الجميّل: الأردن والسعودية ومصر يحترمون خصوصية لبنان وسيادته
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت، بكفيا - سيمون نصار
بعد عودته الى لبنان قبل عدة أعوام من منفاه الباريسي. دخل الرئيس الأسبق للجمهورية أمين الجميل الى صلب الحياة السياسية اللبنانية الداخلية. ومن خلال التحالفات السياسية مع وليد جنبلاط والشهيد رفيق الحريري، وموقعه كرئيس أعلى لحزب الكتائب اللبنانية الذي أسسه والده بيار الجميل. بدأ بحركة واسعة من خلال عضويته في لقاء قرنة شهوان وتحالف قوى 14 آذار السيادية.
الجميل اليوم يعتبر من أبرز الشخصيات السياسية، الداعية الى إستقلال لبنان. وعدم جره الى مؤامرات تستهدف البنية الإجتماعية والسياسية لتدخله في حروب فئوية لا تخدم سوى مصالح الآخرين.
في منزله الكائن في منطقة الجبل اللبناني المشرفة على بيروت والبحر من علو شاهق. يجلس أمين الجميل بشموخ يعتد به. فالرئيس الأسبق عاد الى لبنان أخيرا وساهم بفاعلية في الحركة الإستقلالية التي أنتجتها حادثة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ذلك بعد أن عانى من مصاعب المنفى، وجاء متحديا كل الضغوط، التي مورست ضده لينكفئ عن العمل السياسي. وهو اليوم لاعب أساسي في اللعبة السياسية الداخلية التي نادرا ما تجمع الكثيرين من الأقطاب.
كيف تميزون القرار الفرنسي في الأمس خاصة إذا تم ربطه بسياق الأحداث المتلاحقة بسرعة منذ صدور القرار 1701 ؟
هذا تأكيد على التزام مجلس الأمن الدولي من جهة، ولا سيما فرنسا بمسيرة الأمن والإستقرار في لبنان. وفرنسا التي تقليديا تلعب دورا طليعيا في لبنان، لا شك أن الخطوة التي قامت بها مساء أمس، بإرسال هذا العدد من القوات الى لبنان سيشجع الدول الأخرى أن تحذوا حذو فرنسا.
لكن خلفيات هذا القرار كانت التململ الفرنسي الذي أسبابه تحفظات حزب الله على بنود في القرار والعلاقة السيئة التي تربط هذا الحزب بفرنسا.؟
والخلافات الموجودة داخل لبنان وخوفها على جنودها وهي ترسل اليوم جنودها لكنها لن تقود هذه القوات بل تركت القيادة لإيطاليا.
هل الفرنسيون قرروا أنهم لا يريدون التخلي عن لبنان بهذا القرار ؟
وضع لبنان معقد، وأزمته أزمة مديدة، يتداخل فيها العنصر الداخلي والعنصر الخارجي. من الطبيعي أيا كان شعور فرنسا تجاه لبنان. أن تتوقف عند مجموعة من التناقضات الداخلية والخارجية وأن تخشى إنعكاس ذلك على أمن جنودها في لبنان. ثم مما شك فيه، أن القرار 1701 قرار غامض. وانطوت عليه مجموعة من الإلتباسات والتناقضات الداخلية، ومن شأن ذلك أن يثير القلق عند أية قوة عسكرية تريد أن تمارس صلاحياتها على الأرض إستنادا على هذا القرار، لا سيما وأنه لم تتوضح مسألة العمليات العسكرية ومهمات هذه القوات الدولية بالتحديد. وهذا لا يشجع القيادة العسكرية المعنية التي ستتحمل المسؤولية في هذا الظرف. من جهة ثانية فإن موقف حزب الله ملتبس أيضا. فهو وافق على القرار عبر وزرائه في الحكومة في حين أن قيادته السياسية تعطي تفسيرات ذاتية لموضوع السلاح. وهذا الموضوع هو الأساس لعامل الإستقرار في المنطقة، ولمهمة القوى العسكرية الدولية.
