نصائح بشار الأسد.. أوهام أم إعلام؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السفير عبدالله بشارة
مثل غيري، قرأت خطاب الرئيس الأسد المنشور في صحيفة الحياة في عددها ليوم الأربعاء السادس عشر من أغسطس الجاري الذي يضم فلسفة الرئيس وحزبه الحاكم حول القضايا السورية والعربية المصيرية، وأبرز ما في الخطاب الطويل الإشارة إلى الفصل الإقليمي الجديد الذي بدأت ملامحه تظهر بعد انتصار المقاومة الشعبية ممثلة في حزب الله الذي وضع قاعدة الشرق الأوسط الجديد، وجوهر هذا الجديد في الشرق الأوسط هو تحول المنطقة العربية المحاذية لإسرائيل من التحاور والتفاوض والبحث عن السلام بالدبلوماسية إلى الاعتماد على المقاومة في تحرير الأراضي المحتلة، وهنا يشير الرئيس بشار الأسد إلى تجذر فكر المقاومة في عقول مئات الملايين وقلوبهم في المنطقة العربية والإسلامية، وأنها هزمت إسرائيل في لبنان حول اتفاق السلام مع إسرائيل (اتفاق أيار) وهزمتها في الجنوب عام 2000، وهزمتها الآن، ويشدد الرئيس على إرادة القتال والنضال الشعبي مرتكزاً على دروس مقاومة حزب الله للاحتلال الإسرائيلي.
ومع الإشارة إلى فصل المقاومة، يستذكر الرئيس الجهود التي بذلت لإيجاد حلول سلمية ويعلن في حالة من التفاؤل بنهاية عهد المفاوضات انتظاراً لفصل المقاومة.
ويجدد الرئيس هذه الأفكار في اللقاء الذي بثه تلفزيون دبي مساء الأربعاء 23 أغسطس الجاري، ولم يكن لقاء دبي حواراً وإنما كانت أسئلة وأجوبة دون مناقشة من المذيع الذي يتعاطف مع أفكار الرئيس، والجديد في هذه المقابلة هو إعلان الرئيس الأسد وضع نهاية مستقبلية لتخليص منطقة شبعا من الاحتلال الإسرائيلي، وربطها بالوضع في سورية، وانطباق القرار 242 عليها، بدلاً من القرار 425 الخاص بالحدود اللبنانية - الإسرائيلية مع رفض انتشار القوات الدولية على الحدود السورية - اللبنانية، وتهديده بإغلاق الحدود بين البلدين إذا ما تم ذلك مستقبلاً.
ومن المفيد التعامل مع محتويات الخطاب بعقل هادئ دون مبالغات في التفسيرات أو اللجوء إلى الإثارة الإعلامية، ويمكن إبداء الملحوظات الآتية:
أولاً- جاء هدوء الموقف السوري تجاه أحداث لبنان لصالح سورية، وانسجامه مع العقل والحكمة؛ لأن (الطيش) يصيب سورية ويدمر حصيلة جهودها ويضاعف مساحة الأراضي المحتلة ويضعها في خانة الفقر واليأس، وأظهر الرئيس الأسد شجاعة قيادة في التحكم في الشأن السوري، وبصورة ربما لا تتفق مع أدبيات حزبه وفلسفة البعث وتتعارض مع المنهج الدراسي الحزبي، وخير ما فعل الرئيس في الخروج عن أكاديمية السفسطائيين البعثيين الذين ملؤوا مناهج مدارس دمشق وشوارعها وجامعاتها وثكناتها العسكرية بمفردات لا علاقة لها بحقائق الحياة، ولا تمتزج مع الميول السورية الشعبية.
ويمكن القول إن براغمتيكية الرئيس وواقعيته تختلف عن البرنامج المستقبلي للمنطقة الذي طرحه في خطابه حول فصل المقاومة الشعبية. وفي سؤال للمذيع في لقاء دبي عن المقاومة السورية لتحرير الجولان.. يرد الرئيس بعبارات معناها ضرورة توافر الدينميكية الشعبية للمقاومة التي تتشكل الآن بالمفاهيم السورية.
ثانياً- هل يمكن الاقتناع بهذا الطرح الرئاسي السوري؟ أعتقد أن الهيئة الحاكمة في سورية تقرأ الأحداث حيداً وتشخص العبر منها بعقلانية وانفتاح أكثر مما جاء في خطب الرئيس، فلا يمكن أن تتجاهل سورية ومؤسساتها الحاكمة واقع تدويل لبنان في قضيته في الجنوب، ولا يمكن أن تتجاهل قرار المجتمع الدولي بإبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني وتحويله تدريجياً وسلمياً إلى حزب سياسي يدخل في ساحة لبنان السياسية والمتصارعة بالمواقف والألوان، ولا يمكن أن يتجاهل نظام البعث إجماع اللبنانيين على الترحيب بقوات الأمم المتحدة وتخليص لبنان من تمرد حزب الله على الدولة وانفراداته بأسلحته وبارتباطاته السورية والإيرانية.
يقول الرئيس فؤاد السنيورة في رده على خطاب الرئيس الأسد: (لبنان سيتصرف بالطرق كلها التي تؤدي إلى المحافظة على سيادته واستقلاله ومصالحه، ونحن في مزارع شبعا اعتمدنا أسلوباً يلبي وجهات نظر عدد من الفرقاء).
