جريدة الجرائد

مراسلون في الجبهة ينقلون الاخبار ويتحركون بين مطرقة الصواريخ وسندان الحسّ الصحافي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت - فيكي حبيب

كاتيا ناصر من "الجزيرة" بالخوذة

حتما لن ينسى كثر صرخة حيدر حويلا مندوب المؤسسة اللبنانية للإرسال ("ال بي سي") في الجنوب وهو يذيع من قلب المعركة خبر مجزرة صور بصوت مفجوع ونبرة مخطوفة.

صرخة اخترقت القلوب وفعلت فعلها في النفوس قبل ان تصلنا مشاهد الجثث والأشلاء والدمار التي استطاعت كاميرا "ال بي سي" أن تتفرد بنقلها بجهود حويلا ورفاقه.

ما الذي يدفع المراسل الصحافي للمجازفة بحياته والتوجه الى قلب الخطر؟ سؤال يردده كثر ويتجدد في كل مرة يشتعل فيها نزاع مسلح يضطر الصحافي لترك فراشه الآمن والتوجه الى أكثر الأماكن سخونة سعياً وراء السبق الصحافي. والجواب هو نفسه في الاحوال كافة: حب المغامرة والحس الصحافي من دون الخوف من الانغماس اكثر فأكثر في مهنة البحث عن المتاعب.

بالأمس في العراق وقبله في افغانستان، مراسلون تلفزيونيون من لبنان برزوا في تغطية النزاعات. من ديانا مقلد ونجاة شرف الدين وبسام أبو زيد الى نجوى قاسم وسلطان سليمان وسواهم ممن دفعه حسه المهني المخاطرة بحياته من أجل ان تصل رسالته الى الناس.

واليوم في حرب تموز (يوليو) 2006، تتجدد الحكاية وتتكرر الأسماء، يضاف إليها وجوه جديدة أكثر شباباً وأقل خبرة، يغلب عليها العنصر الأنثوي. وهو ما جعل كثراً من المشاهدين متعاطفين معهن الى اقصى الحدود. لكن هؤلاء سرعان ما أثبتن انهن بغنى عن أي تعاطف، كونهن يتمتعن بكفاءة عالية وقدرة على مواجهة التحديات والوقوف نداً للند مع زملائهم من الشبان، ما يكسر المقولة التي تعتبر ان طبيعة الفتاة لا تؤهلها لخوض تجارب مثل هذه نظراً الى الظروف الصعبة التي تحاصر تغطيات من هذا النوع. ونشير هنا الى ان ساحات النزاع من حول العالم مليئة بتجارب نسائية مماثلة، لكن اللافت عندنا هو التفوق النسائي الكمي على العنصر الذكوري.. حتى أضحى هذا الأمر أشبه بظاهرة تنبغي دراستها بدقة. وحتماً لن نقف عندها هنا.

تحول

من الحدث السياسي الميداني الى الجبهة، فجأة وجد المراسلون الصحافيون أنفسهم مراسلين حربيين. من وقوف المراسلات امام الكاميرا بكامل هندامهن واناقتهن (ماكياج، شعر مصفوف وزينة) الى خوذة وسترة واقية من الرصاص تبعد بعض الشيء أضرار العدوان. وريما مكتبي من "العربية"

ظروف الحرب تختلف عن ظروف السلم. والحرب - المفاجأة لم تمنحهم وقتاً للاستعداد والتدريب الذي يكلف عادة المؤسسات الإعلامية الملايين.. وساحة القتال باتت ساحة لإثبات الذات والتبشير بولادة جيل جديد من المراسلين الحربيين.

منى صليبا مندوبة "ال بي سي" في مرجعيون، أكدت منذ اليوم الاول من التغطية المباشرة للحرب الاسرائيلية على لبنان، مطابقة مواصفاتها لمواصفات المراسل الحربي، على رغم انها المرة الاولى التي تقف فيها في هذا الموقف. ويعزز هذا الانطباع الشعور الذي تتركه في نفوس المشاهد، لجهة إمساكها بخيوط اللعبة، وكأنها غير آبهة بالصواريخ التي تمطر من حولها: أداء متماسك، ثقة بالنفس، استماتة لملاحقة الخبر مهما بلغ الخطر. اما اكثر ما يلفت في إطلالة صليبا فحضورها الانيق. فهي وعلى رغم بقائها بالملابس ذاتها في اليومين الأولين من العدوان، عادت وحافظت على مظهرها الأنيق في الأيام اللاحقة. ويكاد يظن المرء لوهلة انها بعيدة من ساحة المعركة.

ما يقال عن اناقة مراسلة "ال بي سي" في تغطية الحرب، ينطبق ايضاً على مراسلة "العربية" ريما مكتبي. فهي بوجهها الطفولي ونعومتها الظاهرة، حافظت على شكل لا يمت الى الحرب بصلة، على رغم متابعتها الاحداث في شكل متواصل مازجة الليل بالنهار. لكن قدرتها على إخفاء خوفها من حيث الشكل أفلت منها لا إرادياً من حيث المضمون، ففي حالات الإرهاق والتعب والخوف، ينتصر اللاوعي على الوعي، وهكذا حدث حين تحولت معها في إحدى الليالي (الثالثة والنصف فجراً بتوقيت بيروت) كلمة "ذعر" الى "عهر". وربما تكون العودة الى فرويد مفيدة في هذا الشأن.

خوذة السبع

نانسي السبع مراسلة "التلفزيون الجديد" التي ظن بعضهم انها ستذهب ادراجها ولن تعود الى ساحة القتال بعدما ارهقها سقوط الصواريخ وهي واقفة في مكان مكشوف على سطح إحدى البنايات في الضاحية الجنوبية، في أقرب نقطة اتخذها صحافي من موقع الحدث، التقطتها الكاميرا بعد أيام راكضة هرباً من قصف محتمل للطيران الذي راح يحلق بكثافة فوق رأسها وهي تصور تقريراً عن الضاحية بعد تدميرها.

وخلافاً لزميلتيها في "العربية" و"ال بي سي" لم تتخل السبع عن الخوذة والسترة الواقية من الرصاص، فبدت عليها آثار من أخذ كل احتياطاته للمعركة.

وإذا كانت السبع لم تبتعد عن ساحة القتال إلا ولتعود إليها من جديد، فإن زميلتها في قناة "الجزيرة" بشرى عبد الصمد تحن اليوم الى العودة للجنوب بعد مغادرته قبل أيام. وهي لا تتوانى من البوح أنها تـشعر بالذنب لتركها أطفالاً ونساء ومسنين عاجزين عن الحراك في ظل القصف المتواصل وقطع أواصل البلاد. وتواصل زميلتها كاتيا ناصر مهمتها من مرجعيون في ثياب الميدان الزرق.

وكما عند الإناث كذلك عند الذكور. بعضهم بدت عليه جلياً آثار المعركة، وبعضهم آثر ان يحافظ على إطلالته المعهودة قدر الإمكان. فمن حيث الشكل نرى ان الموضوع يختلف من شخص الى آخر في القناة نفسها. ومحطة "الجزيرة" خير مثال. ففي حين ترك مدير القناة في بيروت غسان بن جدو لحيته لأيام، لم تنبت لحية عباس ناصر مندوب القناة في بيروت، علماً ان هذا الأخير مراسل ميداني بينما الأول يلاحق النسبة الأكبر من الأحداث في الاستوديو. اما من حيث المضمون فبدا الانضباط على غالبية المراسلين، فالخوف ممنوع، من دون ان يتعارض هذا الموضوع والقاعدة الأساسية التي يتعلمها المراسل الحربي، ألا وهي ان يضع نصب عينيه هدفاً رئيساً وهو عدم المخاطرة بحياته.

... والمصورون أبطال منسيون

lt; للوهلة الاولى يظن المرء أن المراسل الصحافي هو الوحيد الذي يحرص على ان يكون في قلب الخطر، بينما كل الآخرين يبتعدون... فهو النجم بنظر كثر، وهو عينهم لمعرفة ما يحدث على أرض الواقع. ولكن سرعان ما نكتشف ان للمراسل نفسه عيناً حقيقية هي مصوّر يخاطر بحياته، ويقترب أكثر فأكثر من خط النار. وربما هذه هي ضريبة من هم خلف الكاميرا، او في الكواليس، إذ ينساهم الجمهور العريض، وينسى جهودهم التي كثيراً ما تكون اكبر من جهود المراسل نفسه.

والحال ان طبيعة عمل المراسل أخف وطأة من طبيعة عمل المصور، وإن كانا معاً في ساحة المعركة. فالمراسل مثلاً مع اشتداد القصف بإمكانه أن يحفظ رأسه سالماً ويختبئ، بينما من واجبات المصور ان يقوم بعمله للنهاية، لتكون كاميرته جسراً بين المشاهد وما يجري من حوله. ومع هذا دائماً ما ينسى المصور، ويبقى المراسل نجماً وحيداً.. بطل يحيى ويكرم خلال الأحداث وبعدها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف