جريدة الجرائد

هؤلاء ليسوا أبطالاً

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأربعاء: 2006.05.24

عبدالله بن بخيت

قبل مدة تبنت جريدة الصن، أو الديلي مرر مصاريف عودة لص القطارات الشهير (في بريطانيا) بعد أن قضى معظم حياته في البرازيل وقرر العودة إلى بريطانيا بعد أن هدَّه المرض والشيخوخة. أربعون سنة قضاها فارَّاً من وجه العدالة. طريقة هروبه والعملية الجريئة التي قام بها في حقبة الستينيات جعلت من عودته إلى بلاده لقضاء محكوميته نوعاً من الدراما المثيرة مما حدا بالناس التعامل معه بصفته مواطناً حنَّ إلى وطنه وتاق إليه، اختلفت النظرة إليه عن أي مجرم آخر، بل إن بعض الناس صار يتعاطف معه خصوصاً أنه عاد على كرسي المقعدين بعدما حطَّمه الزمن وغيَّر ملامحه ونظرته للحياة. بسبب صخب الجرائد أيدت قِلة من الناس طلبه الوحيد قبل إيداعه السجن أن يتناول الجعة في إحدى حانات لندن من باب استعادة الذكريات على أساس أنه طلب معقول يمكن تلبيته، لكن السلطات البريطانية صرَّحت أن العائد من أكبر المجرمين المطلوبين لا يمكن أن تشفع له غيبته الطويلة عن الوطن وتمنحه أي امتيازات، من واجب الحكومة تطبيق العدالة بلا شفقة أو رحمة.
الشعب البريطاني لم يكن يجهل حقيقة الجريمة التي ارتكبها هذا المجرم، لكن صياغة الصحافة لعودته والطريقة التي عاد بها جعلت الناس تنظر للأمر وكأن مواطناً حنَّ لوطنه وعاد.
استقبلت هذه الأيام السلطات الأمنية في المملكة عدداً من المواطنين الذين تمَّ الإفراج عنهم من سجن غونتنامو بعد أن قضوا أسوأ أيام حياتهم في معتقل لا يوفِّر لقاطنيه أدنى درجة من درجات الحقوق الإنسانية أقامته دولة تتذرع دائماً بأنها أم الديموقراطية والعدالة والحرية في العالم. لا شك أن كل إنسان قضى ولو دقيقة واحدة في سجن غونتنامو يستحق التعاطف والدعم، لكن لا بد أن نتذكَّر أن بعض هؤلاء الشباب لم يذهب إلى أفغانستان للنزهة، أو لمساعدة الشعب الأفغاني. ربما نجت المملكة من شر بعضهم. هذا الأمر يجب أن يفرض علينا التفكير بطريقة أكثر عقلانية عند النظر إلى هؤلاء. يجب ألا نخلط بين تصرُّف حكومة الولايات المتحدة المشين، وبين حقيقة أن هؤلاء الشباب ربما كانوا خطرين على الأمن الوطني.
إن كراهيتنا لتصرفات واشنطن وأدائها اللا إنساني من فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان لا يعني أن يكون كل من تحاربهم الولايات المتحدة تلقائياً، موضع تعاطفنا.. لنا في الشرير ميلوسوفتش أفضل مثال. هذا الرجل حاربته الولايات المتحدة وقوَّضت دعائم حكمه الطائفي البغيض وأوصلته إلى المحكمة الدولية بصفته مجرم حرب. موقفنا من هذا الرجل متفق مع موقف الولايات المتحدة، لكن أسبابنا ربما تختلف عن أسبابها. يجب ألا نتصرف عاطفياً على قاعدة عدو عدوي صديقي.
لا شك أن السلطات الأمنية في البلاد تتحفَّظ على هؤلاء العائدين من غونتنامو وستفرزهم وتُقرر بعد ذلك مَنْ يعود إلى أهله ومَنْ يجب أن يُقدم للقضاء أو الإصلاحية. إذا كانت لدينا الرغبة في التعاطف علينا أن نتعاطف مع أبنائنا الذين لم يسرقهم أحدٌ منا حتى الآن، وأن نعمل على مراقبتهم ومتابعتهم حتى لا يقعوا فريسة لدعاوى الجهاد المضللة التي دفعت هؤلاء الشباب إلى الذهاب إلى أفغانستان والانخراط في حرب عبثية كادت تجلب الدمار لوطنهم. هؤلاء العائدون من غونتنامو ليسوا أبطالاً وليس لهم أي قيمة وطنية.. أما إذا أردنا أن نفكر فيهم كضحايا علينا أن نوجِّه أصابع الاتهام مباشرة إلى الناس (في الداخل) الذين دفعوا بهم إلى هذه الرحلة المشؤومة وجعلوا من شبابهم وقلوب أمهاتهم فريسة لبرامج الآخرين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف