جريدة الجرائد

«انطواء» أولمرت والبوصلة الفلسطينية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد صادق الحسيني

في المعركة الدائرة بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني الأسير ثمة من يريد أن يصور للرأي العام العالمي بأن المعركة إنما تدور بين "جيشين" متحاربين أو بالتالي فإن هناك ثمة "عنفا وعنفا مضاد" وإنه إذا ما أريد لهذه القضية التي باتت تعرف "بأزمة الشرق الأوسط" فإنه لا بد من التوصل إلى حل ما! أو تسوية ما! توقف دور العنف والعنف المضاد!

ليس صحيحاً ذلك مطلقاً، وكل من يقع في فخ مثل هذا التصوير المشوه سيخرج باستنتاجات خاطئة وقاتلة لا محالة.
كل ما في الأمر أن جيشاً من المعتدين والمحتلين والغاصبين للأرض والحقوق ومثلهم من "السياسيين" والمستوطنين الميليشياويين المدججين جميعاً بأعتى الأسلحة الجهنمية ومنها كل أسلحة الدمار الشامل التي توصل إليها العقل البشري المجنون يخوضون حرب إبادة شاملة ضد شعب أعزل .

حتى من أبسط أنواع السلاح الفردي منذ نحو قرن من الزمان في محاولة يائسة لتزييف الحقائق الجغرافية والدينية والجيوبوليتيكية والديموغرافية وغيرها التي تثبت يومياً بما لا يدع مجالاً للشك حتى لعتاة الظلمة في العالم بأن فلسطين للفلسطينيين، وأن كل ما عدا ذلك فوق هذه الأرض طارئ وزائل ولا بد أن ينهار ويرحل يوماً طال الزمن أم قصر.

هذه المقدمة كان لا بد منها للإطلال على قضية الجندي الصهيوني الأسير لدى المقاومة الفلسطينية والذي تم أسره في عملية عسكرية بحتة لا ترقى إليها أي شبه من شبهات إلحاق الأذى بالمدنيين! أو الأبرياء ! أو ما شابه ذلك من المغالطات التي ترمى بوجه الدفاع الفلسطيني اليومي.
إن السؤال المركزي اليوم هو لماذا هذا "الاندفاع" العسكري الإسرائيلي المجنون باتجاه قطاع غزة رغم كل الأجواء التي كانت تهيأ قبل حادثة أسر الجندي الصهيوني باتجاه تطبيق ما يسمى بخطة أولمرت "للانطواء"؟! هل صحيح أن ما يحصل هو من أجل إطلاق سراح هذا الجندي؟

ثمة من يقول نعم وهذا ديدن إسرائيل مع جنودها!! لكن ثمة من يقرأ الأمور بشكل مختلف ويقول: إن حكومة أولمرت وبعدما فشلت في فرض شكل من أشكال الحرب الأهلية على الفلسطينيين في إطار خطة هروبها من غزة ومشروع "الانطواء" الذي يطالب بغور الأردن والمستوطنات الكبرى في الضفة والجدار العنصري العازل وضم القدس نهائياً.
وفوجئت بالوعي الفلسطيني المتنامي باتجاه ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وتحديداً في اللحظة التي توصل فيها الفلسطينيون إلى مشروع وثيقة الوفاق الوطني الشهيرة قررت إعادة اقتحام غزة التي هربت منها، وان ذلك كان سيحصل سواء كانت قد حصلت العملية العسكرية الفلسطينية الفدائية أم لم تحصل. لماذا؟

لأن رأس أولمرت في الميزان الصهيوني هو المطروح! نعم رأس أولمرت وليس رأس جندي بسيط نعم رأس أولمرت كان سيقدم "قرباناً" على مائدة المتطرفين الصهاينة الأكثر غلواً منه وما كان أمامه بالتالي إلا الخروج على خطة الانطواء والعودة إلى دائرة المواجهة المباشرة مع الشعب الفلسطيني بأسره. إنها قدرة صاحب الحق حتى لو كان أعزل في تعديل ميزان القوى لصالحه.

نعم لا يظن أحد ولا للحظة واحدة بأن ساعة إسرائيل الحالية هي ساعة قوة رغم كل الجبروت الظاهري المادي الذي تكشر عنه ترسانتها العسكرية.
إنها تقاتل مختبئة وراء جدار عنصري غير قانوني ومن أجل ماذا؟ من أجل "الانطواء"! تذكروا شعارها المرفوع على الكنيست، إسرائيل من النيل إلى الفرات!
أين أصبحت هذه الأحلام؟! ألم تصبح في خبر كان؟
صدقوني إنهم يألمون كما تألمون، وأنتم الأعلون رغم كل جعجعة الترسانة العسكرية والضجة الإعلامية المرافقة لها. بشرط أن يكون تقديركم وتقديرها للموقف صحيحاً .
لا أحد فيهم أو منهم قادر على الإذعان لهذه الحقائق، ولهذا السبب فقط هم مترددون في إنجاز صفقة التبادل.

إنهم يبحثون أيضاً عن إسقاط فتح وحماس وليس حماس فقط، لا عليكم بضعاف النفوس من هنا أو هناك ممن يعملون كأدلاء وعملاء لديهم.

إنهم يشعرون بقوة الشعب الفلسطيني المتراص الصفوف، والذي لا يزال يبهرهم بوعيه وعنفوانه وعزة نفسه رغم الجوع والعطش والحصار وغدر الكبار والصغار وعدم إنصافهم له وهو الضحية وهو الأسير!
إنها معركة صبر ساعة، وتنتصرون فيها على المحتل الغازي مرة أخرى كما انتصرتم في معارككم السابقة، شرط التمسك بالوحدة الوطنية والإمساك باتجاه البوصلة الصحيح إن عالمهم يتراجع فيما عالمكم يتقدم. لهم الماضي ولكم المستقبل، ولكن مرة أخرى بشرط البقاء متوحدين متراصين شاخصة أبصاركم نحو القدس والوطن الكبير، وليس نحو السلطة الزائفة والزائلة.
إنهم هم العدم وأنتم الوجود، ودولتهم راحلة فيما دولتكم صامدة وباقية. دولتكم عزيزة فلسطين فيما دولتهم ستذهب في غياهب "الانطواء" والتحلل والزوال لا محالة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف