مصير «حزب الله» بين المصالح السورية والمقايضات الايرانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
راغدة درغام
لن يتفق مجلس الأمن على "وقف العداءات" لتتوافر فسحة زمنية للتفاوض على "اطار حل سياسي" يؤدي الى "وقف النار" بين اسرائيل و "حزب الله". ولن توقف اسرائيل الحرب لا في شكل "هدنة" ولا "وقف عداءات" ولا "وقف نار" طالما حزب الله لا يسلم سلاحه الى الدولة اللبنانية وتقوم قوة دولية بمساعدة الدولة على بسط سيادتها في كل أراضي لبنان. قد يكون حزب الله الطرف الأعمق معرفة لما يعني استمرار الحرب من تدمير للبنان وتهجير لشعبه وقتل لأهله اذ انه هو الطرف الأكثر علماً بقدراته العسكرية وبإمكانياته في التصدي للجيش الاسرائيلي وللسلاح المتفوق. فهذه حرب، في نهاية الأمر، تشن في أرض لبنان وليس في أرض اسرائيل. ومهما كانت الخسائر الاسرائيلية كبيرة، فإن الخاسر الأكبر هو لبنان المدمر حتى وان شعر "حزب الله" موقتاً بأنه "المنتصر" مرحلياً لأنه حجب عن اسرائيل النصر السريع. فهذه المرحلة الدقيقة من المعادلة العسكرية ومن الجهود الديبلوماسية لها بعد غامض من ناحية مَن المستفيد من اطالة الحرب ذلك ان بعض اللاعبين الاقليميين يجد مصلحة له في اطالة الحرب وهو يزعم الرغبة بوقف النار.
مجلس الأمن بدأ هذا الاسبوع تناول ملف لبنان بدفع من مجزرة قانا التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي ولطخته دماء أطفالها. فيوم الأحد الماضي انعقد المجلس في جلسة علنية وكان صدر بيان رئاسي عن مقتل مراقبين دوليين تابعين للأمم المتحدة نتيجة نار اسرائيلية قال الأمين العام للأمم المتحدة انها "تبدو وكأنها متعمدة". مجزرة قانا عجلت بالعملية الديبلوماسية التي كانت تبحث في العواصم وفرضت التسريع بنقلها الى مجلس الأمن.
وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تحدثت علناً عن توصل مرتقب الى قرار وقف النار في غضون "أيام". هذا التصريح أثار الانتباه بحد ذاته وما جعله أكثر إثارة للفضول هو تزامنه مع تصريحات اسرائيلية بأن العملية العسكرية قد تستغرق "اسابيع"، فبرزت التساؤلات حول ماذا في ذهن رايس وماذا في حوزتها؟
الديبلوماسية الأميركية تقول ان الفارق بينها وبين الديبلوماسية الفرنسية هو التالي: ان باريس ترغب بالتهدئة ووقف العداءات فيما واشنطن لا تريد مجرد وقف العداءات ولا تريد مجرد التهدئة وانما تريد الحل الجذري الذي يحول دون العودة الى الوضع الذي كان قائماً. وهذا الوضع تحديداً هو تمكن حزب الله من استراق قرار الحرب من الحكومة اللبنانية عندما يشاء. وهذا بدوره يعني تجريد حزب الله من السلاح بأي شكل من الأشكال، ديبلوماسياً أو بالقوة العسكرية.
فرنسا تفضل وسائل الاقناع والترغيب كي يتوصل حزب الله الى الاستنتاج بأن لا خيار أمامه سوى الاستغناء عن سلاحه طوعاً وسوى الدعم الحقيقي والصادق لسلطة الدولة وسيادتها القاطعة على كامل أنحاء البلاد. ولذلك، انها تنطلق من فكرة "وقف العداءات" كمدخل الى حل سياسي شامل، ينطوي على معالجة مزارع شبعا بما يزيل مبررات المقاومة، ويرتبط بقوة دولية فاعلة تساعد الحكومة اللبنانية في بسط سيادتها وسلطتها في كامل الجنوب. وبهذا تتجنب القوة الدولية مهمات مثيرة للجدل وخطيرة أي مهمات تجريد حزب الله من السلاح بالقوة.
الإدارة الأميركية لا تعارض وسائل الاقناع والترغيب طالما ليس لها ملامح المكافأة لحزب الله. رأيها يقوم على ضرورة الاستعداد بقوة دولية لها صلاحية وقدرات تجريد حزب الله من السلاح تتوجه الى لبنان لمساعدة الحكومة اللبنانية في تنفيذ القرار 1559 حتى وان تطلب ذلك تجريد حزب الله من السلاح بالقوة العسكرية. هذه نقطة الانطلاق، حسب الادارة الأميركية، لأن الخيار الوحيد الآخر المتاح هو ترك أمر الحسم العسكري للجيش الاسرائيلي ليفعل ما يضطر اليه في خضم الموازين العسكرية في الحروب، مهما كان ذلك مكلفاً من ناحية الرأي العام والكلفة الانسانية. وعليه، ان ما تقدمه واشنطن الى أعضاء مجلس الأمن هو محاولة اقناع اسرائيل بـ "وقف العداءات" طالما هذا مرتبط بقوة دولية تجرد حزب الله من السلاح إلزاماً وفرضاً، اذا رفض ان يفعل ذلك طوعاً.
واشنطن، ورايس بالذات، تعمل على اطار الحل السياسي الشامل وهي مستعدة، حسب المؤشرات، للضغط على اسرائيل للانسحاب من مزارع شبعا وتسليمها الى وصاية دولية وقوات دولية كي تحذف تبريرات المقاومة وتحرر الحكومة اللبنانية من هذا العبء.
مثل هذه الصيغة تتجنب ملامح المكافأة أما لحزب الله أو لسورية التي أعلنت ان مزارع شبعا تخضع للقرارين 242 و338 المعنيين بالنزاع السوري - الاسرائيلي. أي ان دمشق طاب لها الآن ان تعتبر مزارع شبعا سورية بعدما كانت اعتبرتها، لفظياً، لبنانية لتبرر مقاومة حزب الله فيما تترفع سورية عن أية مقاومة لاسرائيل من أراضيها المحتلة. فبين سورية واسرائيل علاقة متينة أساسها استبعاد المقاومة من الأراضي السورية.
ومع العودة الى المفاوضات بين أعضاء مجلس الأمن حول ما سيصدر عن المجلس، يدور الحديث حول امكانية التوجه نحو اصدار قرار بمرحلتين أو الى اصدار قرارين يتناولان "وقف العداءات" و "وقف النار" والعلاقة بينهما عبر "الاطار السياسي" للحل الأشمل. ويدور الكلام في فلك القوة الدولية للاستقرار وان كانت تتطلب قوة تمهيدية تقوم بدور الطليع مما يتطلب "نوعين" من القوات يتم ارسالهما في "زمنين مختلفين".
فرنسا طرحت مشروع قرارها. الحكومة اللبنانية قدمت خطة السبع نقاط التي تحمل لقب خطة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة بصورة رسمية أمام مجلس الأمن عندما عددها نقطة بنقطة وزير الخارجية بالوكالة طارق متري في مداخلته باسم لبنان أثناء الجلسة العلنية لمجلس الأمن مطلع هذا الاسبوع.
هذه الخطة وافق عليها مجلس الوزراء وتتضمن استصدار التزام من مجلس الأمن بوضع مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا تحت وصاية الأمم المتحدة الى حين ترسيم الحدود بين لبنان وسورية. تتضمن أيضاً بسط الحكومة اللبنانية سلطتها في كل أراضي لبنان عبر قواتها المسلحة "الشرعية" بحيث "لا سلطة لسلاح آخر سوى سلاح الدولة اللبنانية".
وليس مهماً في نظر الأسرة الدولية ان ينفي رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود وجود إجماع على خطة السنيورة. فهذا النفي لن يتمكن من نفي السجل الرسمي لمجلس الأمن الدولي الذي سجل الموقف الرسمي للبنان كموقف حكومي وبإجماع الوزراء على خطة السنيورة التي هي طريق خلاص لبنان. فإذا كان لحود يتخوف من تطبيق هذه الخطوة فلن يأخذ مجلس الأمن بهذه الاعتبارات لأنه لا يعيرها أهمية. فالسجل هو الأهم. وخطة السنيورة دخلت مجلس الأمن شاء الرئيس لحود أم أبى. وأعضاء مجلس الأمن يتوجهون نحو الاستفادة منها جذرياً في أي قرار يصدر عن المجلس.
كثير من أعضاء مجلس الأمن يعي تماماً أن هناك أكثر من خطة لاسقاط حكومة السنيورة واي مبادرة ترتبط باسمه، بل إن هناك من الدول الفاعلة مَن يراقب عن كثب ماذا يُعد نحو فؤاد السنيورة نفسه وليس فقط نحو حكومته. والاجماع بين أعضاء مجلس الأمن قاطع بأن من يجرؤ سيدفع الثمن باهظاً هذه المرة، ومضاعفاً.
فروسيا والصين تدعمان قطعاً حكومة السنيورة ولن تسمحا بأي خطوة تعرضه وتعرضها للزوال. مواقفهما ازاء التطورات في لبنان تفيد أنهما مع سيادة الدولة اللبنانية وليس مع "حزب الله" واستيلائه على السيادة تحت أي عذر أو مبرر كان.
وروسيا والصين قد تتمتعان بضربة الهيبة السياسية الأميركية وبمعاناة السياسة الخارجية الأميركية، وذلك لاعتبارات استراتيجية. لكنهما لا تريدان التصديق على ضرب الجبروت الإسرائيلي العسكري على ايادي "حزب الله" بتسهيلات من سورية وإيران، لأن ذلك يدخل في اعتبارات أعمق ومصالح ثنائية، لذلك أن روسيا والصين تنظران بصورة مختلفة عن إيران الى معادلة الهزيمة والانتصار.
عندما يطرح وزير خارجية إيران منوشهر متقي من بيروت إطار الحل الذي تجده طهران مقبولاً، إنما هو يعلن على الملأ أنه عرّاب "حزب الله" والمسؤول عن التفاوض نيابة عنه حول كيفية انهاء الحرب التي خاضتها إيران عبر "حزب الله" في لبنان.
متقي تحدث بلغة النصر وانطلق من شروط يعرف تماماً أنها تعجيزية وأنها ستطيل الحرب. فهو رجل محنك وقدير ويدرك أنه لو كانت إيران محل اسرائيل لرفضت قطعاً "وقف النار" أو "وقف العداءات" في خضم العمليات العسكرية وفي مرحلة تسمح للطرف الآخر أن يزعم أنه المنتصر. كل مسؤول إيراني يعرف ويقدّر أن إسرائيل لن ترضى بوقف الحرب إلا بمعادلاتها وموازينها العسكرية الحالية وطالما "حزب الله" لم يتخلَ عن سلاحه.
لذلك يبرز السؤال إذن: ماذا في ذهن طهران؟ هل هي على ثقة بأن "حزب الله" سيحقق انتصاراً حقيقياً دائماً وتكون إسرائيل منهزمة في هذه الحرب على المدى البعيد؟ أو هل تساوم طهران مع الدول الفاعلة في مجلس الأمن لتضمن مخرجاً لـ "حزب الله" قبل انقلاب الانتصار الموقت الى هزيمة دائمة؟ أم أن طهران باتت جاهزة للمقايضات بما يشمل الملف النووي، لا سيما بعدما صدر القرار الأخير لمجلس الأمن بموافقة روسيا والصين لانذارها بأن عليها الاخذ بجدية المطالب الدولية وإلا هناك عواقب لعدم الانصياع؟
ساحة لبنان مفتوحة للمقايضات وللمزايدات الإيرانية. إيران تفهم لغة انقاذ "حزب الله" أو التضحية بـ "حزب الله"، إذا اشتمت رائحة الهزيمة العسكرية الآتية. طهران تتقن أيضاً دفع الأمور الى حافة الهاوية لا سيما أنها تشعر بثقة بالنفس طالما القوات الأميركية تغرق أكثر في مستنقع العراق في جوار إيران، وطالما تستبعد أن تتحول العلاقة التهادنية بينها وبين إسرائيل إلى علاقة مواجهة. مواقفها توحي بالثقة العارمة والقدرة على الشروط وتعقيد الحلول الديبلوماسية والحسم العسكري على السواء. لكن هناك مؤشرات تفيد بأن الحنكة الإيرانية المعهودة تنبه طهران الى مخاطر الانزلاق في المتعة الآنية وأوهام البناء على مشاعر شعبوية عابرة.
سورية شأن آخر. إنها مجرد ملحق وهامش لإيران في الاعتبارات الجغرافية - السياسية الدولية، ومكانتها تقتصر على دورها السلبي في فلسطين والعراق ولبنان. هكذا تنظر دمشق الى نفسها، في نهاية المطاف، وهكذا ينظر العالم إليها.
الحكومة السورية تريد اطالة الحرب في لبنان وترى ان ارتكاب اسرائيل مجازر مثل مجزرة يؤدي الى انقلاب الرأي العام العالمي ضد إسرائيل. مرحلياً وموقتاً، استعادت دمشق زمام المبادرة والثقة بالنفس، متناسية أن ما أحرزه "حزب الله" في ثلاثة أسابيع يبيّن فشل سورية في القيام به اثناء حروبها مع إسرائيل. لكن كلام وزير خارجية سورية وليد المعلم محذراً من "عراق آخر" في لبنان ومن "تسلل القاعدة" الى لبنان اعتبر تهديداً أكثر مما هو نصيحة، وقد يكون له اثر سلبي لدى اسرائيل ولدى الولايات المتحدة أكثر مما تتصور دمشق. فرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت لم يحسم قراراته نحو دمشق حتى وان بدا الآن بأنه يركز قطعاً على جبهة "حزب الله" وفلسطين، ولا يريد حالاً جبهة ثالثة. لكن تحويل لبنان الى عراق آخر على حدود إسرائيل تترتب عليه استحقاقات أخرى غير الاعتبارات التقليدية التي تجعل منظمة "ايباك" متمسكة بالنظام في سورية كصمام أمان. فهذه المنظمة اليهودية الأميركية التي تقوم باللوبي لمصلحة إسرائيل، لا تريد الاطاحة بالنظام السوري.
ولكن هذه المنظمة الفاعلة لن تبقى على عهدها ازاء دمشق إذا ما ساهم النظام السوري في تحويل لبنان الى "عراق آخر" وسهّل تسلل "القاعدة" الى الدولة المجاورة لإسرائيل، عندئذ، تختلف الاعتبارات. ولقد أُخذ علماً بذلك.
اضافة ان اولمرت رجل ليس معروفاً بدقة بعد، ولا يعرف بدقة ما هي القرارات التي اتخذها نحو سورية. ما يعرفه هو ان الادارة الأميركية حازمة تماماً في أمرين أساسيين هما: ان سورية لن تكافأ على ما فعلته بلبنان لتعود الى التحكم بلبنان عبر عودة قوات شرعية لها. وأن سورية يجب ان تكون مستبعدة عن أية صفقة سياسية اقليمية لأن التحقيق الدولي لا يزال مستمراً في دورها في اغتيال الحريري وفي اغتيالات أخرى. وبالتالي، ان الجولان حالياً خارج فلك المقايضات والتفاهمات اذ يجب عزل سورية كثمن لسياساتها نحو لبنان وفلسطين وهي تستخدمهما أداة المقاومة بالنيابة.
كلمات امرأة سورية في نيويورك رداً على كلام امرأة أخرى كانت توافق معها رأيها بضرورة مباركة مقاومة حزب الله وضرورة دعم المقاومة، كلمات لها دلالات مهمة اذ انها في ذهن معظم السوريين والعالم العربي وما بعد. فعندما سمعت هذه المرأة التشجيع على المقاومة وضرورة حشد المقاومة ومركزية فتح الجبهة السورية - الاسرائيلية للمقاومة، ردت قائلة: لا مابدنا. خلوا اللبنانيين يقاوموا.
اللبنانيون، بمعظمهم، لا يريدون أن يقاوموا بالنيابة. فلقد كفى لبنان تسديد ثمن العجز العربي، الشعبي منه والحكومي، فيما دموع التماسيح تذرف. لا مقاومة جزئية من لبنان، ولا مقاومة بالنيابة. هذا هو الوعد اللبناني الصادق من الآن فصاعداً. والمهم هذه المرة ان مجلس الأمن الدولي يوافق لبنان الجريح هذا الرأي، وهو سيفعل شيئاً فاعلاً إزاءه.