كل ذلك سبب التردد الفرنسي. وإذا وافقت فرنسا في الفترة الأخيرة. فإن ذلك يعني بشكل أو بآخر أنها حصلت على تطمينات، وأقول تطمينات وليس ضمانات. لأن إنطباعي أنها إن لم تحصل على ضمانات فإن هناك بعض الرسائل التي تبلغتها من هنا وهناك شجعتها على القبول بإرسال جنودها. بأي حال، فإن هذا الأمر يبقي مجموعة من نقاط الإستفهام حول مستقبل الهدنة التي قد كرسها القرار 1701 وحول مستقبل هذه القوات الدولية التي ستتحمل المسؤولية في تنفيذ القرار الدولي.
نعم، لكن هذه القوات تأتي بحسب البند السادس وليس السابع في الأمم المتحدة ما يعني أنها لن تكون قوة ضاربة. ويوجد معطيات ومعلومات كثيرة تفيد بأن هذه القوات لن يكون لها سلطة القرار؟
العسكري بل هي تابعة كليا لأمرة الجيش اللبناني وهي ستلعب دور السند لهذا الجيش الذي لا يملك القوة الكافية. ولن يكون لها أي دور في نزع سلاح حزب الله.
الإلتباس هنا حول السلاح جنوب الليطاني الذي أخذ الجيش الأمر في مصادرته إذا كان مرئيا ؟
هذه كلها مواضيع جديرة بالبحث. وكأن هذا الغموض هو المطلوب في الوضع الراهن. وهذا ما يثير الريبة. إنسحاب ولا إنسحاب، سلاح موجود أو غير موجود. الجيش يحق له أن يقبض على السلاح وليس التفتيش عن السلاح. هذه كلها تساؤلات تجعل الوضع ضبابيا وعند الممارسة يظهر حجم هذه الضبابية.
هل هي داكنة أو غير ذلك. هذا هو السؤال المطروح اليوم في ما يتعلق بمهمة هذه القوات وبمهمة الجيش اللبناني.
؟ في هذا الجانب الضبابي برز العامل السوري الذي هو لغاية اليوم عامل معوق لعمل هذه القوات، بدءا من خطابات الرئيس السوري وإنتهاء بتصريحات المسؤولين السوريين ؟
هذا قدرنا، هذا قدر لبنان أن يكون لديه جار الى هذا الحد مهتم بشؤوننا الداخلية ويمزج بين مصالح لبنان الذاتية وتلك المصالح اللبنانية التي اعتبرها جزءا لا يتجزأ من المصلحة السورية. هذا مؤسف. فلحد الآن سورية تتعاطى مع الشأن اللبناني وكأن لبنان غير دولة شقيقة. يتعاطون مع لبنان وكأنه جزء لا يتجزأ من الواقع السوري. وحتى الآن ليس هناك من اعتراف صريح بإستقلال وسيادة لبنان. وكأن سورية لم تهضم بعد إنسحابها من لبنان في العام 2005 والطريقة التي خرجت بها من لبنان. هذا يفسر كل هذه المواقف الأخيرة التي صدرت عن بعض المسؤولين السوريين، بينما لبنان لا يطمح لغير علاقات سليمة مع سورية على أن تكون هذه العلاقات علاقات ندية وتحترم سيادة وخصوصية كل بلد.
؟ هل تعتبرون في هذا الإطار أن الدول العربية تعترف وتحترم هذه الخصوصية اللبنانية وتحترم سيادة لبنان واستقلاله، وأنها تنظر الى لبنان بشكل مختلف عن النظرة السورية ؟
لا أعتقد أن هناك أي لبس في إعتراف المملكة الأردنية الهاشمية ولا المملكة العربية السعودية ولا مصر في إعترافهم جميعا بحق لبنان في أن ينعم بإستقلال وسيادة على أراضيه. وكذلك الأمر بالنسبة للجميع في الدول العربية كافة ما عدا سورية التي لغاية اليوم لا تقيم علاقات ديبلوماسية مع لبنان وهي لا تعترف بكونه بلدا مستقلا. لأن ذلك برأيها يعني إعترافها وبشكل نهائي بالكيان اللبناني. وهذا ما لم تصل إليه سورية بعد.
؟ أنت كنت رئيسا للجمهورية في وقت سابق كانت فيه سورية موجودة في لبنان ومن سوء حظك أن اسرائيل أيضا كانت موجودة وتحتل جزءا من الأرض.
هل كان التعامل السوري مع لبنان في حقبتك كما هو اليوم ؟
في عهدي وفي أي عهد. العلاقة السورية اللبنانية منذ البدء كانت علاقة ملتبسة بسبب هذه النوستالجيا السورية لإعتبار لبنان جزءا من سوريا. رغم أنه على مدى التاريخ لبنان لم يكن في يوم جزءا من سورية ولا سورية جزء من لبنان. وعلى مدى التاريخ، لا سيما في زمن الدولة العثمانية، كان لبنان يتمتع بنوع من الحكم الذاتي. وهو من الدول القليلة التي تميزت بنوعية هذا النوع الحكم بحيث يتم إنتخاب الأمراء والقادة السياسيين مباشرة من اللبنانيين وليس بإمرة الحاكم العثماني.
وإذا عدنا الى حقبات سابقة من التاريخ فإنه من الخمسينات في حكم خالد العظم بدأت القطيعة السورية مع لبنان وإنهاء بعض الروابط بين لبنان وسورية. وحشد قوات عسكرية للضغط على لبنان. والتدخل في شؤون لبنان الداخلية خاصة في 1958 وكان رأس الحربة في هذا التدخل عبد الحميد السراج. وبعد ذلك الضغط على لبنان من خلال القضية الفلسطينية، تارة في دعم المقاومة ضد لبنان، وبعد ذلك إنقلاب سورية على المقاومة وضرب الجيش السوري وحلفائه للمقاومة في ما سمي يومها بحرب المخيمات وصولا الى الآن حيث التحالف مع إيران من أجل الضغط على لبنان في سياسات أقل ما يمكن أن يقال أنها غير توافقية على الصعيد اللبناني.
؟ لكن السوريين دوما يدخلون الى لبنان من خلال التناقضات اللبنانية وتعدد الآراء في هذا البلد لفرض أنفسهم على البلد وعلى العمل السياسي.
يوجد رئيس جمهورية في لبنان يدافع دفاعا مستميتا عن أقوال الرئيس السوري التي هي ضد مصلحة لبنان بالأساس ؟
لا تنسى أن هذا الرئيس فرض بالقوة على لبنان، فرض فرضا. ونتذكر كيف تم التمديد له بالضغط العلني المباشر والقسري ومواجهة حتى الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن الدولي والتشبث ضد مشيئة لبنان وضد مشيئة العالم.
فإذا من الطبيعي أن يكون رئيس الجمهورية عاملا أساسيا في الإستراتيجية السورية في لبنان. وذلك على حساب الوفاق اللبناني والمصلحة الوطنية اللبنانية.
؟ في هذه الظروف ما هي المصلحة اللبنانية برأيك ؟
بادئ ذي بدء. فإن المصلحة الوطنية اللبنانية هي أولا في الوحدة الوطنية، ولقاء كل القيادات اللبنانية على بلورة مفهوم واحد لمصلحة لبنان. ثانيا أن تطبق كل الإتفاقات والمواثيق اللبنانية التي أجمعت عليها القيادات اللبنانية لا سيما إتفاق الطائف الذي وافق عليه الجميع في العام 1989 والذي نص على مجموعة من البنود الضرورية من أجل أن يستتب الأمن والإستقرار في لبنان وأن تترسخ الوحدة الوطنية. المؤسف أن كل ما يحصل على الساحة اللبنانية هو نقيض ما جرى الإتفاق عليه في الطائف.
أولا لجهة العودة الى إتفاقية الهدنة التي تم الإتفاق عليها في العام 1949 مع اسرائيل وأيضا حصر السلاح في قبضة القوى الشرعية اللبنانية وليس في أي قبضة ثانية. وانتشار القوات الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية. الذي يحصل على الساحة اللبنانية في الوقت الحالضر يتنافى مع كل ما نص عليه الإتفاق في الطائف. وهذه النغمة بإعادة النظر بالمواثيق الوطنية إن كان ميثاق العام 1943 أو ميثاق الوحدة الوطنية في الطائف أو كان قرارات مجلس الوزراء أو مقررات حوارات وطنية.
التنكر لكل هذه المواثيق بإستمرار يبقي لبنان أسير المصالح الأجنبية وأسير الإستراتيجيات التي تتجاوز مصالح لبنان الوطنية. العودة الى هذه المواثيق التي أجمعنا عليها وتؤسس لسلام لبناني حقيقي. التنكر لها هو الذي يدفع لبنان دوما نحو مغامرات عسكرية وسياسية يدفع ثمنها غاليا.
؟ ولكن هذا الإتفاق لم يتم تحقيق بنوده بسبب القوة السورية التي منعت تطبيقه لغاية اليوم. واليوم أيضا صدر قرار أممي هو 1701 وسورية يمكن أن لا توافق على تحقيق بنوده طالما أنه يتحدث عن المصلحة الوطنية اللبنانية بمعزل عن سورية. هل يمكن لسورية عرقلة المساعي لتطبيق هذا القرار لأنه يؤدي الى استقلال لبنان بشكل نهائي ؟
التباشير توصل الى أنه من الصحيح أن سورية لن تسهل الأمور في لبنان.
وبدأت مؤشرات واضحة في كلام الرئيس الأسد أو كلام الوزير المعلم وبعض القراءات والمقالات النارية التي تصدر عن بعض المؤسسات الإعلامية الرسمية في سورية وتنطوي أحيانا على تهديدات مباشرة لعدد من القيادات اللبنانية بالإسم. هذا كله يدل أن سورية تصر على عدم الإفلات من الورقة اللبنانية. ولو أن سورية تريد أن تسهل الأمور، لكانت وفرت علينا كل تلك الحرب التي جرت على الأرض اللبنانية. إذ كان بإمكانها أن ترسل ورقة من المراجع المختصة السورية الى الأمم المتحدة وتعترف بسيادة لبنان على مزارع شبعا.
فقد قال شيمون بيريز في أحد تصريحاته السابقة، بأن مشكلة المزارع ليس بين اسرائيل والعرب بل بين لبنان وسورية. وطالما أن سورية لم تعترف بلبنانيتها فإنها ستبقى تحت القرار 242 ما يعني أنها ستبقى معلقة ريثما ينتهي الصراع العربي الإسرائيلي. ونقدر خطورة هذا الأمر، ومعنى الموقف السوري الذي يريد أن يبقي هذه القضية كمسمار جحا. ما يعني أنها حجة لمنع لبنان أن يستعيد أراضيه وإبقاء المقاومة موجودة الى ما شاء الله. بينما وفي المقابل فإن سورية تحافظ على الهدوء الكامل على حدودها وهي تطبق بدقة كاملة وبأمانة كل المعاهدات التي تبقي الجبهة السورية آمنة، بحيث أصبح الجولان أكثر منطقة آمنة في العالم، رغم أن هناك رعايا سوريين في أراضي محتلة وقرى سورية في هذه الأراضي. رغم ذلك لم تبد أي استعداد للمقاومة أو لأي حركة تحررية لإستعادة الجولان.
فسوريا تعطينا أمثللة في الوطنية والمقاومة والعروبة والبطولة والشهامة وكل هذه الشعارات بينما تعاونها الصادق الأمين الكامل مع الواقع في الجولان والإحتلال الإسرائيلي لا مثيل له.
؟ إذا سورية تريد أن تبقي لبنان رهينة في الصراع العربي الإسرائيلي بحسب ما تفهمه هي. وهي أيضا رفضت على لسان رئيسها أي ترسيم في مزارع شبعا قبل إنسحاب القوات المحتلة منه. ما هي برأيكم إمكانية حل هذه المعضلة خاصة وأننا على موعد مع زيارة كوفي عنان بعد يومين ؟
ما هو قائم في العلاقات اللبنانية السورية، والذي يؤثر على مصير لبنان هو الشعار الذي رفعته سورية . وردده بعض حلفائها في لبنان، وهو وحدة المسار والمصير. ولحد اليوم ما زالت سورية على تطبيق هذه المقولة وهذا الشعار. نحن نقول بكل وضوح وعلنية بأن لبنان لن يكون البادئ لأي إتفاق سلام مع اسرائيل إلا بعد أن تكون كل الدول العربية، قد توافقت على ذلك.
إذا لا لبس في الموقف اللبناني حيال هذا الأمر، ولا مجال للإنفراد اللبناني بإقامة إتفاقية صلح مع اسرائيل. وهذا لا يعني أن يلتزم المسار اللبناني بالمسار السوري بما لا يتعلق بقضية المفاوضات حول معاهدة سلام مع اسرائيل. كما أنه لا يمكن ربط مصير بلد بمصير بلد آخر بدقائق الأمور وتفاصيلها وحيثياتها والقضايا الخاصة بكل دولة. لا سيما وأن لبنان لديه نظام مميز يختلف تماما عن النظام السوري، ولديه تقاليد وطنية وديبلوماسية تختلف وأحيانا تتناقض كليا مع التوجهات السورية.
وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقاتنا الدولية. هذا لا يمكن. وطالما أن سورية لا تزال مصرة على تفسيرها الضيق لهذا الشعار وحدة المسار والمصير. فتبقى العلاقات اللبنانية السورية متأزمة ومتشنجة ولا سمح الله متفجرة. نحن نريد علاقات صحية وتطبيعية إنطلاقا من المقولة التي تقول إن كان جارك بخير فأنت بخير. وبالتأكيد غير مرتاحين إطلاقا في هذا الجو المتشنج وحبذا لو سورية تعترف نهائيا بسيادة لبنان وبخصوصية لبنان وفرادة النظام اللبناني في هذه المنطقة. وبذلك نقيم العلاقات الندية بين البلدين. عندئذ يكون المسار اللبناني غير متناقض مع سورية بل إنه يمكن أن يتناغم مع سورية. إنما طالما الأمور على ما هي فإن الوضع القائم غير صحي.
؟ لكن من ناحية فإن الفريق الذي يمسك بزمام السلطة اليوم أي فريق 14 آذار الذي أنت أحد أبرز أركانه، لم يتحاور مع الفرقاء اللبنانيين ليقف وإياهم على مفهوم واحد للبنان ؟
ما حصل في 14 آذار 2005 هو إنجاز ضخم. وفي الواقع لم أكن أتوقعه بهذه الضخامة وبهذا الزخم وبهذه النتائج. لقد كانت سورية مصممة على فكفكة كل المؤسسات الوطنية اللبنانية. منها المؤسسات الدستورية والحزبية والمؤسسات الإجتماعية وحتى لربما المؤسسات الرياضية. وكان هناك غسل دماغ مركز ومنظم من أجل خلق واقع جديد في لبنان. فهي إن لم يكن بيدها ضم لبنان الى سورية فعلى الأقل تفريغه من مضمونه ورسالته ودوره، وبالتالي تدريجيا يصبح لبنان وسورية في استراتيجية واحدة وفي نمط عمل واحد وفي نظام واحد. فإذا كان بالإمكان تغيير رئاسة الجمهورية نفرض رئيسا للجمهورية. وإذا لم يكن بالإمكان تفريغ مجلس النواب من مضمونه نبقي مجلس النواب ينتخب النواب بإنتخابات مزورة ومعروفة النتائج.
وهكذا دواليك طوال فترة ثلاثين سنة كاملة. وقد استعملت كل الوسائل وهي كثيرة مثل الإغتيالات التي طالت كمال جنبلاط وبشير الجميل والشيخ صبحي الصالح والمفتي حسن خالد والصحافي سليم اللوزي وغيرهم الكثير لغاية اغتيال رفيق الحريري وجبران تويني وجورج حاوي وسمير قصير. فلذلك فإننا نعرف تماما بأن شخصيات مثل الرئيس صائب سلام، هذا الرجل عاش ومات في سويسرا وليس في لبنان وهو شخصية مرموقة لبنانيا وعربيا ودوليا. وغيره كثر مثلي ومثل ميشال عون في المنفى وسمير جعجع في السجن. وهي لم تستح من عمل أي شيء ولم تتورع عن فعل أي أمر من أجل إنجاز ما كانت تصبو لتحقيقه في لبنان. فقد فكفكت كل مقومات الكيان اللبناني لأغراض باتت معروفة. وفرضت سورية في هذه الحقبة ثقافة التبعية وثقافة الزبائنية وثقافة الفساد والفوضى. وكل ذلك من أجل تفريغ لبنان من كل قوة معنوية.
وأصبح المنطق الزبائني هو السيد مكان المنطق الديمقراطي. ومنطق الدور السوري هو على حساب أي مصلحة وطنية لبنانية. لبنان أصبح تابع في السياسة الخارجية والإقتصادية حتى الثقافة أصبحت تمشي بمنطق ثقافة البعث الإنصياعية. لذلك ما حدث في 14 آذار كان معجزة. لكن هذا لا يمنع أن بالمقابل كان هناك 8 آذار، ولا شك أن هذا من أثر السياسة السورية على مدى عقود من الزمن. على الأقل منذ بداية السبعينات، بداية دخول سورية من خلال المخابرات أو من خلال دخول جيش التحرير الفلسطيني، أو بعض منظمات فلسطينية التي كانت أدوات بيد المخابرات والمصالح السورية ولم تزل. لذلك من الطبيعي أن يبقى رواسب لهذه الحقبة السورية في لبنان.
خاصة وأن سوريا هي جارة لبنان، وهناك حدود واسعة بين البلدين، وبإمكانها أن تخترق بإستمرار الساحة اللبنانية بكل الوسائل المتاحة.
؟عطفا على ما ذكرت، هل سيكون إنتشار القوات الدولية على الحدود مع سوريه خطوة لنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ؟
عندما تسقط الذريعة بالنسبة لحزب الله، عليها أن تسقط من كل الأطراف.
خاصة وأن موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات قد أتخذ القرار بنزعه منذ فترة طويلة. كذلك الأمر تدريجيا إدخال المخيمات الفلسطينية تحت كنف الدولة اللبنانية.
؟ هل يوجد تواصل بينكم وبين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وقد أتخذت خطوات من قبلكم ومن قبلهم إيجابية بعد إعادة فتح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير في لبنان ؟
علاقاتنا ممتازة مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. وهنا أريد أن ألفت النظر إلى أنه لم نلمس طيلة هذه الحرب على لبنان أي عنصر ظاهر من حركة حماس التي هي الآن جزء من السلطة الفلسطينية والحكومة المنتخبة ديمقراطيا في فلسطين. بما يعني أن السلطة الفلسطينية بكل مكوناتها من حماس الى حركة فتح، لم يكن لها أي دور سلبي في لبنان الآن. بينما يوجد بعض التنظيمات التي ما زالت تصر بآلاعيب ومناورات لم تعد تنطلي على أحد، بأن لها دورا في لبنان وتصر على إعطاء حجة واهية لسلاحها.
؟ التصريحات السورية ليست بمستوى واحد خاصة في هذه الأزمة. فقد علقت القيادة السورية مزارع شبعا بالقرار 242 وليس 425 ، والوزير المعلم أيضا أكد أنها لبنانية، دون أن يتم ذلك في الأمم المتحدة. وأنتم اليوم في موقع السلطة لا تبادرون الى الداخل اللبناني في حين أن سورية هاجمت العرب مجتمعين، وتتمسك بعلاقتها الإستراتيجة مع ايران. وهي منذ مبادرة وزيرة الخارجية الإسرائيلية بحشد فريق مضطلع بعملية السلام ومجرياتها، بادرت سورية أيضا الى التحدث بعملية السلام مرة جديدة. هل تعتقد أن هذه الفترة ناضجة لإقامة إتفاقية سلام بين سورية وإسرائيل ؟
سورية تستقتل من أجل حوار أميركي سوري من أجل التفاوض حول السلام. وهذا كان منذ أيام الرئيس الأسد الأب الذي عقد إجتماع قبل وفاته مع الرئيس كلينتون في جينيف. وكان الخلاف بسيط. وعلى ما أعتقد أنه لو بقي الرئيس الأسد الأب على صحته والرئيس الأميركي في السلطة لتوصلوا الى حل. هذه سياسة سورية إذ هي لا يمكنها أن تتحمل تبعات هذا النزاع الى ما شاء الله. بينما مصر والأردن عقدا إتفاق سلام في كامب ديفيد ووادي عربة.
والفلسطيني على خط أوسلو بما يعني أن خطورة أوسلو كانت إنسحاب المقاومة الفلسطينية بالكامل من الضغط السوري. وقد كان الحديث أن منظمة التحرير لا يمكنها أن تقوم بأي عمل دون سورية وتبين لاحقا أن القيادة الفلسطينية أخذت قرارها، أخذ ياسر عرفات قراره بإقامة السلام. ورفض الوصاية السورية على القضية الفلسطينية. لذلك سوريا الآن تعاني من عزلة قوية ولابد أن تحاول فك هذه العزلة. أما في الوقت الحاضر فأنا لست أدري الى أي حد لدى النظام السوري الراهن، المصداقية الكاملة من أجل الإقدام على هكذا خطوة حوارية، ومدى إقتناع الأطراف الأخرى بجدية سوريا وإلتزامها بهذا النهج الحواري. لأنه لا يمكن أن تطالب بالسلام وتعمل عكسه. هناك قناعة أن ممارسات النظام السوري لا توحي بأن سوريا جادة في هذا الخط، وإذا أرادت أن تسير في خط السلام فبشروطها، ومن منطلقات معينة. ليس بالتأكيد أن الأطراف الأخرى لديها القبول بهذه الشروط في موافضات ضمن المنطق السوري.
؟ الى أي مدى يمكن أن يستمر الرهان السوري على قوة إيران ؟
إذا ربطنا هذا بمفوضات السلام السورية الإسرائيلية، فهذه العلاقة لا تخدم هذا التوجه. لأن الملف الإيراني هو قائم بحد ذاته ويفترض جهد كبير ومميز. سورية ربطت نفسها بالملف الإيراني والعلاقات الإيرانية الدولية.
وهذه طريقة للإبقاء على ملفها ريثما ينتهي الملف الأول وهذا ليس من مصلحة سورية.
؟ لكنها ذهبت في العلاقات مع الدول العربية الى القطع ومع العالم أيضا الى نفس الأمر ؟
بالإمكان أن تلعب سوريا دورا إيجابيا في الملف الفلسطيني. وهناك ترابط بين الملفين بشكل كبير. وصولا لتفاهم أوسع لحل الأزمة العربية الإسرائيلية. وهذا يمكن أن يشجع الأطراف الدولية أن تفتح هذا الملف.
؟ هل تعتبر في هذا الإطار أيضا أن حزب الله بدأ يعود الى لبنانيته بعد هذه الحرب وما تم خلالها ؟
عليك أن تنظر الى حزب الله من زاويتين. الزاوية الأيديولوجية الدينية التي تلتزم بولاية الفقيه ومن جهة ثانية دوره كحزب لبناني ملتزم القواعد اللبنانية في اللعبة السياسية. وهذا يملي عليه سياسية براغماتية. المسألة هي مدى قدرة حزب الله على إعطاء الأولوية للموقف اللبناني الذي يفرضه عليه موقعه البراغماتي. والذي يجعله جزءا أساسيا من التركيبة اللبنانية من خلال وثيقة الوفاق الوطني ( الطائف ) التي أجمع عليها الشعب اللبناني. وبقدر ما يعطي أولوية لهذا الجانب بقدر ما يسهل ويدعم الوحدة الوطنية ويبعد شبح النزاع اللبناني اللبناني. أما إذا أعطيت الأولوية للبعد الديني العقائدي فبالطبع هذا يتناقض مع علة وجود لبنان الذي لايقوم إلا بالحوار. وأنا متشجع الى حد بعيد أن يكون حزب الله على هذا القدر ويعطي الإهتمام للصيغة اللبنانية.
؟ لكن بدأت تصدر أصوات شيعية تقول بأن الشيعة لم يفوضوا حزب الله بالتحدث عنهم ؟
هذا شيء طبيعي. لأنه إذا كنا نتحدث في المنطق الديمقراطي، فإن الطائفة الشيعية كانت في المقدمة في الممارسة الديمقراطية. ويوجد فيها قيادات ساهمت مساهمات فعالة جدا في تأسيس اليسار اللبناني مثل محسن ابراهيم وكريم مروة وغيرهم. كما أوجدت مفكرين وصحافيين وكتابا مارسوا هذه الديمقراطية وما يزالون يمارسون هذه الديمقراطية. وعلى مدى التاريخ اللبناني المستقل كانت الديمقراطية تأخذ مداها في الطائفة الشيعية وهي ساهمت في تأسيس لبنان. لا بد وفق هذا أن يكون هناك فكر وتنوع فكري لدى الشيعة. وهذا شيء طبيعي.
فالذي جمع الجميع حول حزب الله ليس فقط الشيعة بل اللبنانيين هو فكرة المقاومة وهدف المقاومة. وعندما يتحقق هذا الهدف من الطبيعي أن يعود الحوار الفكري والسياسي والعقائدي على الصعيد اللبناني ككل وليس على الصعيد الشيعي. ونحن على تواصل مع قيادات شيعية مهمة وهي في الوقت الحاضر ضمن الأجواء السائدة والمقاومة. خاصة وأن الحرب قائمة. وعلى صعيدنا أيضا فقد قلت في بداية العدوان أن الوقت هو للتضامن وليس لأي شيء آخر.
؟ هذا رأيك ورأي وليد جنبلاط حين كنتما واضحين جدا في مسألة أن الوقت هو لصد العدوان وليس لأي نقاش آخر. لكن في فريقك 14 آذار كانت أصوات تدعوا الى سحب السلاح والتعرض للمقاومة، فأنت ووليد جنبلاط مثلتم الفريق العقلاني في 14 آذار في حين ذهب البعض للتطرف، هل ما زال الفريق المتطرف قائم ؟
الأفكار المتطرفة أو تلك التي يسمونها الأصولية موجودة في كل العالم وفي كل الأزمنة وكل الدول. لكل واحد رأيه، إذ لا يمكنك أن تطلب من كل الناس أن يكونوا على رأي واحد. نحن رأينا معروف وهو أن يكون كل ما أنجز لمصلحة لبنان. فلا يوجد في هذه المنطقة غير لبنان الذي يحتمل كل هذا التنوع. فإيران دولة إسلامية وإسرائيل دولة يهودية بنظام ثيوقراطي. وكل الدول الأخرى متأثرة جدا بالدعوات الدينية. في هذا البلد يمكن لكل الأديان أن تتفاهم مع بعضها البعض. وهذا ما جعل البابا بولس الثاني يقول أن لبنان بلد الرسالة.
؟ هل ستعودون الى طاولة الحوار ؟
ليس المهم هو إطار الحوار، إن كان المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس بري أو غيره. المهم أن نعود للحوار فيما بيننا لنستخلص العبر مما حدث والتأسيس لمرحلة جديدة للبنان طالما أننا لا يمكن أن نتفق إلا بالحوار، لقد علمتنا التجارب السابقة بأن العنف لا يوصل الى شيء في لبنان. والقوة ليست إلا إنتحار، خاصة لمن يستعملها. لذلك لا خيار لدينا إلا بالعودة الى الحوار وفتح النقاش على كافة الأمور حول المستقبل.
؟ هل ما زال على جدول أعمالكم إقالة رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي ؟
قضية بقاء رئيس الجمهورية في موقعه، مشكلة كبيرة. وهي مشكلة لبنانية ومشكلة مسيحية. مشكلة لبنانية لأن رئاسة الجمهورية المطلوب منها أن تكون رمز البلد وواجهة لبنان الأساسية. ورئيس الجمهورية بموجب الدستور هو الذي يعقد الإتفاقات والعاهدات الدولية وغيرها ضمن آلية دستورية معينة. وبغياب الرئاسة هناك فراغ. بل وأكثر من ذلك. فالقرار الذي صد ر عن مجلس الأمن رقم 1559 يشكك بالطريقة التي تم على أساسها التمديد لهذا الرئيس. نحن بمواجهة وحرج كبير مع المجتمع الدولي الذي يرفض أن يتعاطى مع هذا الرئيس ولبنان واجه إحراجات كبيرة في بعض المناسبات وقوطع من قبل الدول والمؤسسات الدولية. ومشكلة مسيحية لأن لبنان بحسب الصيغة المعتمدة يركب بثلاثي للحكم من الطوائف الرئيسية. واليوم المسيحيون يشعرون بالغياب التام عن كل ما يجري سبب وجود هذا الرئيس. لذلك نحن اليوم لا نعرف ما هي الطريقة التي يمكن أن يتم بموجبها إلغاء فعل التمديد الذي تم بشكل قسري من قبل سورية وبالتهديد في أحيان كثيرة.
وأملنا أن يتنحى هذا الرئيس.