اقتراحات لقانون اعلام سوري جديد يلغي عقوبة السجن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دمشق - ابراهيم حميدي، الحياة
الصحافة المكتوبة تجاوزت حواجز المنع بفضل شبكة الانترنت
طوى المرسوم التشريعي الرقم 50 الصادر في أيلول (سبتمبر) عام 2001 الذي يعرف بـ"قانون المطبوعات" صفحة "التأميم الاعلامي" المعلنة في سورية منذ بداية ستينات القرن الماضي بسماحه بتأسيس دوريات خاصة، لكنه تضمن في الوقت نفسه كثيراً من الضوابط المقيدة لعمل الصحافيين والعقوبات الشديدة قياسا الى قانون المطبوعات القديم الصادر عام 1949 والى القوانين الموجودة في الدول المجاورة او تلك التي تمر بظروف مماثلة.
ويعود اول قانون للاعلام في سورية الى عام 1856 عندما كانت البلاد تعيش تحت الامبراطورية العثمانية. وبقي نافذا الى ما بعد الاستقلال عام 1949 عندما اقر قانون الاعلام. وبعد وصول "البعث" الى الحكم عام 1963، صدر قرار مجلس قيادة الثورة الرقم 4 الذي أقفلت بموجبه كل الصحف والمجلات ما ادى الى وقف 13 صحيفة في دمشق وبضع صحف في المدن الاخرى، باستثناء صحيفة " البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم وصحيفة تابعة للناصريين. وأسست صحيفة "الثورة" في بداية الستينات تيمنا بـ"ثورة الثامن من آذار" التي أوصلت حزب "البعث" الى الحكم، وصحيفة "تشرين" في السبعينات تيمنا بشهري تشرين الاول (اكتوبر) 1973 (الحرب مع اسرائيل) وتشرين الثاني (نوفمبر) 1970 ("الحركة التصحيحية") بالتزامن مع تأسيس "الوكالة السورية للانباء" (سانا) و"الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيوني" ومؤسستين للتوزيع والاعلان. وكان يحصل كل ذلك وفق مبدأ "مركزية الاعلام" و"الاعلام الموجه".
من هنا جاء المرسوم الرقم 50 ليشكل قفزة نوعية، اذ سمح بتأسيس دوريات خاصة للمرة الأولى منذ بداية الستينات. كما صدر قرار حكومي لاحق بالسماح بتأسيس اذاعات خاصة، وسمح قبل اسابيع بتأسيس تلفزيونات خاصة في المناطق الحرة. لكن اللافت ان التراخيص لم تعط حتى الان لصحف او اذاعات سياسية بين عشرات التراخيص التي منحت، باستثناء مجلة "ابيض واسود" الاسبوعية.
واذ يحدو صحافيي سورية التفاؤل ازاء تشكيل لجنة مختلطة من صحافيين مستقلين ورسميين بهدف تعديل قانون المطبوعات الحالي للوصول الى قانون للاعلام يشمل الاعلام المرئي والمقروء والمسموع والالكتروني، فان الواجب المهني والوطني يقتضي المساهمة في بعض المقترحات بما يساعد على الوصول الى قانون اعلام عصري يجمع بين طرفي المعادلة: عصر العولمة التي تحطمت فيها الحدود بالمعنى التقليدي والخصوصية السورية في محيطها الاقليمي.
آلة الطباعة... والانترنت
يعرف قانون المطبوعات الحالي المطبعة بأنها كل "كل آلة أو جهاز أعد لنقل الألفاظ والصور والشارات والأرقام على ورق أو قماش أو غير ذلك من المواد، ولا يدخل في هذا التعريف الجهاز المعد للتصوير الشمسي والآلات الكاتبة المستعملة في الدوائر والمحلات التجارية والمؤسسات والجهاز الذي يستعمل من أجل أغراض تجارية بحتة أو لحفظ النسخ عن الوثائق" قبل ان يطلب من اصحاب هذه المطابع الاحتفاظ بسجل "تدون فيه كل مرة وبتسلسل التاريخ عناوين المؤلفات أو المطبوعات المعدة للنشر وأسماء أصحابها وعدد النسخ المطبوعة منها"، مع التلويح بعقوبة الحبس من عشرة ايام الى ثلاثة اشهر وبغرامة تصل الى نحو الف دولار اميركي او باغلاق المطبعة في حال "تكرار مخالفات من شأنها الإخلال بالأمن أو سيادة البلاد وسلامتها". غير ان التعديل المقترح لا بد ان يأخذ في الاعتبار مدى مناسبة ذلك للعصر الحالي الذي انتشرت فيه الوسائل الالكترونية والفضائيات التلفزيونية.
وتنص المادة الرقم 9 التي تطلب من موزعي وبائعي المطبوعات الدورية الأجنبية تسليم نسخ منها إلى وزارة الإعلام قبل توزيعها في السوق مع اعطاء الوزير صلاحية منع دخول أو تداول هذه المطبوعات إذا "تبين أنها تمس السيادة الوطنية أو تخل بالأمن أو تتنافى مع الآداب العامة". وهنا لا بد من التمييز بين "دخول" الدوريات و"تداولها" من جهة والاخذ في الاعتبار ان كل الصحف باتت موجودة على شبكة الانترنت من جهة ثانية، وان الفضائيات العربية كافة تبث ملخصات يومية عن المنشور في الصحف من جهة ثالثة.
ويعطي المرسوم الاخير رئيس الوزراء سلطة منح الرخص للصحف وغيرها من المطبوعات الدورية، بما في ذلك تلك الصادرة عن "الأحزاب السياسية المرخصة" والمنضوية تحت لواء الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة "البعث". واذ تعطي المادة 12 رئيس الوزراء حق "رفض منح الرخصة لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة"، فان المرسوم لا يتضمن تعريفا لـ"المصلحة العامة". غير ان الضرورة تقتضي اعطاء صلاحية الغاء الرخصة الى القضاء مع السماح باعادة تقديم الحصول على رخصة بعد مرور فترة محددة على قرار الاغلاق.
وبعدما فرضت المادة 12 ايضا شروطا اضافية تتعلق باحترام "التعليمات المتعلقة بإعداد الجريدة ومواصفاتها والمحررين والمراسلين والاشتراك في وكالات الأنباء التي تحدد بقرار يصدر عن الوزير"، فان التعليمات التنفيذية للمرسوم 50 الصادرة من وزارة الاعلام وضعت مزيداً من الصعوبات. اذ حددت شروط إصدار الصحف السياسية بأن تكون في ثماني صفحات من القياس الكبير أو 61 صفحة من القياس الصغير، وأن تعين للعمل فيها خمسة محررين وخمسة مراسلين والاشتراك بالوكالة الوطنية للأنباء ووكالة أنباء عربية ووكالة أنباء أجنبية، وأن تصدر خمس مرات أسبوعيا على الأقل، ما شكل عبئا إضافيا اقتصاديا كبيرا على أي مشروع لإصدار صحيفة سياسية. كما ألزمت التعليمات المطبوعات بألا يزيد حجم الإعلان فيها عن ثلث المادة المنشورة.
ونص المرسوم ايضا على ان تكون ملكية الصحف والمطبوعات الدورية مقتصرة "على المواطنين العرب السوريين أو من في حكمهم منذ أكثر من خمس سنوات"، علما ان عددا من مراسلي الصحف العربية وخريجي كلية الصحافة في جامعة دمشق هم من السوريين غير العرب. كما ان السؤال الذي يطرح: ماذا عن الموقف القانوني من نشرات ودوريات تصدرها احزاب كردية غير مرخصة؟ وتضمن المرسوم ان يكون صاحب المطبوعة الدورية حائزاً على اجازة جامعية أو مالكاً لرخصة مطبوعة دورية وان يكون رئيس التحرير حائزاً إجازة جامعية، أو مارس مهنة الصحافة منذ أكثر من عشر سنوات وحاصلا على كتاب من اتحاد الصحافيين لاثبات العضوية.
يذكر أن المرسوم 85 لعام 1974 الخاص باتحاد الصحافيين من اعضائه ـالايمان بأهداف الاتحاد والعمل بموجبها تحت طائلة الفصل والحرمان من العمل الصحافي و"ضرورة النضال لتحقيق أهداف حزب البعث بالوحدة والحرية والاشتراكية ونشر فكره القومي الاشتراكي".
وينص المرسوم التشريعي على مصادرة أي مطبوعة دورية تصدر بلا ترخيص على الفور بأمر من الجهة الإدارية، ومعاقبة كل من صاحب المطبوعة ومديرها المسؤول ورئيس تحريرها والمسؤول عن طباعتها بالحبس من عشرة أيام حتى ثلاثة شهور مع غرامة مالية.
ومن دون مراعاة للاصول المهنية وتقديرات رئيس التحرير والاخلاق الصحافية، فان القانون يلزم المطبوعات الدورية بأن تنشر مجاناً "كل تصحيح أو رد ترسله إليها الوزارات والإدارات العامة أو المؤسسات الرسمية في شأن مقال أو خبر نشرته يتعلق بالأعمال التي تقوم بها وذلك في أول عدد يصدر بعد استلامها الرد أو التصحيح على ألا ينشر هذا الرد في أي مطبوعات دورية أخرى قبلها".
ثلاث سنوات في السجن
وفيما كان قانون لعام 1949 ينص على عقوبة السجن الى سنة واحدة، فان قانون عام 2001، نص في المادة 51 على تجريم نقل "الأخبار غير الصحيحة ونشر أوراق مختلقة أو مزورة" بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة ما بين عشرة الاف وعشرين الف دولار اميركي. ثم تقضي المادة بتوقيع الحد الأقصى من العقوبتين معاً "إذا كان النشر أو النقل قد تم عن سوء نية أو سبب إقلاقاً للراحة العامة أو تعكيراً للصلات الدولية أو نال من هيبة الدولة أو مس كرامتها أو مس الوحدة الوطنية أو معنويات الجيش والقوات المسلحة أو ألحق ضرراً بالاقتصاد الوطني وسلامة النقد".
الامر الايجابي انه جرى تداول معلومات تداولت عن وجود اتجاه لالغاء عقوبة السجن في القانون الجديد واحتمال تحميل المؤسسة مسؤولية سداد الغرامة المالية الباهظة بالمقاييس السورية. والامر الايجابي ايضا، ان مقترحات اتحاد الصحافيين الى لجنة تعديل القانون تساءلت كثيرا عن موضوع "سوء النية" باعتبار ان ذلك عنوان "فضفاض" لا يمكن قياسه قانونا، ما ينطبق ايضا على عبارات "هيبة الدولة أو مس كرامتها أو مس الوحدة الوطنية أو معنويات الجيش والقوات المسلحة"، اذ لا بد من وضع تعريفات دقيقة ومفصلة تحول دون الوقوع في مطب العموميات والتأويلات المزاجية. وجاء في احد المقترحات :"لا بد للفرد من ان يعرف مقدما وسلفا اوامر ونواهي ومحظورات النص الجنائي وقوام الركن المادي لكل جريمة. اذا كانت هذه العبارات تستعصي على التعريف على رجل القانون، فما بالنا بالرجل العادي فضلا عن مرونة ونسبية العبارات من زمن الى اخر".
ومن الطبيعي ان تفرض قيود على حماية الامن القومي وحماية النظام الاجتماعي. لكن هل المقصود بـ"الامن القومي" امن الدول العربية ام الامن القومي السوري، مع ضرورة وضع تعريفات محددة ودقيقة تجمع بين حرية التعبير والعمل الصحافي وحماية النظام العام.
قائمة ممنوعات
ولدى التبحر اكثر في القانون النافذ، يتبين انه يتضمن قائمة طويلة من المواد الممنوع نشرها بموجب المادة 29، مثل " المعلومات المتعلقة بالاتهام والتحقيق في قضايا الجنح والجنايات" قبل تلاوتها في جلسة علنية، ووقائع دعاوى الإهانة والقدح والذم والافتراء، ووقائع المحاكمات السرية وسائر المحاكمات التي تتعلق بالطلاق أو الهجر أو بدعوى النسب، وجميع وقائع الدعوى التي تحظر المحكمة أو دوائر التحقيق نشرها، وتقارير الأطباء الشرعيين حول الجرائم الأخلاقية، ومذكرات مجلس الشعب السرية، والمقالات والأخبار التي تمس الأمن الوطني ووحدة المجتمع وكذلك التي تتعلق بأمن الجيش وسلامته وبحركاته وعدده وتسلحه وتجهيزه ومعسكراته باستثناء التي تصدر عن وزارة الدفاع أو التي تسمح هذه الوزارة بنشرها، ويمنع أيضاً الكتب والرسائل والمقالات والتحقيقات والرسوم والأخبار التي تتضمن طعناً بالحياة الخاصة".
عن أي شيء يكتب الصحافي اذا كان تداول الامور القضائية والنقاشات البرلمانية "ممنوعا"! صحيح ان القوانين في الدول المتطورة تفرض قيودا على تناول الحياة الشخصية والمداولات البرلمانية، لكن لا بد من جعل القاعدة هي التعامل الاعلامي والاستثناء هو المنع، مع ضرورة مراجعة العقوبة التي تصل الى اغلاق الدورية ما بين اسبوع وستة شهور.
ومنع المرسوم 50 أي مطبوعة غير سياسية من نشر مقالات سياسية مع فرض عقوبة تصل الى دفع غرامة تراوح بين 400 دولار وألف دولار وفقاً للمادة 44. وقد الغي ترخيص مجلة "المبكي" العام الماضي وفق هذه المادة، الامر الذي اثار تساؤلات في شأن الحدود الفاصلة بين ما هو سياسي وما هو غير سياسي.
وفي المادة 55 من المرسوم، يمنع الاعلام تسلم اموال مباشرة او غير مباشرة من جهات خارجية بـ"هدف الدعاية لمشاريعها عن طريق المطبوعات" مع فرض عقوبة السجن بين ستة شهور وسنة وبغرامة "تساوي ضعفي المبالغ المقبوضة". أما المادة 55 فتنص على عقوبات أشد لكل من "اتصل بدولة أجنبية وتقاضى منها أو من ممثليها أو عملائها أموالاً لقاء الدعاية لها، أو لمشاريعها عن طريق المطبوعات"، وهي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة بين الف والفي دولار.
والواضح ان الحكومة السورية كغيرها من الدول حساسة تجاه التمويل الخارجي للمجتمع المدني ومؤسسات سورية. لكن لا بد من طرح الاسئلة الاتية: ما هو المقصود بـ"الدعاية"؟ وهل يعتبر تلقي شركات الانتاج السورية اموالا من شركات خليجية لانتاج مسلسلات درامية "دعاية" ام لا"؟ كما ان هناك مخرجين سوريين تلقوا اموالا من شركات فرنسية لتمويل افلام سورية، فهل هذا ضمن سياق "الدعاية" ام خرق للقانون؟ كما ان هناك كثيرا من المراسلين السوريين الذي يتلقون رواتب شهرية من دوريات ووسائل اعلام ممولة من حكومات اجنبية او عربية، فهل ينطبق ذلك عليهم أيضاً.
وتنص الفقرة الاولى من المادة 52 على اعتبار "كل من حرض على ارتكاب جرم بواسطة المطبوعات الموزعة أو المبيعة أو المعدة للبيع أو المعروضة في المحلات والتجمعات العامة أو بواسطة الإعلانات المعلقة في الطرقات وأنتج هذا التحريض مباشرة شروعاً في ارتكاب جرم يعاقب بالعقوبة التي تفرض على الشريك في الجرم المذكور". كما تنص المادة التالية من الفقرة نفسها على ان "كل من امتدح جرائم القتل والسلب والنهب والإحراق المرتكبة بشكل يحرض أو يدفع إلى ارتكاب هذه الجرائم ثانية يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من مئة ألف ليرة سورية إلى 200 ألف ليرة سورية".
ومن اغرب المواد الموجودة في القانون، الفقرة ج في المادة 28 ونصت على ان "لا يسأل الصحافي عن مصادر معلوماته الصحافية باستثناء ما يسنده إلى مصدر مسؤول، وللوزير صلاحية سحب بطاقته الصحافية في حال امتناعه عن التعريف بهذا المصدر". غير أن المرسوم لم يعرِّف هذا التعبير المبهم "مصدر مسؤول"، ما يفتح الباب أمام تأويله على نحو تعسفي. لكن الامر الذي يدعو الى التفاؤل ان مقترحات اتحاد الصحافيين تضمنت نقطتين :"من المتعارف عليه ان للصحافي الحق في الحفاظ على سرية مصادر المعلومات. وهذا شرف واخلاقيات المهنة، وان الوزير لا يستطيع سحب البطاقة الصادرة عن الاتحاد"، علما ان أي مراسل صحافي يحتاج الى بطاقتين للعمل: واحدة تصدر عن الوزارة وثانية تصدر عن اتحاد الصحافيين. واذ يقترح "الاتحاد" اعتماد فقرة بديلة تنص على ان "الصحافي لا يسأل عن مصادر معلوماته الصحافية"، فان مرحلة الاصلاح تقتضي التشديد على حقه في الوصول الى المعلومات وحق الرأي العام في الاطلاع عليها والمساهمة في النقاشات الدائرة للتطوير.