التطرف الديني... والفاشية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خليل علي حيدر
لا يعد إطلاق صفة "الفاشية" على الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية بالشيء الجديد في الحياة الثقافية والإعلامية العربية، فقد استخدمت مراراً من قبل بعض الكتاب في العديد من الدول العربية ومنها مصر مثلاً، حيث أصدر "سيد القمني" الخصم البارز لهذه الجماعات كتاباً بعنوان: "الفاشيون والوطن"- (القاهرة 1999).
إلا أن استخدام الرئيس الأميركي "بوش" تعبير "الفاشيين الإسلاميين"، أحدث زوبعة من الاعتراض لدى الكثيرين. ولا يمكن بالطبع موافقة القائلين بأن الرئيس الأميركي كان في استخدامه لهذا التعبير، يقصد إهانة الديانة الإسلامية أو أتباعها المسلمين. والأرجح أنه كان يحاول التعبير عن غضبه وغضب كل المجتمع الدولي على تلك المجموعة الإرهابية من أصول مسلمة باكستانية، التي اكتشفت في لندن، ووجهت لها السلطات هناك تهمة محاولة تفجير العديد من الطائرات المدنية فوق المحيط الأطلسي، مما كان سيؤدي حتماً إلى مقتل الآلاف من الركاب الأبرياء، وذلك باسم "الجهاد الإسلامي"، ربما سميت فيما بعد في أوساط الإرهاب بـ"غزوة الأطلسي" أسوة بـ"غزوة مانهاتن" في نيويورك في 11/9/2001!
تطلق "الفاشية" عادة على الحركات السياسية الجماهيرية، القومية، المتعصِّبة والعنيفة والملتفَّة حول قائد يتقن الخطابة وطرح الشعارات الشعبوية الغوغائية. ورغم أن القائد الإيطالي موسوليني كان أول من استخدم هذه الكلمة، إلا أن الدولة الشمولية التي أقامها هتلر والحزب النازي في ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية كانت أقوى تجسيد للنظام الفاشي!
وقد كتبت قبل عشرين عاماً مقالاً بعنوان "التيار الديني والفاشية.. هل من تشابه"؟، قلت في مقدمته: "ثمة تشابه عجيب ومخيف في الوقت ذاته بين حركة الأحزاب الدينية في العالم الإسلامي والحركة الفاشية في إيطاليا وألمانيا".
وللإجابة عن السؤال حول كيفية ظهور هذه الأحزاب وتأثيرها على العالم الإسلامي، يمكن القول اختصاراً إن "النازية" في ألمانيا و"الفاشية" في إيطاليا كانتا في بعض الملامح العامة والدوافع الأساسية، محاولة من الدولتين للتمرد على الدول الأوروبية الأوسع نفوذاً والأكبر حجماً أو الأسبق في مجال التوسع الاستعماري. ولجأت ألمانيا إلى النفخ في نظريتها العنصرية، فيما ركز الإيطاليون على أمجاد الحضارة الرومانية وغزواتها. وقد أدى النجاح المؤقت الباهر وبخاصة في ألمانيا إلى إعجاب طاغٍ بهتلر والدولة القومية الشمولية في دول عربية وإسلامية عديدة، شمل النخب السياسية الحاكمة، والمعارضة في دول عربية وإسلامية عديدة.
يقول د. زكريا بيومي في كتابه "الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية" (القاهرة مكتبة وهبة 1979): "ظهرت في مصر قبيل الحرب العالمية الثانية وخلالها تيارات محدودة متعاطفة مع المحور -أي ألمانيا وإيطاليا- وقد كان بعضها يتعاطف لمجرد أن الألمان خصوم الإنجليز، وأن خصوم خصومنا هم أصدقاؤنا، ولكن وجدت أيضاً تيارات وجماعات أبدت إعجابها بالنازية والفاشستية كنظام، واعتقدت من خلال هذا الإعجاب أن إصلاح مصر يحتاج إلى مثل هذا النظام، الذي كان يقوم على فكرة الزعيم المصلح. ومن بين هذه الجماعات جماعة الإخوان المسلمين التي لم تُخفِ إعجابها بهذا النظام، فيصف البنا كلاً من هتلر وموسوليني بقادة النهضات الحديثة.
وبررت الجماعة ذلك الإعجاب بموقف هذه الأنظمة في ألمانيا وإيطاليا من الدين الذي ارتكزت عليه في محاربة الشيوعية دون أن توضح كيف طوّع هتلر الكنيسة للدولة وألزمها بإدخال تعاليم العنصرية، وأن الكاثوليك قد قاوموه في ذلك"، (ص 192).
أما السبب الآخر لإعجاب "البنا" بهذه الأنظمة الفاشية فكان: "لمعاداة هذه الأنظمة للنظام البرلماني، الذي كان يعارض البنا أسلوبه القائم حينئذ في مصر، فيقول البنا: إن الأمم المجاهدة في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق، وطبع أبنائها على خلق الرجولة الصحيحة، حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقبات.. إن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحَّت رجولته.. تحتاج الأمم الناهضة إلى القوة وطبع أبنائها بطابع الجندية ولاسيما في هذه العصور التي لا يضمن فيها السلم إلا الاستعداد للحرب"، (ص 192).
ولإرضاء ميول "الإخوان" التوسعية أسوة بالألمان والطليان ولإشعار الشباب بنموذج بسيط مما ينتظرهم من المهام الجسام في هذه "الأمة المجاهدة"، خاطبهم في رسالته إلى الشباب بما يلي:
"الأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم - أي البحر المتوسط -، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام، ويجب أن يعود البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل. ولئن كان السنيور موسوليني يرى من حقه أن يعيد الإمبراطورية الرومانية، وما تكونت هذه الإمبراطورية المزعومة قديماً إلا على أساس المطامع والأهواء، فإن من حقنا أن نعيد مجد الإمبراطورية الإسلامية التي قامت على العدالة والإنصاف"، (الرسائل، دار الشهاب ص 86).
وهناك كذلك تقارب سياسي ملفت للنظر، فإذا طالعنا كتب ومقالات بعض الجماعات الإسلامية بمختلف درجات تشددها، وجدنا في أفكارها وشعاراتها ومرتكزات خطابها، ما يشبه أفكار التيارات الفاشية الأوروبية خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين، في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مما سنشير لبعضه بإيجاز!
من هذه الأفكار والمرتكزات مثلاً تقديس الذات الدينية، والعظمة التاريخية، والولع بالماضي على حساب المستقبل، والذي يرافقه في أحيان كثيرة التهجم على الحضارات الأخرى وأتباع الديانات المخالفة. ومن الإسلاميين من يستخدم فكرة إقامة الخلافة من جديد استخداماً يشبه استخدام هتلر وحزبه لفكرة "الرايخ" الثالث دون النظر في واقع العصر ومصالح العرب والمسلمين.
ومن هذه المرتكزات المماثلة الإعجاب الشديد بنظرية المؤامرة الكبرى ودور اليهود المحوري في كل حركة تاريخية وكل حدث سياسي، بل واعتبار الكثير مما يجري على المسرح الدولي مجرد مخططات محبوكة يراد بها ضرب مصالح العرب والمسلمين وعرقلة مسيرتهم ونهب خيراتهم. بل إن كراهية الفاشيين اللاإنسانية ومعاملتهم القاسية لليهود، والتي دفع العالم العربي ثمنها بالمناسبة!.. لا تزال تحظى بإعجاب عدد غير محدود من الإسلاميين المتطرفين.. والمعتدلين!
ومن نقاط التشابه بين الجانبين الإعجاب الذي لا حدود له بالقوة والتعبئة العسكرية والحرب والقتال، وتمجيد القيادة والإمامة والزعامة على حساب الديمقراطية والتعددية والتنوع والتسامح. ولا يزال بعض الإسلاميين في تصوره للشورى مثلاً، يميل نحو "الشورى المعْلِمة" لا "الشورى الملْزِمة" أي التي تلزم القائد أو أمير الجماعة برأي قد لا يراه!
ومن نقاط الالتقاء بين التيارين ما عرف عن الفلسفة الفاشية من نقد مرير وعداء لكل من الليبرالية والماركسية على حد سواء..
يقول "هتلر" في كتابه المعروف "كفاحي" (طبعة بيروت، 1960): "إن الأمم لا تنجب رجل الدولة إلا في الأيام المباركة وما أقلها، ولا ننسى أن الجمهور يبتعد بفطرته، عن كل رجل متفوق له قماشة العباقرة.. ومع هذا فالنظام البرلماني يجعل من خمسمائة مواطن عادي قيِّمين على مقدرات الأمة يصدرون القرارات الحاسمة في قضاياها الحيوية"، (ص 62).
ومن هذه الأسس أخيراً موقف التيارين من دور المرأة في المجتمع. فبعكس التيارين الليبرالي والاشتراكي اللذين شجعا المرأة على دخول معترك الحياة العامة وميادين الإنتاج والإدارة والتوجيه، نادت النازية بضرورة عودة المرأة الألمانية إلى المنزل.. والمطبخ!
يقول أحد أبرز وعاظ "الاخوان": "النساء فتنة أينما وجدن وحيثما حللن، وما تركت امرأة لهواها إلا كانت مفسدة ومهلكة لمن حولها".