالم"، وأسست تلك المؤتمرات بجهود مشتركة بين ألبرت اينشتاين والفيلسوف الانكليزي الشهير برتراند راسل، لمناهضة سوء استخدام العلوم في عالم ما بعد القنبلة الذريّة. ويترأس راهناً قسم "التكنولوجيا البيئية" Ecotechnology في منظمة الـ"يونيسكو"، إضافة الى ترؤسه "اللجنة الوطنية للفلاحين" في الحكومة الهندية.

ونبّه سواميناثان الى ان عمله يتركز راهناً على استيلاد انواع من حبوب المحاصيل الاساسية تقدر على مقاومة الجفاف والمياه المالحة والظروف المناخية الصعبة. واعتبر ذلك اسهاماً في التوصّل الى عالم خال من الجوع. ولفت الى ان هذا التوجّه يعتبر استكمالاً للسياسة التي صاغها رئيس وزراء الهند الأول في مرحلة ما بعد الاستقلال جواهر لال نهرو، تحت شعار "في بلادنا، في إمكان كل شيء أن ينتظر إلا الزراعة". وبيّن ان الأمر يعود الى معاناة الهند مجاعة هائلة في خضم الحرب العالمية الثانية، إبان الحكم الانكليزي، ما جعل قهر المجاعة هدفاً أولاً للاستقلال. وبفخر، أشار الى ان بلاده، خلال نحو 60 عاماً من الاستقلال، لم تعان مجاعات ضارية، مُقراً بوجود شكل متوطن من الجوع سببه الفقر والتفاوت الطبقي وسوء توزيع الثروة الاجتماعية ومشاكل التنمية وسواها. ورأى ان القضاء عليه يعتمد، بحسب سياسة الحكومة الحالية، على رفع القدرة الشرائية للفقراء. وأوضح ان ثلثي الشعب الهندي يعتمدون الزراعة (وما يتصل بها من أسباب العيش مثل الصيد والغابات وتصيد الأسماك)، ما يجعل المزرعة الصغيرة للفلاح هي بؤرة تفكير المشاريع العلمية في تلك البلاد. وبدا كحكماء الهند في الأساطير، عندما تحدث عن ضرورة ان يبدأ العلم من أرض الفلاح! فبيّن أولاً ان الهند تملك قاعدة عريضة من الأدمغة، حيث ينال 4 ملايين طالب شهادات جامعية مختلفة سنوياً، ومن ضمنهم أكثر من مليون شهادة في العلوم والهندسة. ومع تراكم تلك الأدمغة، برزت مشكلة الفجوة التي تفصل المعرفة وأصحابها عمن يعملون فعلياً في الأرض. وقفز الى الأمام سؤال: "كيف يمكن إيصال العلم الى المزارع والفلاحين"؟ وفي منتصف الستينات، وُضعت سياسة تقضي بأن تذهب أفضل الأدمغة بالتكنولوجيا الأكثر تقدماً الى المزارع الأكثر فقراً. وهكذا، استطاعت فرق علمية مختلفة ان تبرهن ان مساحة الأرض التي تُعطي طناً في إمكانها استخدام وسائل علمية لتعطي 5 أضعاف تلك الكمية. وبرهن علماء الهند لفقرائها ان التكنولوجيا لديها وسائل في إمكانها إنقاذهم من العوز والجوع، وان تسير بحياتهم الى الأفضل. لماذا الأفقر؟ "لأن أي شيء يحصل في أرض الغني هو رفاه وليس علماً".

amoghrabi@alhayat.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف