بشتآشان.. المجزرة و دَور جلال الطالباني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
السبت: 2006.05.13
بشتآشان مكان خالد في الذاكرة الوطنية
أحمد الناصري
بشتآشان مكان خالد ومقدس في أرضنا الوطنية، مكان خاص يتشبث بقوة بالذاكرة العراقية وحضورها وتألقها الأبدي، ويمسك بها ويجلوها كل عام في آيار، ولأنه ليس مكاناً عادياً أو عابراً، ولا يمكن نسيانه أوتجاهله أو طمرة تحت غبار الزمن والتهرب والصفقات التافهة، فالجريمة قائمة وثابتة بالشهود الشهداء منهم والأحياء .. حتى من صمت وتنازل عن حقه الشخصي ، لا يحق له التنازل عن الحق العام ، فالحق العام له شروطه القانونية والأخلاقية الأخرى ، كما لايحق لأحد أن يتنازل عن حق الشهداء الخالد ، أو يتحدث بإسمهم بعد إن صمتوا صمتهم الأبدي الجليل ، وبقاء دمهم راية شاخصة فوق تراب الوطن .
بشتآشان الأرض ، كانت مكاناً عادياً وشريطاً حدودياً معزولاً ومنسياً ، حاولت فيه مجموعة مقاومة وحالمة أن تواجه وتصد الطوفان الفاشي ، وإن تدافع عن الناس .. لكن هذه الأرض تأبدت وخلدت بعطر دماء الشهداء بعد إرتكاب الجريمة والمجزرة الشهيرة في الأول من آيار عام 1983 ، التي نفذها الإتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني ونو شيروان مصطفى والمجموعة المتخلفة الحاقدة في ( أوك ) وخاصة جناحه الثوروي كومله ، بالتنسيق والتعاون المشترك مع السلطة الفاشية ، وبإشراف من المجرم المتخلف برزان التكريتي ، الذي قدم المساعدات العسكرية والمالية والطبية المفتوحة للقوات المعتدية على مقراتنا في بشتآشان ، ذلك التعاون القذر الذي لن ينساه جلال الطالباني لبرزان الى الآن رغم تبدل الأحوال والمواقع .. لقد تم العدوان الدموي رغم إننا كنا في غمرة الاحتفال بعيد العمال والكادحين ، وربما إستغل أوك هذا الإنشغال وهذه الغفلة .
في بشتآشان البعيدة والمنسية اليوم ، حصلت مجزرة خسيسة وجبانه وعدوان آثم ، نحج بسهولة بسبب رخاوة وجبن قيادة الحزب الشيوعي العراقي ، وليس بسبب قوة وجبروت قوات ( أوك ) ، حصل الإختراق والإجتياح العسكري لمقراتنا وقواعدنا لإن القيادة لم تؤسس الحركة المسلحة ومقراتها على أسس صحيحة ، ولم تقّدر طبيعة القوى الكردية المسلحة ، وأمكانية التحول السياسي والعسكري لأوك ( أو غيره ) نحو السلطة وتحالفها المشين مع الفاشية ، ولم تتابع الصفقات والتنسيق بينهما . لقد نجحت القوات المعتدية في عدوانها لأن قيادة الحزب الشيوعي مسترخية ومطمئنة دائماً للحليف - العدو ، ولا تقرأ هذه الثنائية الى الآن ، ولاتمتلك الحس العسكري والأمني المطلوب لوضع الخطط المطلوبة للتصرف مع الحالات الطارئة ، والأمثلة كثيرة ، وهي مستعدة دائماً للهروب ( الإستباقي ) والهزيمة المحسوبة لإنقاذ نفسها أولاً وقبل كل شئ ، والتنازل والرضوخ للعدو في حال الأسر أو الاعتقال ، والدوس على جثث ودماء الشهداء كما حصل في بشتآشان نفسها ، حينما وقعت العناصر القيادية التافهة والمتهرلة ، أمثال كريم أحمد وأحمد باني خيلاني وعناصر أخرى من الصف الأول والثاني ، وتنازلت بسرعة خاطفة ، وعاد كريم أحمد وفي حزامه مسدس كهدية من القاتل ، وورقة صفراء فيها إتفاق تافه مع القاتل ، لايحق لكريم أحمد ورهطه عقده لإنه كان مجرد أسير ، وليس مفاوض !!
أعتقد إن هذه الصفات وهذا السلوك هو من يقف وراء الصمت المشين لقيادة الحزب الشيوعي التي كانت متواجدة في بشتآشان .. فقد أصدرت هذه القيادة تقييماً باهتاً ويتيماً تحت ضغط الأحداث الدامية ، أسميناه في وقتها ( التقييم الإسفنجة ) وكان الغرض منه إمتصاص الغضب العارم التي ساد القواعد الحزبية المسلحة والحزينة والمهزومة ، وقد طالبنا بتقييم عملي وبإجراءات عملية لمحاسبة المسؤوليين عن حصول المجزرة بهذه الطريقة المروعة ، وبهذه الخسائر الباهضة ، ولكن حين عاد كريم أحمد ومسدسه الجلالي يتدلى من حزامه الى قواعدنا المؤقته في الجانب الإيراني من جبل قنديل الرهيب ، شن هجوماً بائساً على ما أسماه بالليبرالية والتسيب اللذان تسببا في المجزرة والنكسة .. وكانت تلك صدمة جديدة للرفاق ، وقد ردوا عليه رداً قاسياً وقوياً ، وإتهموه مع عناصر القيادة الأخرى بالجبن والتخاذل والتخلف عن الأحداث ، وقد طردوه من ذلك الإجتماع الشهير شر طرده !! ثم جاء عزيز محمد العنصر الخائب الآخر في نهاية عام 83 الى منطقة بارزان ليوبخ العناصر القيادية التي إستصدرت التقييم ، ويقول لهم كيف لكم أن تكونوا قيادة حزبية وتصدروا مثل هذا التقييم ؟؟ فبشتآشان كانت مجرد معركة ، وقد خسرنا المعركة فقط .. تصوروا هذا الموقف التبريري والتوصيفي المشين !! ثم جرى تناسي بشتآشان الثانية وملابساتها الرهيبة ، وتزامنها مع الهجوم الإيراني الواسع على حاج عمران وقلعة دزة في صيف عام 83 ، والشروط التي فرضها إدريس البارزاني على ملازم خضر ( أبوعايد ) في كيفية التحرك والبقاء في قمة جبل قنديل ، وعدم النزول الى حوض بشتآشان ، وتهديده له بتخريب تحالف ( جود ) إن هو نزل وتوجه الى بشتآشان !! ومن ثم حصول هزيمتنا الثانية وخسارتنا الجديدة لعدد كبير من الشهداء.
هناك أطراف عديدة لها مصلحة في عدم كشف ونشر تفاصيل جريمة بشتآشان ، وغيرها من الجرائم والملفات الشائكة الكثيرة ، وعدم السماح في إنتقالها الى الضوء بأخراجها من الدهاليز السرية ، وهذه الجهات تستغل الفوضى العامة التي يمر بها وطننا ، وتستغل الحماية التي يوفرها الاحتلال لها وسيطرته على جميع الوثائق والتصرف بها بما يخدم مصالحه وتوجهاته وأساليبه .. إن فتح هذه الملفات ونقلها الى القضاء الوطني المستقل والنزيه ، بعد تشكيله ، أو نقلها الى القضاء العالمي ، هو واجب وضرورة وطنية لتقييم وتجاوز المرحلة السابقة ، حيث إن الدم لايمكن أن ينسى أو يسقط بالتقادم أو بالصفقات البينية البائسة ، ولاتجري المعالجة بمناشدات خائبة يطرحها عنصر بائس على القاتل كي ينصف ضحاياه ويعترف بهم ، بعد إن صمت دهراً ونطق كفراً ، وهو عنصر لا بالعير ولا بالنفير ، ولا أدري من ورطه ودفعه دفعاً ليكتب ما كتب ؟؟
لقد تقدمت مجموعة من الناجيين من مجزرة بشتآشان وعوائل وأصدقاء الشهداء ، بدعوة قضائية مفتوحة لكشف كل تفاصيل الجريمة ، وإدانة المجرمين وكشف أدوارهم في الجريمة ، خاصة جريمة قتل الأسرى والتنكيل بجثامينهم ، والصلة الأكيدة والتنسيق العسكري مع السلطة الفاشية ، لقد كانت المذكرة خطوة أولية على طريق ندرك إنه طويل وصعب ، في ظروف عامة معقدة وصعبة ، ولكن لابد لنا أن نتحرك وأن نبادر ، ونحن ننتظر من يبادر .
إن دور جلال الطالباني الشخصي وجماعته في إرتكاب الجريمة وتفاصيلها المروعة ثابت ومعروف وموثق، وجاء تنفيذاً للعقيلة الإنتقامية والعدوانية ، ولفرض السيطرة على الحركة المسلحة ومناطقها ، من منطلق الإقطاع السياسي والعسكري السائد في كردستان ، وقد خاض ( أوك ) معارك داخلية كبيرة ومتصلة ، كما كان العدوان مقدمة لعقد صفقة جانبية مشينة مع الفاشية ، ضمن لعبة التقلبات السريعة والمتناقضة التي يلعبها ويمارسها جلال الطالباني طوال حياته ، والتي إنتهت به اليوم الى مكتب إداري شكلي مجاور لمكتب السفير الأمريكي الحاكم في المنطقة الخضراء ببغداد ، محمي بقوات الإحتلال الأمريكية ، وليس بقوات وطنية عراقية . كما كان العدوان على بشتآشان له أغراض ودوافع إقليمية وربما عالمية ، أرادته دوائر عديدة ، خوفاً من تطور ظاهرة قواعد الأنصار ، وخروجها من يد القيادة اليمينية ، وتحولها الى ظاهرة ثورية عراقياً وعربياً !!
لقد تصفحت موقع الحزب الشيوعي العراقي ولم أعثر على ذكر أو إشارة للجريمة أو للشهداء والضحايا ، كذلك سوف تصمت أو تخفف الغرف والمواقع الناطقة بإسم الإنصار ، ولاتتطرق الى الأسباب الحقيقية للكارثة ، ولا تكشف وثيقة أو معلومة جديدة حتى بعد مرور ما يربو على ربع قرن . إنما تريد أحاديث وذكريات عامة ، تحت ذرائع وتبريرات متهافتة ، من قبيل : إن الوقت غير مناسب لفتح الملفات والجروح القديمة ، وإن الوحدة الوطنية أهم من كل دماء الشهداء .. كذا ، على طريقة لفلفة الجراح السائدة منذ عقود طويلة ، في مفارقة عجيبة ومؤسفة ، وهذا ماحصل فعلاً عدا بعض الآراء الجريئة والواضحة ، والتي تمثل رأياً آخراً ، غير مقبول وغير مرحب به في مثل هذه المناسبات !! فكيف تكون غرفة أنصار بدون موقف واضح وجرئ من مجزرة بشتآشان ، بدون نقاط ومواقف ومطالب ، ولو ( واقعية ) ومحددة ؟؟ فمثلاً كم موضوع كتب بهذه المناسبة الأليمة ؟؟ ولماذا يصمت من يصمت ؟؟ إنها مثل من يريد تذكر كربلاء من دون ذكر مأساة الحسين ؟؟ هل كثير عليهم وعلينا هذا التذكار البسيط ؟؟ وهل علينا أن نؤجل أو ننسى هذه الذكرى الجليلة المعمدة بالدم الجليل ، لكي لانجرح مشاعر الحلفاء الدموية ؟؟ هل علينا أن نتنازل عن ذاكرتنا ونمسحها لعيون الحليف ؟؟ وماذا فعلنا للشهداء رغم إن كردستان محررة منذ عام 91 ؟؟ كذلك أستغرب ( أو علي أن لا أستغرب ، لست أدري) صمت البارتي وعناصر الحزب الإشتراكي الكردستاني السابق وكل العناصروالعوائل التي تعرضت للجريمة والتنكيل ، على الأقل في تذكر وتكريم الشهداء والضحايا !!
في ذكرى بشتآشان السنوية نوقد الشموع للشهداء ونهدي لهم الورد والقصائد والدموع والملح والياس ، ونقييم تماثيل لهاماتهم العالية وجباههم النبية ، ونشيد لهم الحدائق والشوارع .. نتذكر كل من مر على درب المذبحة وشمُّ رائحة الدماء الطاهرة .. نتذكر هيبة المكان وعزلة القرى .. نتذكر الجبل والشجر والحجر والطير وعيون الماء .. نتذكربغالنا الوفية والماعز الجبلي المغامر .. نتذكر بشتآشان قرية الشهداء وبيت الشهداء وجبل الشهداء وأنهار وينابيع الشهداء وجنة الشهداء .. ونتذكر كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة .. ونستعيد أحلامنا المغدورة في قرية الفجيعة بشتآشان ، التي كانت ستقودنا الى وطن محرر أو مدمر ، حيث تحول الحلم الى كابوس ثقيل وطويل يمتد من بشتآشان الى بغداد المحتلة ، ويعم كل خارطة الوطن القتيل بيد أعدائه ، وكأن مذبحة بشتآشان كانت بروفة أو مقدمة للمذابح الوطنية العامة الجارية اليوم في معانيها الخاصة والعامة.
عن موقع بشتآشان