وإذا كانت كل من جبهة مصر وجبهة الأردن وهما في سلام مع إسرائيل، ومع فقدان جبهة لبنان، واستحالة جبهة سورية رغم تصورات الرئيس عن المقاومة، تبقى إذن حالة فلسطين التي تتصارع فيها المنظمات وبشكل يدمر مصالح شعب فلسطين.
ثالثاً- يسعى الرئيس أبو مازن إلى تشكيل حكومة تخرج شعب فلسطين من عجز حماس في توفير احتياجات الشعب الفلسطيني في الأمن والاستقرار وسيادة القانون، وأهم من ذلك القبول الدولي ورعايته للقضايا الفلسطينية بعد الرفض الذي اقترن بفوز حماس وإظهارها التحدي للإرادة الدولية، والتزامها بالمقاومة ضد الاحتلال، وبسبب ما أفرزه هذا الموقف المتصلب من انهيار للسلطة الفلسطينية، وخروج الرئيس أبو مازن غاضباً من لقاء مع زعيم حماس إسماعيل هنية الذي يضع شروطاً تعجيزية لتشكيل حكومة يقبل العالم التعامل معها.
وهذا ما دفع بالرئيس عباس إلى التفكير بتشكيل حكومة فلسطينية تستجيب للشروط الدولية وهي ثلاثة: نبذ العنف، الاعتراف بإسرائيل، الالتزام بالعقود والاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية.
وربما ننظر إلى الثمن المرتفع لإخفاقات المقاومة في فلسطين، وسعي السيد أبو مازن لاستبدال الفكر المؤمن بالنهج التفاوضي والمتماثل مع المتطلبات الدولية بإخفاقات المقاومة؛ للخروج من المحنة التي وجد شعب فلسطين نفسه فيها من جراء تطبيق فكر المقاومة التي يشير إليها الرئيس بشار الأسد كمرجعية جديدة للمنطقة، وكأنها مؤشرات إلى عقم هذا النهج الذي يريده الأسد.
فلا الجهاد الإسلامي ولا حماس ولا جهات الرفض الكثيرة التي تصدر بيانات سياسية مثيرة، ولا دعم سورية لهذه المنظمات سيوفر ما يريده شعب فلسطين.
والواضح أن سنيورة في لبنان، وعباس في فلسطين يعملان بدعم دولي وتوافق عالمي ممثلاً في قرارات الشرعية الدولية، مع رفض من الأسرة الدولية للموقف الذي يتبناه إسماعيل هنية والآخرون من مساعديه في دمشق.
رابعاً- ندعو سورية وبشعور الحريصين على سلامتها وأمنها لمراجعة كاملة للاستراتيجية التي تحدث عنها الرئيس، فلن تدخل المنطقة في فصل المقاومة الشعبية التي تحل مكان الدبلوماسية لاسترجاع الأراضي المحتلة، مع دعوة لمراجعة كاملة أيضاً للخطاب السياسي السوري والسلوك الدبلوماسي، وإعادة النظر في الأسس التي تقوم عليها الاستراتيجية السورية، مع ضرورة إدراك أن العالم لا يوافق على تغذية التطرف ودعم المواقف الحادة سواء بالدعم المادي أو السياسي ولا يرتاح للشراكة السورية في برنامج التحدي الإيراني للنظام العالمي وللنظام الإقليمي، ولا نعتقد أن المصالح السورية العليا تتحقق مع التزاوج السوري - الإيراني الذي تستفيد منه إيران في مصارعتها مع الأسرة الدولية وفي صراعها حول برنامجها النووي، وفي مساعيها لأجل تقويض النظام الإقليمي الأمني في المربع الفلسطيني - الأردني - اللبناني - السوري.
خسرت سورية نفوذها في لبنان بعد القرار 1559، وسيخسر حزب الله الوجود الاستراتيجي الجنوبي مع تطبيق 1701، وفي كلتا الحالتين تتضرر المصالح السورية، وربما تتضرر أكثر إذا ما قررت الانتظار لحين وصول عهد المقاومة الشعبية.
ومع مراجعة الاستراتيجية التي تدعو إليها لا بد من إسقاط المفردات البعثية التي قضت عليها الحقائق وأخرجها التاريخ، فالدول العربية لها مصالح وأولويات وبرامج تنمية طويلة وارتباطات ملزمة ومتشابكة مع المجتمع الدولي لن تتخلى عنها من أجل اعتبارات إقليمية خارج مصالحها، فلا داعي لاسترجاع الحنين إلى الأوهام مثل تلك الدعوة التي يريدها بعضهم لتجييش الجيوش العربية وتوظيف النفط مع شعارات بعثية (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)..نريد سورية عنصراً فعالاً في ترسيخ منظومة التنمية والبناء القائمة على تفاهم إقليمي مدعوم بالرعاية الدولية، ويتحقق ذلك بتعزيز التفاهم السوري - المصري - الأردني - الخليجي، بعيداً عن مغامرات إيران، مع إسقاط مربع الأوهام عن فصل المقاومة الشعبية.