«شلح الكهنة»... سلاح الكنيسة المصرية في مواجهة المعارضة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
القاهرة: من وليد طوغان - الرأي العام
ربطت المعارضة سواء داخل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية أو خارجها, دهشتها من تعالي نبرة "الشلح" و" الحرمان" التي نفذها بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية شنودة الثالث, ضد 47 كاهنا قبطيا خلال الاشهر العشرة الأخيرة, بواقعة شهيرة حدثت في الستينات بين أحد الكهنة والبابا كيرلس, "كان منطقيا", خصوصا في وقت رأى الكثيرون أن الشلح لم يعد عقابيا بقدر ما بدا أنه سلاح اتخذه البابا لتأديب معارضيه "داخل سلك الكهنوت".
خلالا الاشهر الستة الأخيرة, كان اسم الأنبا بيشوي, رئيس المجلس الإكليريكي, هو الاسم الأكثر ترددا على صفحات الجرائد المصرية كونه - على أساس كنسي - المسؤول عن إصدار إجراءات شلح الكهنة، وفي شارع المعارضة القبطية كان هو الرصاص الذي كشف به البابا شنودة سلاحه ضد معارضيه, حيث تم شلح 50 كاهنا خلال أقل من 18 شهرا, في سابقة أولى في تاريخ الكنيسة القبطية.
ربط المعارضة بين واقعة الكاهن والبابا كيرلس في الستينات, منطقية وإن خفيت دلالتها, فهي صورة للبرهنة على أن عقوبة الشلح (التجريد في الرتبة الكهنونية), هي العقوبة الاشد والأعلى، وربما العقوبة الأقصى في حالات تقتصر فقط على خروج الكاهن من "الملة" أو "الدين".
ففي الستينات يحكى أن قيادات الكنيسة المصرية اتوا بأحد الكهنة أمام البابا, وهو في حالة سكر بيّن، لكن كيرلس لم يرفض أن يصلي كاهنه "السكران" وانتظره لمراجعته بنفسه, وفي الصباح تاب الكاهن فتاب عليه البابا, ولم يتم توقيفه كنسيا أو شلحه.
لم ير كيرلس, أن سكر الكاهن رغم سوء الفعل يوجب الشلح، وحتى فترة قصيرة لم يكن سلاح الحرمان بوجه الآخر هو المتبع وهو ما لا ينطبق على 95 في المئة من حالات شلح الرهبان الفترة الأخيرة.
الباحث في الشؤون القبطية مرقص عازر, اعتبر في تصريحات لـ "الرأي العام" أن مبررات الكنيسة في استخدامها سلاح الشلح الفترة الأخيرة غير صورة, أو على أكثر دقة "لا تقوم على أسس دينية".
ورغم إنكاره معرفته بتفاصيل كثيرة في التهم التي وجهت لبعض الرهبان المشلوحين - "تم شلح اثنين الشهر الماضي - إلا أنه يعود للتأكيد أن معظم ما ادعته الكنيسة من وقائع لا يمكن الاعتداد بها بقرار باباوي أو إكليريكي بالتجريد من المرتبة الكهنوتية.
في الشهر الماضي وحده, وافق شنودة الثالث على قرار المجلس الاكليريكي برئاسة الأنبا بيشوي على تجريد وشلح اثنين من القساوسة التابعين لخدمة كنيسة مار جرجس. وفيما لم تذكر الإعلانات في ثلاث من الجرائد الرسمية, أسباب الشلح، إلا أن كنيسة مارجرجس فرضت سياجا من السرية حول الموضوع وتفاصيله.
لكن مصادر في مطرانية الجيزة تكلمت عن "اتهامات تخص الذمة المالية للكاهنين المشلوحين تتلخص في تزويرهما إيصالات تبرعات تخص الكنيسة طبعاها على خلاف اللوائح ووضعا الأموال في حساباتهما الخاصة".
ورغم تظلم الكاهنين في قرار إيقافهما عن الخدمة، وطعنهما في التهم الموجهة إليهما, إلا أن المجلس الإكليريكي حولهما لمحاكمة كنسية أقرت بحرمانهما وطردهما من وظيفتهما الكهنوتية وعودتهما للعلمانيين من جديد.
قبل أشهر قليلة, أصدر المجلس الإكليريكي قرارا مشابها لشلح القمص هابيل الذي أسس كنيسة خاصة تقوم بتزويج المطلقين من الأقباط الذين رفض شنودة التصريح بزواجهما من جديد.
القرارت الأخيرة لتقاربهما الزمني فتحت ملف التجريد داخل الكنيسة القبطية المصرية, خصوصا أن هناك من تكلم "من المعارضين" عن طعنه عموما في التهم الموجهة للكهنة المشلوحين, واصفا المسألة بتأسيس البابا "خطة ما لتصفية بؤر المعارضة داخل كنيسته".
ففي التوقيت الحالي, ومع ضغوط كثيرة على قضايا حساسة زادت نبرة المعارضين من الكهنة, خصوصا في ما يتعلق بمسألة إعادة التصريح بالزواج الثاني للمطلقين الأقباط, الأمر الذي لا يزال ترفضه الكنيسة في شدة.
وربما أيضا زاد اللغط والقيل والقال, غياب لائحة كنسية تحدد أسباب العقوبات المختلفة ودرجاتها بالكنيسة, فحتى الآن لاتزال المحاكمات الكنسية تصدر قراراتها بحرمان الكهنة على أسس عرفية تحمل وجهات نظر نسبية للطرفين المجلس الإكليريكي والكهنة على حد سواء.
وجهة النظر النسبية والتي يرجعها البعض للأهواء السياسية داخل الكنيسة ظهرت بوضوح في واقعة شلح القس إبراهيم عبد السيد, لاعتراض الكنيسة على آرائه المنشورة في مقالات مختلفة تحدث فيها عن عدم مشروعية حرمان الأساقفة والكهنة في الزواج, إضافة لبعض مقالات في التاريخ المسيحي والقبطي اعتبرها البابا خروجا عن الدين.
ورغم أن عبد السيد كان يقدم وجهة نظر أو على الأقل رأيا بحثيا, إلا أن البابا أصدر قراراته بعدم الصلاة على جثمانه - بعد عودته - وهو ما حدث بالفعل, ورفضت كثير من الكنائس إجراء مراسم الدفن, وخلال الشهور الماضية ايضا, تعرض القس فلوباتير للمصير نفسه لآرائه السياسية التي رأت الكنيسة - مرة أخرى - تعارضها مع العمل الكهنوني.
جرجس مرقص (المحسوب على المعارضين الأقباط داخل الكنيسة), أكد لـ "الرأي العام" أن عقوبات الشلح "لا تزال عرفاً، والعرف يمكن تأويله، لذلك يرفض البابا شنودة حتى الآن تنظيم أو إقرار لائحة لعقوبات الكهنة", وأضاف: "محاكمات الكهنة معظمها صورية، لأنه لا توجد قوانين منظمة مكتوبة والكنيسة تتحايل على إمكانية لجوء الكاهن للقضاء بإصدار قرار بوقفه عن الخدمة فقط أو الاكتفاء بالقرارات الشفهية دون غيرها".
وحسب القس آندراوس - أحد القساوسة المشلوحين - فان البابا بدأ يلجأ للمشلح وتجريد الكهنة "لتصفية حساباته مع معارضيه من الكهنة، يريد أن يكتفي بجبهة معارضة واحدة خارج الكنيسة، ولا يستطيع أن يحارب في جبهتين, لذلك لجأ الى تصفية بؤر الصدام داخل مؤسسته".
وأنهى اندراوس كلامه بقوله ان "الشلح لا يكون - في العرف الكنسي - إلا بسبب تجديف أو هرطقه أو خروج عن صلب العقيدة - و90 في المئة من المشلوحين لم يثبت عليهم هذا".