جريدة الجرائد

ايجابيات خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» وسلبيّاته

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الثلاثاء: 2006.05.30


خيرالله خيرالله

يتضمّن الخطاب الذي ألقاه السيّد حسن نصرالله الأمين العام ل"حزب الله" في لبنان في ذكرى التحرير نقاطاً أيجابية وأخرى سلبية لا بدّ من الأشارة اليها تلافياً لمزيد من التهوّر والتدهور في لبنان. ومن بين النقاط الأيجابية أقرار الأمين العام للحزب بأن لا خيار آخر أمام اللبنانين سوى الحوار، وذلك من أجل أبعاد الجميع عن التهوّر، ومن أجل التأكيد أنّ الموضوع ليس موضوع ثنائيات لبنانية من نوع التحالف القائم بين حزبه الشيعي والمجموعة المسيحية التي يشكلها التيار الذي يتزعمه النائب ميشال عون. فقد أصرّ السيّد نصرالله على ضرورة أن يكون هناك توافق لبناني ذي طابع وطني يوفر غطاء سياسياً للبلد كما يؤمن له حصانة في مواجهة أي خضّات داخلية أو أقليمية. وربما كان هناك أهم من ذلك كله الكلام الصريح الذي صدر عن الأمين العام للحزب عن المخاوف من فتنة بين أهل السنّة والشيعة ليس في لبنان فحسب، بل في المنطقة كلّها أيضاً. وأذا كان كلام السيّد نصرالله دل على شيء، فأنه دلّ على وجود وعي عميق وحقيقي في آن لهذا الخطر من جهة والى وجود أسباب تدعو الى الحذر الشديد حيال ما تشهده المنطقة كلّها من تطورات بعد الذي فعله الأميركيون في العراق من جهة أخرى. وفي هذا المجال، لا يمكن ألاّ ألأعتراف بأن السيّد نصرالله على حق عندما شدّد على الدور الأميركي في زرع الفرقة بين أهل السنّة والشيعة وبين مختلف مكونات المجتمع العراقي كي تكون الولايات المتحدة وسيطاً في كلّ مواجهة تحصل بين فئتين عراقيتين أكانت ذات طابع مذهبي أو قومي.


من الأيجابيات الأخرى في خطاب الأمين العام ل"حزب الله" سعيه الواضح الى طمأنة اللبنانيين الى أن لا وظيفة داخلية لسلاح الحزب وأن هذا السلاح لا يمكن أن يوجّه سوى الى أسرائيل. لقد أراد القول بجرأة أن لا أحد يلغي أحداً في لبنان، وانّ ليس في أستطاعة أي فئة مهما وسّعت تحالفاتها التفرّد بالبلد والسيطرة عليه.
لا تمنع كلّ هذه الأيجابيات من طرح أسئلة كثيرة في شأن مستقبل سلاح الحزب ودور هذا السلاح، أضافة بالطبع الى السبب الذي يدعو الحزب الى عدم أتخاذ مواقف تشير الى رغبة واضحة في أعتماد مواقف تحول دون بقاء لبنان مجرّد "ساحة" للنزاعات والصراعات الأقليمية. لماذا على لبنان وحده دفع ثمن أستمرار الصراع مع أسرائيل في غياب أستراتيجية عربية واضحة في شأن هذا الصراع؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي لم يجب عنه الأمين العام للحزب.


لا يمكن ألاّ الأعتراف بأن التحليل الذي قدّمه السيّد نصرالله للوضع العراقي من النوع السليم والموضوعي، خصوصاً أنه لم يخف دور الأحتلال في أثارة النعرات الطائفية والمذهبية والقومية. لكنّ الملفت أن ألأمين العام ل"حزب الله" لم يشر في أي وقت الى أن أيران حيث مرجعية الحزب، كانت الطرف الأقليمي الوحيد الذي دعم الحرب الأميركية على العراق أضافة الى أن أيران قدمت على نحو غير مباشر تسهيلات الى الأميركيين في أثناء العمليات العسكرية في العراق. أكثر من ذلك، كانت أيران المستفيد الوحيد أقليمياً من أسقاط نظام صدّام حسين الذي كان لا بدّ من أسقاطه في ضوء ما فعله بالعراق والعراقيين،علماً أنّه سبق لأيران أن تعاونت تعاوناً كاملاً مع الأميركيين في عملية الأعداد لأسقاط "نظام المقابر الجماعية". والدليل الأوضح على ذلك الدور الذي لعبته في أيجاد تمثيل شيعي ذي ثقل في مؤتمر المعارضة العراقية الذي نظّمه الأميركيون في لندن في ديسمبر- كانون الأوّل من العام 2002 . وقد قبضت أيران على وجه السرعة ثمن دعمها للمؤتمر الأميركي وتوفير ثقل شيعي له عبر تمكين السيّد عبد العزيز الحكيم من حضوره ممثّلاً ل"المجلس الأعلى للثورة الأسلامية". فقد صدر عن المؤتمر للمرة الأولى بيان يتحدّث عن "الأكثرية الشيعية" في العراق، أيذاناً بأن صفحة من تاريخ العراق الحديث الذي تأسّس مطلع العشرينات من القرن الماضي قد طويت.
لدى الحديث عن الدور الأميركي في العراق وعما فعله الأميركيون خصوصاً على صعيد أثارة كلّ أنواع الغرائز، لا يمكن تجاهل الدور الأيراني والتواطؤ الباشر وغير المباشر بين طهران وواشنطن. ولعلّ هذه الناحية العنصر الذي أفتقده خطاب السيّد نصرالله الذي تجاهل كلّياً اللعبة الأيرانية في العراق... وكأنّ النظام العائلي- البعثي في العراق كان يمكن أن يسقط من دون التدخل العسكري الأميركي.

لم تكن طريقة الحديث عن العراق وما رافقها من تجاهل للتواطؤ الأيراني مع الأدارة الأميركية وتحميل كلّ المصائب للأميركيين، نقطة الضعف الوحيدة في خطاب الأمين العام ل"حزب الله"، ذلك أنّه يمكن الحديث أيضاً عن نقطة ضعف أخرى في غاية الأهميّة. تتمثّل هذه النقطة في الأشارة بأيجابية وأعجاب الى الأنتفاضة الفلسطينية الأخيرة التي بدأت في خريف العام 2000 أثر فشل قمة كامب ديفيد التي ضمّت الرئيس كلينتون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، رحمه الله، ورئيس الوزراء الأسرائيلي وقتذاك أيهود باراك. كانت تلك الأنتفاضة التي أطلقها ياسر عرفات الذي أعتقد أن في أستطاعته حمل أسرائيل على الأنسحاب من الضفّة الغربية على غرار أنسحابها من جنوب لبنان كارثة على الشعب الفلسطيني. لم يكن قرار "أبو عمّار" القاضي بعسكرة الأنتفاضة قراراً صائباً أو واقعياً. على العكس من ذلك، جرّ القرار الويلات على الشعب الفلسطيني وكان بين أفظع الأخطاء التي أرتكبها الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي أستطاع وضع فلسطين على الخريطة الساسية للشرق الأوسط. أقلّ ما يمكن قوله أن الأنتفاضة الأخيرة التي لجأ فيها الفلسطينيون الى السلاح، أعادت القضية سنوات الى خلف ومكّنت أرييل شارون من تنفيذ مشروعه الأستعماري. والأكيد أن الأنسحاب الأسرائيلي من غزة لم يكن أنتصاراً فلسطينياً بمقدار ما أنه كان بداية تنفيذ للمشروع الهادف الى الأمساك بطريقة أفضل بجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشريف وتكريس الأحتلال الأسرائيلي لها فيما العالم يتفرّج على ما يجري، بعدما صار الجلاّد في نظره الضحية والضحية الجلاد. هل يمكن الأشادة بمثل هذه النتيجة خصوصاً أن الفلسطينيين باتوا في وضع لا يحسدون عليه أكان ذلك في الضفّة الغربية أو غزّة؟ من يحتاج الى ما يؤكّد هذا الواقع يستطيع سؤال أي فلسطيني عادي يخرج من الضفّة أو غزة عن حقيقة الأوضاع في الضفة والقطاع.


لا حاجة الى التطرّق الى نقاط ضعف أخرى في الخطاب، لكنّ ما ليس في الأمكان تجاهله أن السيّد نصرالله لم يتخذ موقفاً صريحاً من حادث أستشهاد العريف في الجيش اللبناني على يد عناصر من "فتح الأنتفاضة" المنشقة عن "فتح" والتي هي أداة سورية لا أكثر لا أقلّ. ليس كافياً أن يدين الأمين العام للحزب الأعتداء على الجيش اللبناني، وهو أعتداء وقع داخل الأراضي اللبنانية في منطقة غير متنازع عليها. المطلوب أكثر من أي وقت الأعلان أن لبنان ليس "ساحة" وأن من يطلق النار على الجيش اللبناني يعمل لدى أسرائيل ويخدم مصالحها.
ليس هناك من يستطيع المزايدة في الوطنية على الأمين العام ل"حزب الله"، وليس في أستطاعة أيّ لبناني أن يعتبر نفسه أكثر لبنانيّة منه. هذان أمران ليسا قابلين للبحث. ولكن ما يقبل البحث، البحث الجدّي في العمق، قبول "حزب الله" أن يكون لبنان "ساحة" للآخرين والجبهة الوحيدة المفتوحة مع أسرائيل في وقت يدرك القاصي والداني أن الهمّ الوحيد للنظام السوري عقد صفقة مع الأدارة الأميركية تتناول لبنان وأن لا همّ لأيران سوى التوصل الى صيغة تعترف بموجبها الولايات المتحدة بدورها الأقليمي. هل ضروري أن يحصل ذلك على حساب لبنان واللبنانيين؟ ما هذا الظلم اللاحق بلبنان؟ أليست له آخرة؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف