ملامح: عبدالعزيز بلخادم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السبت: 2006.05.27
بلخادم... تغيير الدستور والمحافظة على "برنامج الرئيس"!
محمد ولد المنى
لم تأتِ استقالة أحمد أويحيى من رئاسة الحكومة الجزائرية، و"قبول" الرئيس عبدالعزيز بوتفليفة لطب الاستقالة يوم الأربعاء الماضي، كخطوة مفاجئة لمن تابع تسريبات الأسابيع الأخيرة حول توتر العلاقة بين بوتفليقة ووزيره الأول أويحيى. وبالقدر ذاته لم يتفاجأ كثيرون من تعيين عبدالعزيز بلخادم في منصب الوزير الأول خلفاً لأويحيى؛ فبلخادم هو الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" ذي الغالبية البرلمانية الأكبر، وقد هدد مراراً بحجب الثقة عن أويحيى حال تقديمه بيان السياسة العامة حول حصيلة حكومته أمام البرلمان، ولم يكن ذلك التهديد بلا دلالة من بلخادم الذي حظي دائماً بثقة الرئيس بوتفليقة وسانده في كل الأوقات العصيبة... فما هي نقاط الخلاف بين بلخادم وأويحيى؟ وهل يملك بلخادم الموقع والكفاءة اللازمين لإدارة الوضع الجزائري بما فيه من تعقيدات؟
يشمل التباين بين بلخادم وسلفه المُقال أويحيى قضايا عدة؛ في مقدمتها فكرة التعديل الدستوري التي يقترحها بلخادم، وترمي في الأساس إلى تكريس الحكم الرئاسي وإمكانية التمديد بفترة رئاسية ثالثة لبوتفليقة. وقد دعا بلخادم في مناسبات عدة إلى "توضيح" الدستور الجزائري عبر تعديلات جديدة تعرض على استفتاء شعبي عام. أما أويحيى فلم يبدِ أي تأييد لفكرة التعديل، ما اعتبره الرئيس بوتفليقة اعتراضاً مباشراً على استمرار وجوده في الحكم! ولعل القطرة التي أفاضت كأس غضب بوتفليقة ولم يستطع غفرانها لأويحيى، هي طريقة إدارته لملف مرض الرئيس وانتقاله للعلاج في فرنسا، بينما ظل بلخادم يعلن يومياً أن الرئيس "في تحسن"، وأن "عودته للبلاد مسألة أيام فقط"، وأنه "يتابع شؤون الجزائر... وسيعود قريباً"... وما أن عاد حتى وجد أويحيى نفسه تحت حصار فرضه عليه حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي يرأسه رئيس الجمهورية نفسه، ومعه حزبا "حركة الإصلاح الوطني" و"حركة مجتمع السلم"، سعياً إلى إضعاف رئيس الحكومة وإجباره على الانصراف.
وضمن نقاط التباين أيضاً مسألة رفع الأجور التي رفضها أويحيى متعللاً بعوامل السوق، فيما اعتبر بلخادم أن الزيادة لا يمكن أن تخضع لتلك العوامل. كما رأى بلخادم في عملية مكافحة الفساد التي شنها أويحيى، حملة هدفها ضرب إطارات حزب "جبهة التحرير الوطني" وناخبيه تحسباً للاستحقاقات الانتخابية القادمة. بل أعلن أن أويحيى -وهو متهم بتزوير الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزبه "التجمع الوطني الديمقراطي" عام 1997- لا يمكن أن يشرف مرة أخرى على انتخابات تكون نزيهة!
وتتباين أطروحات الرجلين إلى أبعد حد في مسألة توقيع معاهدة الصداقة مع فرنسا، إذ فيما يبدي أويحيى رغبة في تمتين العلاقة مع باريس، فقد أعلن الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" رفضه لقانون 23 فبراير 2005 الفرنسي الممجِّد للاستعمار، ولم يكتفِ بطلب الاعتذار، بل طالب بإلغاء القانون كلياً وبالتعويض عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في حق الشعب الجزائري.
ويعد بلخادم ممثل الجناح المحافظ والاتجاه العروبي داخل حزب "جبهة التحرير الوطني"، وأحد أعضاء الجيل الثاني من قيادته. ولد في بلدة أوفلو بولاية الأغواط غرب البلاد عام 1945، وتخرج من قسم اللغة العربية بجامعة الجزائر عام 1966، ليعمل مدرساً، قبل تعيينه مديراً مساعداً للعلاقات الدولية في رئاسة الجمهورية عام 1972. ثم انتخب عام 1977 نائباً برلمانياً لحزب "جبهة التحرير الوطني" عن دائرة سوقر بولاية تيارت، وأعيد انتخابه عن الدائرة ذاتها عام 1987، ليصبح في عام 1988 نائباً لرئيس "المجلس الشعبي الوطني" (البرلمان)، ثم رئيساً له بداية من عام 1990، وفي العام نفسه أصبح عضواً بالمكتب السياسي لحزب "جبهة التحرير الوطني" الذي تحول من حزب حاكم وحيد إلى حزب معارض. وتولى بلخادم قيادة حزب "جبهة التحرير الوطني" في يناير 2005، حيث انتخب أميناً عاماً للحزب خلال (مؤتمره الثامن) خلفاً لعلي بن فليس، وذلك بعد انقسام عنيف عرفه الحزب منذ مطلع عام 2003 بين جناحي بن فليس وبلخادم، كانعكاس للصراع الذي نشب حينئذ بين الرئيس بوتفليقة ورئيس حكومته السابق والأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" علي بن فليس. لكن الانقسام انتهى إلى ترجيح المسار الذي يقوه بلخادم؛ خاصة بعد صدور حكم قضائي لصالحه في ديسمبر 2003، ثم بعد هزيمة بن فليس في رئاسيات أبريل 2004، ما اضطر هذا الأخير إلى الاستقالة من أمانة الحزب الذي بدأ إعادة لملمة أطرافه برئاسة بلخادم، والذي أصبح أول شخصية من الغرب تصل أعلى منصب في حزب "جبهة التحرير الوطني" منذ الإطاحة بالرئيس أحمد بن بلا المتحدر من تلمسان وكان أميناً عاماً للحزب.
ويعد عبدالعزيز بلخادم أحد رجالات نظام الحكم الحالي؛ فقد ساند بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى قصر المرادية عام 1999، وأعلن في عام 2004 أنه "لا مساومة على برنامج الرئيس"، وتولى وزارة الخارجية في أول حكومة شكلها بن فليس في يوليو 2000، حيث بدأ نشاطاً مكثفاً لإعادة الجزائر إلى "الساحة العربية"، ولكسر الجليد في العلاقات الجزائرية- المغربية. إلا أنه استقال من قيادة الدبلوماسية الجزائرية في مايو 2005 "للتفرغ وتخصيص جهد أكبر للحزب"، فعين وزير دولة وممثلاً شخصياً لرئيس الجمهورية، إلى أن تم تعيينه يوم الأربعاء الماضي رئيساً للحكومة.
ويعد بلخادم رجلا "بسيطاً ومتديناً"، ومناهضاً للاتجاه الفرانكفوني المتنفِّذ في دوائر الدولة الجزائرية، وأحد دعاة المصالحة الوطنية والعفو الشامل. عارض إلغاء المسار الانتخابي عام 1992، وأيد "اتفاقية روما". وهاجم قبل أشهر من وصفهم بالاستئصاليين الذين "يراهنون على مواصلة الحل الأمني"!
ولعل أجندة بلخادم قد تمت برمجتها الآن فعلاً، إذ تنتظره مواعيد سياسية مهمة؛ منها تعديل الدستور، كما طالب هو نفسه، وتنظيم الانتخابات التشريعية القادمة، وإكمال مهمة المصالحة الوطنية، ومحاربة الفساد... وقضايا أخرى في البرنامج الرئاسي الذي "لا مساومة عليه"!