بعد مفاجآت نصر الله لإسرائيل .. ما هي مفاجآته للبنان؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الأربعاء: 2006.08.16
محمد الحمادي
أسدل الستار يوم الاثنين الماضي على إحدى أهم الحروب العربية في التاريخ الحديث... هذه الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان بحجة تخليص جنديين قام "حزب الله" بأسرهما ولكنها شَنتْ حرباً همجية هوجاء على كل شيء في لبنان وقتلت المدنيين قبل عناصر "حزب الله" وقتلت الأطفال الأبرياء قبل أن تقتل الكبار...
لا أستطيع أن انجرف في مشاعري وأطلق لرغبتي الداخلية العنان بالانتصار على إسرائيل وأن أسمي ما حققه "حزب الله" انتصاراً... فليعذرنا الفرحون من العرب والمسلمين إذا كنا واقعيين أكثر وكنا متمسكين بالموضوعية بدلاً من العيش في الأحلام الوردية، فالانتصار له معطيات ونتائج ولا يكون بهذه الصورة... وهذا لا يعني التقليل من إنجاز "حزب الله" في هذه المعركة، فقد كان العمل الذي قامت به المقاومة عملاً رائعاً وشجاعاً.
من الواضح لكل مراقب موضوعي أن هذه الحرب انتهت بالتعادل السلبي بين الفريقين (صفر لـ"حزب الله"، وصفر لإسرائيل) رغم بعض الإنجازات الاستراتيجية لـ"حزب الله"... وعلى الرغم من الإنجازات غير الإنسانية وغير الأخلاقية لإسرائيل من خلال تدمير المباني وقتل الأطفال (35% من شهداء لبنان في هذه الحرب من الأطفال).
بعيداً عن حسابات المنتصر والمهزوم في هذه الحرب- والتي ينشغل بها كثير من العرب- فإني أعتقد أنه في ظل الخسائر المادية الفادحة في الأرواح والممتلكات التي تكبدها الشعب اللبناني فإن "حزب الله" لم ينتصر... وكذلك في ظل الخسائر المعنوية والعسكرية الفادحة التي منيت بها إسرائيل والتي كانت بمثابة صدمة قوية وغير متوقعة لم تستفق منها إسرائيل إلى اليوم، من المغالطة اعتبار إسرائيل منتصرة أو حققت أي إنجاز... بل على العكس فقد فشلت إسرائيل في هذه الحرب بشكل لم يسبق له مثيل- كما قال النائب الإسرائيلي "يوفال شتاينيتز" منذ أيام "إنها الحرب التي تمت قيادتها بأسوأ طريقة ممكنة في تاريخ إسرائيل برمته"، فلا هي حققت هدفها المعلن من الحرب، وهو تحرير الجنديين الإسرائيليين الأسيرين عند "حزب الله"، ولا هي حققت هدفها الخفي وهو القضاء على نصر الله وحزبه قضاء نهائياً وإبعاد الخطر الإيراني، بل على العكس صار "حزب الله" أقوى ودخلت إيران إلى المنطقة بشكل أكبر!
كما أنه في حرب الـ33 يوماً دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً... فقد خسرت سمعتها التي كانت تملأ المنطقة "رعبا" باعتبارها "الأسطورة العسكرية التي لا تهزم"، وقد عاش العرب عقودا على هذا الاعتقاد الذي من الواضح أن ما رسخه هو ضعف العرب في المعارك الخمس السابقة وليس قوة إسرائيل فقط، كما أنها خسرت ثقة شعبها بجيشها وبها كدولة قوية وديمقراطية... بعد هذه الحرب تكون إسرائيل قد أضافت إلى سجلها وتاريخها الدموي مع العرب جرائم جديدة في قانا وبيروت الجنوبية وبعلبك والبقاع وغيرها من مدن لبنا وقراها الشاهدة على وحشية إسرائيل... كذلك أدت هذه الحرب إلى ابتعاد حلم إسرائيل بأن تكون جزءا من منطقة الشرق الأوسط وأن تعيش في سلام مع الدول المجاورة لها.
الحقيقة الأخرى أن الحرب في لبنان لم تنته بانتصار ساحق لـ"حزب الله" ولم تنته "شيعية"، كما كان يتوقعها البعض أو كما كان يتمناها البعض الآخر، فقد انتهت الحرب لبنانية وكتب التاريخ أن اللبنانيين طوال شهر من صيف عام 2006 استطاعوا أن يقاوموا ويصمدوا أمام آلة التدمير العسكرية الإسرائيلية وأن لبنان ببعض شبابه نجح في تكبيد الجيش الإسرائيلي بدباباته وطائراته خسائر فادحة لن تنساها إسرائيل أبداً... إنه إنجاز لكل اللبنانيين ولا يمكن لـ"حزب الله" أن ينسبه لنفسه فقط... ونتائج الحرب تؤكد ذلك. فخسائر لبنان كالآتي: استشهد نحو 1084 مدنياً و40 عنصراً في الجيش والدرك، واعترف "حزب الله" بأنه فقد 61 من مقاتليه في حين فقدت حركة "أمل" سبعة ناشطين و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة" عنصراً. كما قتل أربعة مراقبين تابعين للأمم المتحدة في قصف جوي إسرائيلي على مركزهم في بلدة الخيام في جنوب لبنان وعنصر في قوة الطوارئ الدولية المؤقتة في لبنان (يونيفل). أما من الجانب الإسرائيلي فقد بلغ عدد القتلى 153 قتيلاً... أما الجرحى في لبنان فبلغ عددهم 3700 شخص، والجرحى في الجانب الإسرائيلي فبلغ عددهم 583 جريحاً مدنيا على الأقل و312 عسكرياً... أما النازحون اللبنانيون فقد بلغ عددهم خلال شهر واحد أكثر من 973334 شخصاً بينهم 220 ألفاً غادروا لبنان، 100 ألف منهم أجنبي أو لبناني يحملون جنسية أخرى... أما الخسائر المادية في الجانب اللبناني فقد قدرت بعد أربعة أسابيع على اندلاع الحرب, بستة مليارات دولار.
أما الخاسرون الآخرون في هذه الحرب فهم العرب ومعظم الحكومات والأنظمة العربية التي وقفت مكتوفة الأيدي وهي تشاهد الحرب على لبنان وقتل المدنيين دون أن تستطيع فعل أي شيء حقيقي على الأرض مما أعطى صورة سيئة عن هذه الأنظمة وعن مؤسسة جامعة الدول العربية وقد يكون لذلك تأثيراته المستقبلية.
ومن الخاسرين أيضاً الولايات المتحدة الأميركية، فقد كانت واضحة آثار الخسارة على وجه وتعبيرات وإجابات جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأميركية في مؤتمره الصحفي مساء أمس، والذي جاء بعد كلمة لحسن نصر الله اعتبر فيها أن النصر الذي تحقق هو نصر استراتيجي تاريخي للبنان والأمة، أما بوش فاعتبر "حزب الله" مهزوماً فقد قال: "حزب الله هم بدؤوا هذه الحرب وهم الذين يتحملون الهزيمة".
من الخاسرين أيضاً المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية التي فشلت فشلاً ذريعاً في إيقاف شلال الدم الذي فجرته إسرائيل في لبنان وبعد استشهاد أكثر من ألف لبناني وجرح آلاف وتشريد مئات الآلاف من اللبنانيين وبعد أربعة أسابيع من الحرب المدمرة، اجتمع مجلس الأمن وأقر إيقاف الأعمال الحربية على لبنان من خلال القرار الدولي 1701. وهذه الحرب كشفت أن مجلس الأمن هو مجلس الأقوياء فقط، أما الدول الصغيرة والضعيفة فلا أحد ينصفها أو يحميها في "مجلس الظلم القومي"! إنها حرب أكدت من جديد كم أصبح هذا "النظام العالمي الجديد" بشعاً وعدوانياً وأنانياً بلا قلب ولا ضمير...
ما لا يمكن تجاهله بغض النظر عن المنتصر النهائي والخاسر النهائي في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً بين لبنان وإسرائيل، هو أن هذه الحرب غيرت أشياء كثيرة في ذهنية الشارع العربي وبعض الأنظمة العربية وربما الجيوش العربية أيضاً... ما لا يمكن تجاهله أيضا تصريح السيد نصرالله يوم الاثنين الماضي بعد وقف العمليات الحربية عندما أعلن نصره "الاستراتيجي" ورفض ضمنا نزع سلاح "المقاومة"، فمن الواضح أنه ما يزال يحتفظ ببعض المفاجآت على الصعيد السياسي، ولكن هذه المرة قد تكون للبنان بعد أن صدم الإسرائيليين بمفاجآته العسكرية التي وصلت إلى ما بعد حيفا...