جريدة الجرائد

نحو خطة أميركية لمنع اندلاع حرب أهلية عراقية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

السبت: 2006.08.05

توماس فريدمان

لقد أصبح واضحاً أننا لا نستولد جنيناً ديمقراطياً في العراق, بقدر ما نجالس "طفل الحرب الأهلية الناشبة" هناك. فما أن يدلي الجنرال أبو زيد القائد الأعلى لقواتنا في العراق, بإفادته أمام لجنة تابعة لمجلس "الشيوخ" على نحو ما فعل في الأول من أمس بقوله "لعل العنف الطائفي هناك على قدر كبير من السوء حسبما رأيته", فإن الذي يستشف من ذلك هو فشل الجهود التي بذلناها على امتداد الثلاث سنوات الماضية في دفع العراق باتجاه التحول الديمقراطي. وبالقدر ذاته فقد أضحى من العبث التشبث بموقفنا السابق الداعي لاستكمال مهمتنا في العراق. وعليه فقد آن الوقت الذي وجب علينا فيه التفكير في الانتقال إلى الخطة "باء". وتتلخص هذه الخطة في كيفية انسحابنا من العراق بأقل الخسائر الممكنة. وخيل لي أنه وعلى رغم كل الأخطاء التي ارتكبها طاقم الرئيس بوش خلال الثلاث السنوات الماضية, فقد تعين علينا منح العراقيين فرصة للتوصل إلى حكومة انتقالية كيفما رأوها. ثم تلت تلك الخطوة صياغة دستور دائم للبلاد, ثم إجراء الانتخابات العامة, وصولاً إلى تعيينهم في نهاية الأمر لمجلسهم الوزاري المنتخب للمرة الأولى في تاريخهم القريب. والحقيقة الماثلة أمامنا أن كل ذلك قد تم, غير أنه لم يتمخض إلا عن المزيد من سوء الأوضاع وتفاقمها.

فقد اشتد عزم "المجاهدين" السُنة والبعثيين على إفشال هذا المسعى الأميركي لتحويل بلادهم إلى نظام ديمقراطي. وما أن أضيف إلى ذلك كله تصاعد العنف الطائفي الناجم عن نقص قواتنا هناك, مصحوباً بتهاوننا إزاء انتشار ثقافة الميليشيات الحزبية والطائفية المسلحة, حتى تحول العراق إلى فوضى عارمة خارجة خروجاً تاماً عن القانون. ومن جانبي فقد كنت ولا زلت على قناعتي الراسخة بضرورة الدخول في شراكة عراقية, تبتغي تقديم نموذج واحد مشرق لنظام الدولة الديمقراطية التقدمية في قلب العالم العربي الإسلامي, حيث لا سيادة البتة لسياسات الخوف والانتماء القبلي العشائري, وحيث ينتفي كل ذلك الإرث السيئ الذي أفرز سلبيات البطالة واللاتسامح الديني وممارسات القمع والقهر التي حولت منطقة الشرق الأوسط برمتها إلى خطر على نفسها, قبل أن تشكل خطراً على الآخرين.

ولكن آن لإدارة بوش أن تعترف مثلما يفعل الآن كل الذين يؤمنون بأهمية تصحيح الأوضاع الجارية في العراق -ومن بينهم شخصي- بأن ذلك لا يحدث على أرض الواقع, وأنه لم يعد مبرراً أن نضحي بالمزيد والمزيد من أرواح جنودنا هناك. ولطالما أنه لم يسبق لإدارة بوش مطلقاً أن قدمت لنا خطة متكاملة لما يجب أن تسير عليه الأمور في العراق, فهي على الأقل تدين لنا بالخطة البديلة "باء". وفيما يلي أقدم الخطوط العامة العريضة لما يجب أن تكون عليه هذه الخطة, إلى جانب تلخيص العواقب والتداعيات المترتبة عنها.

ولعل العنصر الأهم في نقاط هذه الخطة وعناصرها, اعتقادي بضرورة الإقدام على آخر محاولة لبسط الأمن والسلام هناك, على طريقة خطة إخماد حرب البوسنة سابقاً في عقد التسعينيات. وتتطلب هذه المحاولة توجيه الدعوة لكافة الفصائل والتيارات العراقية للمشاركة في مؤتمر جامع لها. ومثلما لم تطفأ نيران حرب البوسنة إلا بعقد مؤتمر "دايتون" للسلام ومشاركة قوة حفظ سلام دولية في فض الاشتباكات العرقية الجارية وبسط الأمن والسلام في منطقة البلقان, مع العلم أن ذلك لم يتحقق إلا بمشاركة كل من أوروبا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية- أي مشاركة الدول الأشد تأثراً بتلك الحرب-, فإنه يستحيل إطفاء نيران الحرب الأهلية الدائرة في عراق اليوم, دون مشاركة الدول الأشد تأثراً وتضرراً منها. وأعني بذلك مشاركة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان والهند وروسيا والصين وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر وإيران وسوريا والأردن. ومثلما حدث في البوسنة, فإنه ينبغي لأي حل ممكن لهذه الأزمة العراقية المتفاقمة, أن يتخذ شكل النظام الفيدرالي, بحيث تشرف قوة دولية على حماية الثروة النفطية وخدمات الأمن متى كان ذلك مطلوباً وضرورياً.

ولكي يصبح ممكناً عقد مؤتمر كهذا, فإنه لا بد للولايات المتحدة الأميركية من أن تعلن نواياها وعزمها على مغادرة العراق.

فلا سبيل لإثارة حماس ورغبة الدول العربية المجاورة وأوروبا وروسيا والصين وغيرها في إنقاذ العراق من مأزقه الراهن, سوى الاطمئنان إلى جدية أميركا في الانسحاب منه, باعتبار أن استمرار وجودها طويل الأمد فيه, يلحق ضرراً فادحاً بمصالح جميع الدول المذكورة آنفاً. ولا بد من أن نضع في اعتبارنا أنه وفيما لو كان الخيار العراقي أكثر ميلاً إلى الحرب الأهلية, فإن ذلك لا يعني شيئاً آخر سوى خروج إنتاجه النفطي اليومي المقدر بنحو مليوني برميل من سوق النفط العالمية, بينما يتوقع لأسعار النفط أن تصل إلى 100 دولار عن البرميل الواحد.

وهناك من يثير مخاوف ومحاذير من أن تكون إيران هي الحصان الرابح من انسحابنا من العراق. ولكن هل يكون الفوز من نصيبها حقاً؟! في تقديري الشخصي أنه وما أن ننسحب نحن من هناك, حتى يتعين على طهران التصدي لمراجل العنف والغضب السُني المجاور لها مباشرة. وهذا ما سيشكل عبئاً كبيراً عليها. وتلك هي اللحظة التي سينطلق فيها مارد العداء العربي السني العراقي التقليدي لإيران من قمقمه وعقاله. والمعلوم أن هذا المارد ظل يستهدفنا نحن مؤقتاً طوال السنوات الثلاث الماضية. وهنا تكمن مصلحة إيران في بقائنا وليس في مغادرتنا للعراق. ثم إن في مغادرتنا ما قد يسهل علينا مهمة بناء تحالف دولي أقوى, قادر على التصدي لعراق وإيران و"حزب الله" وسوريا ما بعد الوجود الأميركي. فهل نفعل؟

توماس فريدمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب ومحلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف