جريدة الجرائد

حزب الله ضرورة لـ إسرائيل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الإثنين: 2006.07.24


عبدالله بن بخيت



جورج بوش يحلم أن يحل قضية فلسطين قبل نهاية ولايته. فما عجز عن حله أسلافه بالدبلوماسية رأى أن يجرب حله بالقوة العسكرية متبنياً المفهوم الإسرائيلي للصراع. وهو محق إلى حد كبير. فالحل الدبلوماسي في قضية كهذه مستحيل، فطبيعة المواجهة لا تسمح بالتنازل؛ لأن أي طرف مهما بلغت به درجة تسامحه لا يمكن أن يتنازل عن وجوده. وقد لخص شارون مرة ما آلت إليه المواجهة وحقيقة العرب الذين ينادون بالصلح الفوري بقوله: العرب اعترفوا بقوتنا ولكنهم لم يعترفوا بحقنا في الوجود.. فالداعون كلهم للصلح مع إسرائيل في الوسط العربي تنادي بالواقعية والتخلي عن الشعارات. والواقعية باختصار ليست الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود وإنما بقوة إسرائيل سواء العسكرية أو تحالفاتها الدولية.

وجود إسرائيل مرهون بالانتصار الدائم. إسرائيل هي الدولة الوحيدة في التاريخ الإنساني التي لا تملك حق الضعف. قدرها أن تكون قوية منيعة دائماً. القوة أساس وجودها الوحيد. زمبابوي موجودة لأنها موجودة وساحل العاج موجودة لأنها موجودة هكذا بكل بساطة. الضعف يجلب لكل شعب الهوان، أما بالنسبة إلى إسرائيل فيجلب لها الزوال. يمكن أن تقيم جبلاً من الجليد في الربع الخالي ولكن لا يمكن تركه يرعى وجوده بنفسه.
لم يبقَ في مواجهة حربية مع إسرائيل سوى حزب الله وحماس. اعترفت معظم الدول الإسلامية بإسرائيل، وقدم العرب بمن فيهم الفلسطينيون مشروع سلام متكاملاً أُعلن في بيروت يعطي إسرائيل الحق في الوجود والاندماج في المنطقة. ينهي الصراع مرة وإلى الأبد. لكن إسرائيل لم تلتفت إليه. لم تُقم له وزن. وفي الوقت نفسه لم تتقدم إسرائيل حتى يومنا هذا بأي مشروع سلام. حتى ما سمي خارطة الطريق وهو في الواقع ليس مشروع سلام وإنما إجراءات للبدء في عملية سلام لم تقرها إسرائيل وما زال موقفها منه غامضاً لا يعطي معنى.

لكن هذا لا يعني أن الشعب الإسرائيلي متعطش للدماء. فالإسرائيليون بشر والإنسان بطبيعته ميال للهدوء والسلام. جاؤوا إلى المنطقة على أمل العيش فيها كما يفعل البشر، وبعضهم تناسل فيها ولديهم أطفال وعجائز، ومشروعات حب وطموحات عائلية. لا يمكن أن يكون الإسرائيليون كلهم من عتاة العسكر. بعضهم يرفض التجنيد ويتمرد على الجيش ويتعاطف مع الفلسطينيين، بل بعضهم يشعر بعقدة الذنب من وجوده على أرض غيره. هذه التفاصيل الإنسانية تتناقض مع رفض إسرائيل أي مبادرة سلام. ولكن إسرائيل شيء والتفاصيل الإنسانية شيء آخر. فإسرائيل لا يمكن أن تفهم السلام كما يفهمه الآخرون. فنظرية الذئب والحمل مقلوبة في التجربة الإسرائيلية.

من مسلمات الطبيعة أن يخاف الحمل من الذئب، ولكن الأمر انقلب في الحالة الفلسطينية. الذئب هو الذي لا يأمن جانب الحمل. يكافح من أجل الحصول على ضمانات أمنه. ما يملأه بالذعر أنه لا يرى للحمل أنياباً، ولا يرى له أظافر ولا يرى له قوة، لا يوفر له الحمل أي مصدر تخويف حتى يأتي ويدمره ويطمئن. فصار الإسرائيلي مرعوباً من شيء لا يراه، وصار حزب الله وحماس قضيته الأساسية التي تعطي خوفه معنى ودلالة. لا يمكن لعاقل أن يتصور أن إسرائيل عاجزة عن تحطيم حماس وإلغائها من الوجود.

فحماس ليست منظمة عالمية متوزعة عبر القارات تحتاج إلى مطارات وتعاون قوى دولية مختلفة. حماس وكوادرها موجودة على أرض تحتلها إسرائيل، وتسيطر عليها منذ أكثر من أربعين سنة. وقد نشأت حماس في ظل الاحتلال، بالإضافة إلى أن إسرائيل تملك التغطية الإعلامية والأخلاقية لتنفيذ ما تريده في الأراضي الفلسطينية. تستطيع أن تستخدم ضد المدنيين الطائرات والدبابات والصواريخ، فضلاً عن أنها تملك أقوى جهاز مخابرات مع تعاون غير محدود مع مخابرات دول غربية، ومع ذلك ما زالت تتعارك مع حماس وكأنها تتعارك مع دولة عظمى.

كانت إسرائيل تتهم ياسر عرفات بدعم الإرهابيين وتنادي بالتخلص منه لتبدأ إجراءات السلام. عرفات مات وجاء عباس الرجل الذي تتمناه إسرائيل. ومع ذلك بقيت إسرائيل على موقفها.
الآن تشن حرباً على لبنان. حرباً لا تحطم حزب الله بل تحطم أي محاولة للشعب اللبناني والقوى اللبنانية المعتدلة لإقامة أي صلح مع إسرائيل. في كل مرة تقوم فيه إسرائيل برد فعل تراه يتجه فوراً إلى المدنيين؛ هدفه إحراج القوى المعتدلة في المنطقة. عمل يعزز قوة المتطرفين ووجودهم في الشارع العربي والإسلامي.
منذ أسست إسرائيل وحتى يومنا هذا لم تتجه إسرائيل إلى مخاطبة عواطف الإنسان العربي. لم تحاول أن تقيم معه جسوراً ثقافية أو أخلاقية. علاقة تحطيم مستمرة.

الذي يعتقد أن إسرائيل تهدف إلى إزالة حزب الله فهو واهم، وستبرهن لكم هذه الأحداث ذلك. لا يمكن للإنسان أن يحطم المبرر الأخلاقي لوجوده.

** العنوان الأصلي للمقال : حزب الله وإسرائيل

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف