ما سرّ الحملة على الحكومة اللبنانية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الخميس: 2006.08.24
خيرالله خيرالله
في وقت يبدو واضحاً أن أسرائيل تسعى ألى أبقاء التوتر مع لبنان قائماً، لا بدّ من التنبّه ألى ظاهرة في غاية الأهمية والخطورة في آن. تتمثّل هذه الظاهرة في ترديد غير مسؤول أسرائيلي بما في ذلك عدد من الوزراء أن هناك نيّة لتحميل رئيس الوزراء اللباني السيّد فؤاد السنيورة وألحكومة بشكل عام مسؤولية أي خرق للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن والذي أدّى ألى وقف العدوان الذي تعرّض له لبنان طوال ما يزيد على شهر.
ما الذي تسعى أليه أسرائيل من وراء هذا النوع من التصريحات؟ يخشى بكل بساطة أن يكون الهدف الأسرائيلي في المرحلة المقبلة أستكمال عملية الأنتقام من لبنان عبر ضرب الجهة اللبنانية الوحيدة التي تقف حقيقة في وجهها خصوصاً في المحافل الدولية. ويندرج هذا الهدف في سياق محدد هو ضرب العمود الفقري للصمود اللبناني الحقيقي الذي أدّى ألى أفشال العدوان والعمل الجدّي من أجل وقفه. فأسرائيل تعرف أن من وقف عملياً في وجهها هو الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة وأن كلّ ما عدا ذلك كان شعارات وكلام لا معنى له من نوع ذلك الذي يصدر عن رجل يبحث عن دور هو رئيس الجمهورية أميل لحّود الممددة ولايته قسراً عن طريق الوعيد والتهديد بتدمير البلد.
لا يمكن بالطبع تجاهل التضحيات التي قدّمها مقاتلو "حزب الله" الذين وقفوا في وجه العدوان في أرض المعركة وكبّدوا الأسرائيليين خسائر كبيرة، لكنه لا يمكن في الوقت نفسه المرور الكرام على الخسائر التي لحقت بلبنان والتي تعكس نية للأنتقام من البلد وأهله والعمل على تقطيع أوصاله. وحدها الحكومة عرفت كيف يكون العمل من أجل وضع حدّ للمخطط الأسرائيلي فطرحت النقاط السبع التي رحّب بها المجتمع الدولي الذي كان مستعدّاً للأسف الشديد لأعطاء أسرائيل المهلة التي تحتاج أليها لأستكمال عدوانها الوحشي الذي أستهدف البنية التحتية اللبنانية.
بعد التردد الأسرائيلي في تنفيذ القرار 1701 ومتابعة العدو العمليات العسكرية التي توحي بأنّ الحرب مستمرة على نار خفيفة، لا تبدو التصريحات الأسرائيلية ذات الطابع التحذيري الموجهة الى رئيس مجلس الوزراء اللبناني بريئة في أي شكل من الأشكال. أكثر من ذلك، يُخشى أن تمهد هذه التصريحات لضرب المؤسسة الوحيدة التي لها معنى في لبنان، أي الحكومة التي من دونها لا دولة في لبنان. تلك الحكومة التي لم تكتف بطرح النقاط السبع، بل عمدت ألى أظهار مدى جدّيتها في تنفيذ القرار 1701 ، بغضّ النظر عن كلّ ما فيه من ثغرات. وكانت الخطوة الأولى في هذا المجال أرسال الجيش ألى الجنوب على الرغم من كلّ ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر. ولكن هل كان في الأمكان التردد في الأقدام على مثل هذه الخطوة التاريخية وترك الجنوب خارج سيطرة الدولة اللبنانية بدل أستعادته بعد غياب طويل أستمرّ نحو ثلاثة عقود؟
أذا كان من درس يمكن أستخلاصه من الحرب الأسرائيلية الأخيرة على لبنان والتي كانت هزيمة كبيرة للبلد ولأبنائه، فأنّ هذا الدرس يتلخّص بأن ثمة محاولة حقيقية لتفتيت الدولة اللبنانية وخلق حال فراغ في البلد على غرار ما حصل في الأراضي الفلسطينية التي كان فيها وجود للسلطة الوطنية. من يريد أن يتذكّر كيف أن أسرائيل كانت تحرص على تحميل السلطة الوطنية أبتداء من العام 2001 مسؤولية أي عمل تقوم به عناصر مسلّحة حتى لو كانت هذه العناصر تعمل في واقع الحال من أجل الأساءة ألى السلطة؟ لقد نجحت أسرائيل في تدمير الجزء الأكبر من المؤسسات الفلسطينية من خلال تحميل السلطة الوطنية برئاسة الزعيم الراحل ياسر عرفات ثم برئاسة محمود عبّاس (أبو مازن) مسؤولية أعمال موجهة في الأصل ضدّ السلطة وكلّ ما تمثّله. يخشى من تكرار هذا السيناريو، الذي كان أوّل من حذر منه الزعيم الوطني وليد جنبلاط، في لبنان. الأمر لا يزال في أطار المخاوف، ذلك لبنان ليس الأراضي الفلسطينية حيث لا دولة ولا حتى بقايا مشروع دولة. لكن تكرار التصريحات الأسرائيلية التي تركّز على الرئيس السنيورة الرجل الوطني الحقيقي، الوطني بالأفعال وليس بمجرّد الكلام، تثير الريبة. وتزداد هذه الريبة لأنّ الأدوات السورية في لبنان تركّز اكثر ما تركّز على ضرورة التخلص من الحكومة. أوليست الحكومة الهاجس الأوّل للأداة السورية المفضّلة التي أسمها "الجنرال" ميشال عون الساعي ألى مساعدة أسرائيل من حيث يدري أو لا يدري في خلق فراغ في البلد، لعلّه يرضي بذلك الذين وعدوه بالرئاسة؟
يستبعد أن تنجح أسرائيل في لبنان على غرار نجاحها في الأراضي الفلسطينية. لكنّ الحذر يبدو ضرورياً في هذه المرحلة خصوصاً أن لبنان يخوض حرباً على غير جبهة وفي مواجهة أكثر من جهة. أمر واحد يجمع بين الجهات الحاقدة على لبنان. أنّها الرغبة في أن يكون البلد "ساحة" وليس دولة. يكمن الفارق بين "الساحة" والدولة في أن "الساحة" تخدم مصالح الآخرين، تخدم عمليّاً كل الحاقدين على لبنان... فيما الدولة تدافع عن مصالح اللبنانيين. هل ذا سرّ الحملة على الحكومة وعلى رئيسها وسرّ الرغبة في أن تسقط الدولة في لبنان؟ المفارقة أن جهات عربية وغير عربية تساعد أسرائيل في تنفيذ هذا المخطط اللعين. مشكلة هذه الجهات أنّا لا تدري أن أسقاط لبنان الدولة ومتابعة السعي ألى تحويله "ساحة" لا بدّ أن يرتدّ عليها عاجلاً أم آجلاً. أنّها لعبة خطيرة لا تخدم في النهاية سوى أسرائيل!