إيران : أحجية النووي والأصلع .. وهدية خامنئي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أمير طاهري
لماذا يقاتل انسان أصلع بضراوة من اجل الحصول على مشط؟ هذا السؤال يناسب الوضع الذي تجد إيران نفسها اليوم فيه بما يخص برنامجها النووي المثير للجدل. فعلى الرغم من المناورات الدبلوماسية الأخيرة أصبح واضحا أن طهران مصممة على تجاهل مطالب مجلس الأمن الدولي بإيقاف الانشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم.
ومن أول نظرة يبدو الوضع أقرب للأحجية. فإيران لا تمتلك أي محطة كهرباء نووية عاملة ولذلك فهي لا تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم حتى كوقود. والمحطة الوحيدة في طور البناء تقع في مدينة هليَه على خليج بوشهر، ولن يبدأ تشغيلها قبل الربيع المقبل. وعندما يتم ذلك فإن إيران ستمتلك وقودا كافيا لتشغيلها لمدة عشرة أعوام. وعرضت روسيا التي تقوم ببناء هذه المحطة كل ما تحتاج إليه هذه المحطة من وقود طوال عمرها والذي يمتد إلى 37 سنة.
وباختصار: إيران ليست بحاجة إلى اليورانيوم حتى مارس المقبل. وبعد ذلك ستظل في غير حاجة لتخصيب اليورانيوم حتى عام 2017. بل حتى بعد ذلك التاريخ لن تحتاج إيران إلى أي تخصيب محلي لليورانيوم لمحطة هليه حتى عام 2044 ، أضف الى أن مشروع إيران لتخصيب البلاتونيوم أكثر طرافة، إذ ليس فقط أن البلد لا يمتلك أي محطات لإنتاج الماء الثقيل الذي قد يتطلب بلوتونيوم بل هي لا تمتلك أي خطط لبنائها. بصيغة أخرى تنفق إيران كميات هائلة من الأموال على مشروع لا هدف واضح من تحقيقه. إلا إذا كان انتاج البلوتونيوم واليورانيوم هو من أجل غرض آخر لا علاقة له بإنتاج الكهرباء.
ليس من الممكن المجادلة لصالح بناء محطات نووية لإنتاج الكهرباء. فإيران هي البلد الثاني أو الثالث في العالم من حيث حجم احتياطيات النفط والغاز الطبيعي فيها. بل إنه وحتى مع استهلاك الطاقة الإيراني الذي سيبلغ مستويات الاستهلاك الغربية فإن إيران تظل مالكة لمصادر طاقة ستستمر إلى 400 سنة. ومثلما أظهرت بعض الدراسات لأكاديميين إيرانيين فإن الطاقة النووية ستكون أكثر تكلفة بـ 27% من إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية المتولدة من النفط أو الغاز أو محطات الطاقة المائية.
وما زال هناك جدل ضد محطات الطاقة النووية في إيران. فكل البلد موجود في منطقة تعتبر من أكثر المناطق تعرضا للزلازل، وهليه كان المكان الأول الذي بنيت فيه أول محطة كهربائية تعمل على الطاقة النووية وسبق له أن دمر ثلاث مرات خلال القرن الماضي بسبب الزلازل. وصب المياه القادمة من المحطة إلى الخليج قابل على إلحاق ضرر كبير للبيئة في المنطقة بينما تظل مشكلة ما يمكن القيام به للتخلص من الفضلات النووية المستخدمة غير محلولة. ويعتبر الكثير من الخبراء الإيرانيين أن فكرة دفنه تحت مياه الخليج أو في صحراء لوت الإيرانية "جنون محض".
لذلك فليس من الغريب ألا تكون المسألة النووية قد تمت مناقشتها في "المجلس الإسلامي" أو تم شرحها للجمهور الإيراني. إنه قرار خطير تم اتخاذه على يد حفنة من الرجال ضد نصيحة الكثير من العلماء والأكاديميين الإيرانيين.
إذن لماذا تقوم إيران بمخاطرة كبيرة عن طريق عدم تعليق تخصيب اليورانيوم لعدة شهور قبل أن تكون محطة هليه جاهزة؟
الجواب الواضح هو أن إيران تريد أن تضع نفسها في وضع يسمح لها ببناء أسلحة نووية. ولا شيء هناك غير شرعي في مشروع كهذا، فإيران وكل الدول الأخرى لها الحق في بناء أسلحة نووية إن كانت ترغب في ذلك. والمشكلة هي أن إيران باعتبارها موقعة على "معاهدة حظر الانتشار النووي" مفروض عليها ألا تنتج أسلحة نووية.
ولهذا فان الخطوة المنطقية للجمهورية الاسلامية يمكن ان تكون تعليق عضويتها في معاهدة حظر الانتشار النووي، كما فعلت كوريا الشمالية في عام 2000، أو حتى الانسحاب منها والقيام بما يرضيها. غير ان المشكلة هي ان الخمينية، الآيديولوجيا الحاكمة في ايران اليوم، لديها منطقها الخاص الذي لا يمكن فهمه بسهولة في اطار السلوك الدولي السائد. وفي ذلك المنطق لا تتقيد الجمهورية الاسلامية، باعتبارها تجسيد الحقيقة الواحدة، بالقوانين والضوابط والمعايير في ذلك السلوك التي طورها "الكفار" وأصبحت الأمور أكثر تعقيدا لأن الرئيس محمود أحمدي نجاد حول قضية تخصيب اليورانيوم الى الخط الأحمر النهائي لادارته. وباتهامه أسلافه بارتكابهم فعلا يقرب من الخيانة عندما وافقوا على تعليق مبكر لتخصيب اليورانيوم، فان احمدي نجاد ليس في مزاج الآن يوفر له القيام بذلك على وجه التحديد.
وباصرارهم على التعليق كشرط مسبق للمحادثات فان الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن إضافة الى ألمانيا، يطلبون من احمدي نجاد ان يدمر صورته القوية وبالتالي يقوض استراتيجيته الرامية الى تحويل الثورة الاسلامية الى ما يعتبره مرحلتها الثانية والأكثر حسما.
ويجب على الدول الست ان تفهم انه وفي ايران اليوم تتجاوز قضية تخصيب اليورانيوم نواحيها الدبلوماسية والعسكرية والأمنية ، فباتت هذه القضية ترمز الى رؤيتين للثورة الخمينية. الأولى لأشخاص مثل الرئيسين السابقين هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي اللذين يعتقدان ان المهمة المركزية للثورة هي تعزيز قبضتها في ايران تاركة فكرة تصدير الثورة الى بقية انحاء العالم للأجيال المقبلة. وبذلك المعنى فان أشخاصا مثل رافسنجاني وخاتمي يشبهون مؤيدي "الاشتراكية في بلد واحد" في الاتحاد السوفييتي في عشرينات القرن الماضي. غير ان احمدي نجاد يشبه مؤيدي "الثورة الدائمة" في الفترة ذاتها.
وقد عززت نتيجة الحرب المحدودة في لبنان الى حد كبير موقف معسكر "الثورة الدائمة". واحمدي نجاد مقتنع بأن استراتيجية "الخطوة الوقائية" التي يتبعها نجحت وانه بدخول الولايات المتحدة فترة ارتباك بينما تتجه رئاسة بوش الى نهايتها، فان الجمهورية الاسلامية يمكن ويجب ان تؤسس نفسها باعتبارها القوة العظمى الاقليمية.
وهناك دلالات على ان طهران، بعد سنوات من العزلة النسبية، تستعد لانعاش برنامجها في تصدير الثورة الخمينية. وفي خطاب له الثلاثاء الماضي زعم "المرشد الأعلى" علي خامنئي ان "النصر الإلهي الاستراتيجي" الذي تحقق في لبنان كان دليلا على ان الشعوب الاسلامية في كل مكان ستحشد طاقاتها في اطار المعيار الايراني لمجابهة الولايات المتحدة وحلفائها الاقليميين. وقال خامنئي "نحن لا نصدر ثورتنا بالقوة. نحن نعرضها كهدية".
ان ما يواجهه العالم الخارجي هو نظام ثوري متمرد عازم على فرض اجندته على المنطقة بالأسلحة النووية أو بدونها. واصبحت قضية تخصيب اليورانيوم قضية سياسية داخلية في ايران والخط الفاصل بين رؤيتين لمستقبل ايران والمنطقة. وبقبول التعليق بأية صيغة فان احمدي نجاد ومعسكره سيقرون بالهزيمة. وذلك شيء هم غير مستعدين لفعله، خصوصا في مستهل "نصرهم" في لبنان.
الرجل الأصلع قد لا يحتاج الى مشط للعناية بشعره غير الموجود، ولكنه قد يحتاج اليه للبرهنة على أنه يمكن ان يفعل ما يرضيه، وانه ما من احد مسموح له بفرض إرادته عليه.