جريدة الجرائد

في مصر .. زيجات محددة باليوم والساعة وبلا مأذون

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


تحقيق : نادية صبحي - الوفد

رغم أن البعض يؤكد انحسار ظاهرة زواج بنات مصر من الأثرياء العرب، إلا أن الواقع ومشاهدات الخبراء، تؤكد أنها "توحشت" واتخذت صوراً مفزعة، تصل إلي حد تحديد المدة باليوم والساعة. ومع أنها امتدت لتصل إلي قلب العاصمة "القاهرة"، وزحفت إلي محافظات أخرى، إلا أن مكانة "الحوامدية" علي خريطة الاتجار بالفتيات لاتزال محفوظة، وكذلك العزيزية والعياط، حتي في شارع الهرم بالجيزة والخانكة بالقاهرة، والزحف مستمر. الدراسات والأبحاث والندوات والمؤتمرات وجلسات العمل،
التي جعلت قضية الزواج غير الرسمى من أولويات اهتماماتها لم تستطع تحديداً حصر أعداد الفتيات ضحايا تجارة المتعة بمقابل نقدي، لأنها ـ بالطبع ـ حالات غير موثقة.
فإذا كان هناك 14 ألف قضية إثبات نسب فالحقيقة أن أكثر من 2 مليون امرأة وطفل يغرقون في دوامة زواج "آخر زمن"!
وما يحدث في الحوامدية وغيرها هو أقبح وجه لهذه القضية، لأنها تجارة في لحم البشر!
بداية نأسف، لأننا مضطرون لنقل تلك الصورة القاسية علي المجتمع المصرى، الذى ضيعته الحكومات المتعاقبة، ولا ننتظر شيئاً بعد تجارة اللحم الرخيص، سوى أن يجعل الله لهؤلاء مخرجاً.. وسرنا إلي هناك.
ونحن في الطريق إلي الحوامدية تزاحمت الأفكار والتوقعات و"الخيالات" والتساؤلات.. هل بنات الحوامدية "حلوين".. ولماذا الحوامدية.. تلك المدينة المستهلة لصعيد مصر.. هل سنرى "عرسان من الأثرياء العرب يرتدون "الدشداشة" ناصعة البياض، يجوبون الشوارع بسياراتهم الفارهة.. وكيف يواجه رجال وشباب البلد تلك القضية الشائكة؟

مشاهد
المشهد الأول.. سماء غائبة فى الغبار والعوادم وروائح كريهة تصدر من برك الصرف الصحى الراكدة في الحفر بالشوارع.. رجال كبار "في السن" يحملون لواء الدفاع الدائم عن "سمعة البلد" التي نشأوا فيها.. وشباب "زي الورد" كلهم إحباط ويأس، لا يكفون عن الشكوى من كل شىء، البطالة والأسعار وإهمال المسئولين وعجزهم عن الزواج في حدود إمكانياتهم المعدومة.
قالوا إنهم يهربون إلي أرياف المنصورة وكفر الشيخ وكفر الزيات، حيث الزواج "ببلاش".. بنات لا تعلم إن كانوا ضحايا أم جناة.. لمسنا في أصوات بعضهن الغلب والانكسار والمرارة وقلة الحيلة وفي بعضها بجاحة لا نظير لها.

مراتي من الحوامدية!
عبدالناصر سعيد بائع متجول من العزيزية، وهى قرية مجاورة للحوامدية، يؤكد هو وجاره عبدالوهاب رجب أن زواج البنات بالعرب مازال موجوداً، لكن أصله في الحوامدية وليس العزيزية.
وروي الرجل مأساته عندما تزوج ابنة خاله اضطرارياً بعدما هجرها زوجها الثري العربى، وكانت قد تزوجته عن طريق سمسار عام 1987.. يقول: إن خالي تسلم 4 آلاف جنيه بينما حصل السمسار علي 20 ألف جنيه، وظل معها الثرى العربي شهرين، أقامت معه خلالهما في شقة مفروشة بالمعادى، بعدها سافر وتركها حاملاً.. وضعت بنتاً، ربيتها أنا حتي صار عمرها 13 عاماً، وأنا رجل علي قد حالي، فلجأنا إلى السفارة للعثور علي أهلها ليتكفلوا بمصروفاتها، وفي النهاية حضر شقيق الفتاة، وأخذها من هنا "عروسة" ليزوجها أحد أقاربه ببلدته.. ولم يدفع لنا مليماً، بل سمعنا أنه تزوج بفلوس أخته الصغيرة.
وزواج عبدالناصر من ابنة خاله حالة استثنائية، ويؤكد هو وجاره عبدالوهاب، أن البنات اللائي يتزوجن من عرب يقف حالهن، ولا يجدن من يتزوجهن بعد ذلك، فيضطرون للعمل للإنفاق علي ابنائهن، بعدما يتخلي عنهم آباؤهم أو يكون أمامهم الاختيار الأصعب وهو معاودة الكرة والزواج بعرب من جديد.

زواج متكرر
لهذا السبب اضطرت "صفاء" من العياط ذات الـ19 عاماً إلي الزواج أكثر من 6 مرات، وهي ابنة عامل في أحد المصانع ولديها من الاخوة 5 أطفال.. وبدأت حكايتها مع الزواج "محدد المدة".
تقول وهي تبكى: إننا ناس غلابة وأبويا مسكين والجهاز غالي، كان عندى 17 سنة عندما جاءت أم محمود لتبشرنى بالعريس "اللقطة"، وافقت طبعاً قبل أن أراه، لأنها قالت إنه سيشترى لى دهب بـ10 آلاف جنيه وتقبض أبويا زيهم، وأخذتني معها، لأتفاجأ أن هناك خمس بنات آخريات ليرانا العريس فى شقته بالهرم.. والحمد لله اختارنى.. كان راجل طيب وكويس لكنه معوق واعتبرت خدمته ثواب.. وبعد 3 أشهر أخبرته أنني أريد زيارة إخوتى فأعطانى 2000 جنيه وبعد أسبوع عدت لأجده غادر الشقة، والمشكلة أنني لم احتفظ بورقة الجواز العرفى، حتي أبي لم ينزعج وقال لى: "ما إحنا عارفين والاتفاق كان 3 أشهر بس"، بعدها جاءت أم محمود مرة ثانية، وهكذا تزوجت أكثر من 4 مرات ونفس الحكاية تكررت، لكنني بصراحة معايا فلوس كثيرة أنفق منها علي اخواتي علشان ما يعملوش مثلى.

فين الغلط؟
فتاة أخرى لم تبد أى انزعاج عندما أشارت إلي أنه "زواج علي سنة الله ورسوله"، وعندما سألناها عن معني ذلك، قالت: خالي موافق وأمي موافقة والناس كلها عارفة.. يبقي فين الغلط؟
* لماذا لم تتزوجي من أهل بلدك؟
- الشباب "غلابة".. لا يملكون تأثيث حجرة أو عشة.. والدهب غالى.
* تزوجي فى حدود إمكانياته؟
- أنا "أحلي" من البنات اللى "اتنصفوا" ولابسين دهب.. لماذا لا أكون مثلهم، أصحابي كلهم تزوجوا منهم من سافرت لبلدة زوجها و"عمرت" وعايشة أحلي عيشة.. صحيح هي الزوجة الثالثة.. لكن زوجها راجل كبير ومقتدر وترسل لأهلها حتي الآن مبالغ كبيرة.
* سألت الفتاة سؤالاً مباشراً: ما الذى يثبت أنك زوجة هذا الرجل؟
- قالت بسرعة: لا أنا مش علي ذمته.
* هل وقع الطلاق؟
- لا.. هو سافر بعد أسبوعين، ولم يعد مرة أخري، لكنى ربنا رزقني بزوج ثاني بعدها بشهور وتعودت علي ذلك!

زواج مرفوض
تلك كانت بعض الحكايات الحقيقية التي تؤكد أننا بصدد كارثة..
بعض البنات في الحوامدية والعزيزية، يرفضن هذا الشكل من أشكال "الزواج" ـ كما تقول أمل محمود طالبة بالصف الثالث الثانوي الصناعي ـ وتابعت أن بنات العائلات مستحيل أن يتزوجن بهذه الطريقة، وأهلنا علمونا أن "كده غلط"، ولازم نتزوج من أهل بلدنا حتى لو فقراء.
وتضيف صديقتها ليلي "18 سنة": أن البنات اللائي تزوجن عن طريق السماسرة، فقراء أو طماعات ولا يهمهم بيت ولا أسرة لكنهم أحياناً "ضحاياش، لطمع أهلهم الفقراء، ونحن نتعلم ومنا حاصلات علي مؤهلات عليا، لكن للأسف مازلنا نسمع ونرى بأعيننا، بعض العرب الأغنياء، خاصة فى الصيف يتزوجون من بنات البلد، خاصة في شارع الهرم والسهرات، هناك بنات كثيرة تزوجن بهذه الطريقة، لكن الأسر الكبيرة والعائلات تحترم التقاليد، ويهمها "سمعة بناتها".
مثل إحدي السيدات وهي أم لثلاث بنات تزوجن جميعاً من أهل بلدها "البدرشين"، وتقول: إننا رفضا تماما تزويجهن لأغراب، ورغم أن والدهم رجل بسيط جداً إلا أننا "استلفنا" وجهزناهم ولم نشترط مهراً، كل "عريس" حسب ظروفه، لكن الشبكة لابد منها "إن شالله تكون دبلة ومحبس"، وهناك أسر تشترط ذهباً بـ10 أو 5 آلاف جنيه، لكننا لا نهتم بذلك، والأهم "البنات تتستر".
نفس الحال في "العزيزية".. البعض يؤكد أن زواج "السماسرة" موجود.. والبعض ينفى.. لكن المؤكد والذى لمسناه من خلال كلام أهل القرية ـ أن الزواج مكلف جداً.
الحاجة زينب محمود.. امرأة عجوز، تخطت السبعين عاماً، تقول: إن العرب كانوا زمان.. من 20 سنة تقريباً، وحالياً "علي خفيف"، وعن طريق "الخاطبة"، وما تراه الآن طمع.
وتقول: إن حفيدى ذهب ليخطب ابنة جاره وقال إنه سيقدم مهراً قيمته 25 ألف جنيه وشبكة بـ5 آلاف.. وطلب منه أهل العروس المساهمة في الجهاز.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف