ميشال كيلو الذي تجاوز الخوف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الجمعة: 2006.05.19
رضوان السيِّد
بدأت اقرأ لميشال كيلو في السبعينات، وتعرفت اليه في الثمانينات اثناء عملي بمعهد الانماء العربي، ومجلة الفكر العربي. وعندما قابلته لأول مرة كان خارجاً من السجن، وكان يعتبر نفسه محظوظاً لانه لم يُنسَ هناك لمدة سحيقة كما نُسي أقرانه وزملاؤه! وما كنت قد تبينت توجهاته السياسية من كتاباته وترجماته، لانه قلما كتب في السياسة المباشرة؛ بل كان بحكم تخصصه يميل للكتابة الفلسفية والثقافية العامة. ومع ان زملاءه الصغار والكبار كانوا يترددون اكثر منه على لبنان، ونقابلهم اكثر؛ فقد شدتني اليه لأول وهلة آصرة الالمانية التي استمتع بها كلانا في الدراسة. وكثيرا ما تبادلنا النِكات حول ما نعرف مما لا يعرفه الاخرون لاتقاننا تلك اللغة الساحرة. وهو مغرم بهيغل ونيتشه؛ في حين كنت اصر تحت وطأة التأثر بكارل وو على ان فيلسوف الفلاسفة في كل العصور كانط حديثاً، والمعلم الاول ارسطو قديماً! وقد عرفت طبعاً من قبل ان ألقاه انه ماركسي، لكنه لشدة تشبثه بفكرة الحرية، ما كنت اتصوره منتمياً لحزب لينيني، وهو على كل حال سرعان ما خرج متلفتاً ذات اليمين وذات اليسار ومع ياسين الحافظ ثم مع رياض الترك. ولذلك وجد نفسه على انتظار أو غير انتظار في الاعتقال الذي لم ينل من عزيمته قيد انملة. اذ من طرائف حزب البعث القائد في الدولة والمجتمع انه اعتبر من ضمن مهامه المنتمية الى "الرسالة الخالدة" حفاظه المنقطع النظير على خالد بكداش وزوجته وصال فرحة مثل حفاظه على عصمة القائد والثورة وخلودهما.
... وميشال كيلو من بين كل من عرفتهم من المثقفين المعارضين لحكم البعث او الموالين له الاوسع ثقافة، والاكثر هدوءاً، على صلابة لا تتظاهر او تكابر، لكنها لا تتخفى ولا تخامر. قلت له مرة أواخر التسعينات ـ وربما كانت المرة الوحيدة التي غضب فيها عليّ ـ: لا ادري كيف يصبرون عليك هناك؛ وبخاصة ان ما تقوله ببيروت، سمعتك تقوله بالشام! غضب الرجل فعلاً وقال مرتفع الصوت: أهذا سؤال؟ بل كيف اصبر أنا ويصبر الشعب السوري عليهم؟! أريد أن اقول لك شيئاً اعتادوا ان يقولوه عن الفلسطينيين: ما عاد هناك شيء نخسره او نخاف عليه! ما عاد هناك اثر للخوف ولله الحمد منذ عشرات السنين، لكن كانت عندي اوهام باقية حول ما يستحلون فعله وما لا يستحلونه، وقد بقي ذاك الوهم حتى اواسط التسعينات لسوء الحظ، وأنا مقتنع الان انهم ومنذ اواسط الستينات ما كان عندهم حلال ولا حرام؛ بل استباحة لكل شيء تربينا وتربوا عليه! نحن كنا منصرفين للتصارع حول طرائق وسبل تحرير فلسطين، وهم كانوا منصرفين للتخطيط كيف يسيطرون علينا ولا شيء غير ذلك!
رأيت ميشال كيلو عدة مرات في الشهور الثلاثة الماضية. لكنه ما حدثني بشيء عن بيان تصحيح العلاقات اللبنانية ـ السورية؛ بل فعل ذلك صديق مشترك لنا. وقد رأيت في البيان شجاعة ونزاهة اعرفها عن الـ17 مثقفاً الذين اعرفهم من بين عشرات الاخوة الشوام الموقعين. وما من واحد من هؤلاء إلا وعرف أهوال الاعتقال وحجر الحرية والمنع من السفر، وتضييق سبل العيش، ولأسباب أقل بكثير من توقيع البيان.
قد تطول مدة اعتقال ميشال كيلو وقد لا تطول، لكن الذي اعرفه منه وعنه انه خلّف وراءه ومنذ مدة الخوف والوهم. ووضع نصب عينيه هو والمئات من زملائه وتلامذته هدف الحرية، الحرية للشعب السوري، وللأمة العربية. قال لي مرة، وقد سألته عن رئيس لجنة حقوق الانسان، وكانوا قد سجنوه لأيام: يا حسرة، أنت تسألني عن كيفية الوصول لمراعاة الحد الأدنى من حقوق الانسان، وكرامة الانسان، بينما الذي نطمح اليه ان يكفّوا عن المنّ علينا بما حقّقوه لنا وللأمة العربية من عزة وازدهار! فلا حول ولا قوة إلا بالله.