جريدة الجرائد

قصة نوط فلسطين الذي مات عرفات وهو يظنه وساماً

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


أبو عمار احتفظ بـ 14 وساماً لفلسطين 1948 وأبو مازن يريد وضعها في متحف
أوسمة وأنواط ونياشين ورتب عسكرية أوروبية وعربية.. أصلية وتقليد تباع بسوق الخجا في بدمشق


عمان ، دمشق : شاكر الجوهري

أوسام هو، أم نوط شجاعة أم نيشان..؟
ثم من الذي أمر بتصميمه وصناعته، ولمن كان يمنح..؟
كل هذه الأسئلة والتساؤلات بقيت مطروحة، الى ما بعد قرابة العامين على رحيل ياسر عرفات، أول رئيس للسلطة الفلسطينية، وثالث رئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

عرفات قبل وفاته كان قد حصل على عدد من هذه التي نرشح أن تكون انواط شجاعة، أو نياشين، أرسلها له الدكتور سمير الرفاعي أمين سر تنظيم حركة "فتح" في سوريا مع روحي فتوح، الذي كان يومها أمين سر المجلس التشريعي الفلسطيني، قبل أن يتولى رئاسته، في خطوة اهلته لاحقا لأن يخلف عرفات نفسه، ولكن كرئيس مؤقت لمدة ستين يوما، ريثما تم انتخاب رئيس جديد عبر صناديق الاقتراع، كما ينص على ذلك القانون الأساسي لأول سلطة فلسطينية في التاريخ.

الدكتور الرفاعي، الذي أغلق عيادته الخاصة منذ سنوات متفرغا للعمل الوطني، بعث لعرفات مع فتوح بأربعة عشر واحدا من هذه الأنواط أو النياشين، رفض الزعيم الفلسطيني أن يعطي منها لأي أحد من معاونيه، وقرر الاحتفاظ بها كما هي.

وعندما تولى محمود عباس رئاسة السلطة، اعطاه الدكتور الرفاعي ثلاثة منها، لدى أول زيارة قام بها لسوريا، فأبلغه من فوره أنه يعتزم أن يضعها في متحف فلسطيني لاحقا.

وحصل فاروق القدومي أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" على ثلاثة أخرى، وكذلك أحمد قريع رئيس الوزراء السابق، الذي عاد وطلب كمية اضافية فأعطاه الرفاعي خمسة أخرى.

كما أعطى الدكتور الرفاعي واحدا من هذه الأنواط أو النياشين لعدد من الأمناء العامين والقادة في الفصائل الفلسطينية الموجودين في دمشق من بينهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، الدكتور رمضان عبد الله شلح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، أحمد جبريل أمين عام الجبهة الشعبية/القيادة العامة، طلال ناجي نائب أمين عام الجبهة، وخالد عبد المجيد أمين عام جبهة النضال الشعبي، وآخرين.

مكونات النوط
لماذا نرجح أن يكون نوط شجاعة أو نيشاناً مع أن الدكتور الرفاعي يظنه وساما، وهو الاسم الذي استخدمه حين التقيناه في دمشق، ويستخدمه كذلك عدد من الذين حصلوا منه على اعداد منه..؟
السبب الأول لذلك هو أن الوسام يتكون من عدة قطع: وشاح يتدلى من الكتف الى الصدر، وهو مصنوع من قماش خاص أقرب ما يكون الى الستان السميك، يتدلى منه شعار الدولة المانحة، وغالبا ما يكون مصنوعا من الذهب والفضة، ويكون مرفقا به عدة قطع أخرى بأحجام مختلفة لشعار الدولة توضع على الصدر والكتفين.. الخ.

أما هذا الذي ظن لفترة غير قصيرة بأنه "وسام"، فهو ليس كذلك. هو عبارة عن قطعة واحدة تتكون من قطعة قماش طولها خمسة سنتيمترات مثنية من أعلى، ويخرج منها دبوسان طويلان من الحديد بطول 3,5 سم لكل منهما، كي يتم تثبيتها في ملابس الصدر قرب، أو فوق جيبة القميص أو الجيبة الخارجية للجاكيت.. ويتدلى من قطعة القماش، ذات الألوان الحمراء والسوداء، قطعة نحاسية مستديرة طول قطرها 3,7 سم، ويبرز منها من جهة الأعلى قبة مسجد بارتفاع 1,7 سم، ويوجد داخل القبة صورة نافرة لكنيسة، مثبت على أعلى واجهتها الأمامية صليب يقع أسفل، والى يسار الهلال البارز من قبة المسجد.

وتحت القبة والكنيسة يوجد سيفان متقاطعان، يخرج من قبضة كل منهما غصن زيتون يحيط بالهيكل الرئيس للنوط أو النيشان ليلتقيا في منتصف أسفله متقاطعان مع الزاوية الجنوبية لخريطة فلسطين.
غصنا الزيتون تقطع كل واحد منهما في منتصفه قطعة نحاسية بارزة قليلا محفور في الواقعة منهما الى كلمة فلسطين، وفي الواقعة الى اليسار 1948.

خريطة فلسطين
أما خريطة فلسطين فهي أكثر ما يلفت في هذا النوط أو النيشان، ذلك أنها شديدة الاختلاف عن خريطة فلسطين التي نعرفها الآن، فهي أشبه ما تكون برأس حربة، أو ريشة قلم تحف بها من الغرب مياه البحر الأبيض المتوسط، ويتوسطها نهر الأردن ومجراه حتى يصب في البحر الميت، ثم تنتهي هذه الخريطة في اسفلها بخليج العقبة وكأنه رقم 8 باللغة العربية يبعج اليابسة باتجاه الشمال.
الخريطة إذن تجمع ما نعرفه الآن بفلسطين والأردن معا، إنما دون الإضافات التي حصل عليها الأردن في اوقات لاحقة من العراق على شكل لسان يتجه من شماله باتجاه الشمال الشرقي ليفصل سوريا عن السعودية، لأسباب جيوسياسية ارتآها الإنجليز في حينه، والأراضي التي اضيفت له من الحجاز في جنوبه الشرقي فجعلته أكثر عرضا، وتضم اساسا محافظة معان.

لماذا تدمج هذه الخريطة فلسطين والأردن معا دون حدود أو فواصل..؟

هذا ما يرجح أن يكون هذا النوط أو النيشان سورياً لا فلسطينيا، كما قالت أولى الروايات التي استمعت إليها من أبو عدوي، عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني أثناء زيارة له للعاصمة الأردنية قادما من رام الله.. ذلك أن فلسطين والأردن كانا يشكلان معا جنوب سوريا، كما أنهما خضعتا لانتداب بريطاني واحد، كان مندوبه "السامي" يتخذ من القدس مقرا له، فيما أصبح له لاحقا ممثل عمان.

روايات متعددة
أبو عدي يقول إنه حصل من الدكتور الرفاعي على عدد من هذا "الوسام"، ويروي أن هذا "الوسام" صنع عام 1948 في فرنسا بطلب من الشهيد القائد عبد القادر الحسيني، الذي استشهد في معركة القسطل قبل وصول الكمية التي طلبها، فظلت في حوزة الجمارك السورية دون أن يخلص عليها أحد.. ومؤخرا، يواصل أبو عدوي، تم اكتشاف صندوق في أحد مقرات دائرة الجمارك السورية يحوي هذه "الأوسمة"، فتم الاتصال بالدكتور سمير الرفاعي، الذي قام بتسلم كامل الكمية من هذا "الوسام الفلسطيني". لكن غازي، عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، ونجل الشهيد عبد القادر الحسيني لا يعرف شيئا عن هذا "الوسام" كما اخبرنا لدى سؤاله عنه.

لدى المتابعة تبين أن المعلومات التي توافرت لأبي عدوي غير دقيقة.. فالدكتور الرفاعي يقدم رواية مختلفة قائلا إنه عرف بوجود هذه الأوسمة من موظف يعمل في مؤسسة معامل الدفاع السورية التابعة لوزارة الدفاع، وإن المؤسسة كانت تبيعها للناس بسعر خمسين ليرة سورية لـ"الوسام" الواحد، وذلك بين العامين 2000 ـ 2001.

لكن الرفاعي لم يعلم عن الأمر مباشرة من الموظف في معامل الدفاع، إنما عن طريق أحمد فواز، وهو فدائي سابق في حركة "فتح"، سوري الأصل والجنسية، يعمل الآن في تجارة الأنتيكا والحلي. وقد أحضر له فواز مائة واحدة من هذا "الوسام" في المرة الأولى، ثم أحضر له بناء على طلبه خمسين وحدة أخرى، وزعها على القيادات الفلسطينية كما تقدم.

وفاجأنا الدكتور الرفاعي مرتين خلال التقائنا به "المفاجأة الأولى حين قدم لنا واحدا من هذه "الأوسمة" وقد وضعه داخل علبة خشبية مصدفة، اشتهر السوريون بصناعتها..

أما المفاجأة الثانية فتمثلت في اخبارنا أنه اتصل مع أحمد فواز الذي هو في طريقه إلينا ليقدم المعلومات مباشرة.

قبل وصول أحمد فواز لفت نظرنا أن النوط أو النيشان موضوع، أو مغلف داخل كيس ورقي شفاف بادي القدم، مطبوع على أحد وجهيه ترس مصنع مكتوب عليه بشكل يقطع الترس اسم المصنع وهو ARTHUS BERTRANO وأسفل اسم المصنع، وداخل الترس مطبوع اسم العاصمة الفرنسية PARIS.

لا جدال إذن في أن هذا النوط أو النيشان مصنوع في باريس، وهذا يرجح أن يكون النوط سورياً، لأن العلاقات السورية ـ الفرنسية كانت وطيدة تجاريا في ذلك الوقت، بحكم ما خلفه الانتداب الفرنسي على سوريا.

رواية معدلة
فواز لدى وصوله، كرر رواية الدكتور الرفاعي مع شيء من التعديل وشيء من الإضافة.
فهو لم يشتر "الأوسمة" من موظف في مؤسسة معامل الدفاع، إنما من أحد التجار الذي اشتراها من هذه المؤسسة، علما أنه شاهد بنفسه اعدادا من هذه الأوسمة تباع في المؤسسة التعاونية العسكرية.
أما ما أضافه فواز فهو أن هذه الأوسمة تباع في البسطات داخل سوق الحميدية، وفي بعض محلات سوق الخجا المتخصصة بالملابس واللوازم العسكرية.
ولم يشأ فواز أن يضيع الوقت، إذ طلب مني أن ارافقه في جولة أشاهد فيها بعيني أين يباع هذا الوسام..؟

كان الوقت قائظا ظهر ذلك اليوم، فلم يكن ممكنا أن نسير مسافة طويلة على اقدامنا من حيث يمكن ايقاف السيارة، الى حيث سوق الحميدية التاريخي القديم الذي يستمد اسمه من اسم السلطان العثماني عبد الحميد، فاكتفينا بالمرور على فرع المؤسسة التعاونية العسكرية القريب من سوق الحميدية، حيث وجدنا أن "وسام فلسطين" قد نفد.

أما في سوق الخجا فقد وجدنا اعدادا منه معروضة داخل الفاترينات. ووفقا لتقديرات فواز فإن هذه الكميات من هذا "الوسام" التي تباع في الأسواق عثر عليها في مستودعات الجيش السوري، وقد بيعت بالتدرج وعلى دفعات في اطار تصفية المحتويات القديمة في المستودع. ويقول فواز إنه رأى اعدادا من هذا "الوسام" تباع في شارع الحمرا ببيروت بألف ليرة سورية لـ"الوسام" الواحد.

أوسمة تقليد
لكن أحد تجار سوق الخجا، وهو سوق متخصص بمحلات بيع الحقائب والصناعات الجلدية والملابس واللوازم العسكرية يؤكد لنا أن هذا "الوسام" استورد والده منه كمية كبيرة تقدر بعشرين ألف وحدة عام 1948، وذلك من فرنسا، وقبل أن يرث هو المحل وبضاعته عن والده.

لم كل هذه الكمية الكبيرة..؟

يجيب صاحب المحل لأن هذا "الوسام" منح عام 1948 من قبل القيادة العامة للجيش السوري لجميع الضباط والجنود الذين شاركوا في حرب فلسطين.

وقد تشكلت لدينا قناعة بأن هذه الرواية هي الأقرب الى الحقيقة.

غير أن ما لفت نظرنا في محلات سوق الخجا أنها تبيع وبشكل علني شتى انواع وألوان الأوسمة والأنواط والنياشين، وكذلك الرتب العسكرية..!

والمحل الذي تحدثنا مع صاحبه يعرض في "فاترينته" الأمامية أوسمة وأنواطاً ونياشين ورتباً عسكرية، ليس فقط سورية، إنما كذلك سعودية وفرنسية ومصرية واوروبية متنوعة، دون أدنى مخالفة للقانون. ويصارحنا صاحب المحل بأن بعض هذه الأوسمة تقليد..!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف