جريدة الجرائد

النظام السوري يهرب إلى الأمام ويخوض سباقاً مع الوقت

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في مواجهة "أزمة المصير" وفي ظلّ عزلة عربية ودولية مُحكمة وخيارات معظمها مغلق


نصير الأسعد


ثمة قناعة راسخة في العديد من الأوساط السياسية المتابِعة بأن النظام في سوريا يواجه في هذه الأيام مرحلة حاسمة من مصيره، وذلك ما يستدل عليه من أداء النظام نفسه من ناحية ومن المواقف الدولية والعربية حياله من ناحية أخرى.

وواقع الأمر ان "ملف" مصير النظام فتح عملياً من جانب أطراف رئيسية في المجتمع الدولي، لا سيما من جانب الولايات المتحدة، بالتزامن مع انتهاء الحرب على العراق وسقوط نظام صدام حسين، عندما حمل وزير الخارجية الأميركية السابق كولن باول في ايار من العام 2003 إلى دمشق ما يمكن تسميته "دفتر الشروط" الذي على أساسه يمكن للمجتمع الدولي أن يتعاطى مع نظام الرئيس بشار الأسد، وهو بمعنى من المعاني دفتر شروط ما صار يعرف لاحقاً بقواعد تغيير السلوك.

لا داعي لاستعراض مسلسل أداء الأسد منذ العام 2003 حيال لبنان والعراق وفلسطين، أي الأداء الذي وضعه الأسد تحت عنوان "مواجهة" ما سمّاه "الضغوط" الأميركية والدولية عليه. ولا حاجة إلى التذكير بأن هذا الأداء لعب دوراً أساسياً في زعزعة الاستقرار الإقليمي عبر لبنان وفلسطين والعراق. غير ان ما يقتضي التذكير في هذا المجال، هو ان مجلس الأمن فتح حساباً خاصاً للنظام السوري، تمثّل في سلسلة القرارات الدولية التي تركّزت بشكل خاص حول لبنان بدءاً من القرار 1559.

في موازاة افتتاح المجتمع الدولي البحث في مصير النظام في دمشق بين 2003 و2004، لم يكن خافياً ان "النظام العربي" بركيزتيه الرئيسيتين المملكة العربية السعودية ومصر، استخدم أسلوب "الصبر الطويل" مع الأسد، وسعى إلى "استيعابه" وإنقاذه عربياً وإلى محاولة مصالحته مع الشروط والقرارات الدولية حفظاً لوجوده، ولم يكن خافياً ان العرب أعربوا عن إرادة تجنيب النظام السوري مصير النظام العراقي السابق كما أعربوا عن إرادة تجنيب المنطقة المزيد من الفوضى آملين أن يتعقّل الأسد.

جديد نظام الأسد: الخروج الكلي من المنظومة العربية

بيد ان الجواب الآتي من دمشق فاق كل التوقعات. ليس فقط، أمعن النظام السوري في سياسته التخريبية، في لبنان خصوصاً، وليس فقط عقد صلة وثيقة مع المجموعات الإرهابية مثل "القاعدة" وهدّد بها الجوار كله، لكنه أقدم على ما لم يقدم عليه "هذا" النظام منذ تأسيسه، وما لم يقدم عليه أي نظام آخر قبل والده الراحل حافظ الأسد. فقد أعلن بشار الأسد رسمياً وعملياً رفضه لـ"المظلة العربية" التي كانت المملكة ومصر توفّرانها له، وخروجه من "المنظومة العربية" بالكامل، وما خطابه الاخير ومقابلاته الأخيرة إلا الدليل القاطع على هذا الإعلان الذي أدى به إلى الانتقال من كونه جزءاً عضوياً وأساسياً من المنظومة العربية إلى أن يصبح جزءاً ملحقاً بـ"المنظومة الإيرانية"، في ظل صراع خافت حيناً وصاخب حيناً آخر بين المصالح العربية وبين "التمدّد الإيراني".
هذا التحوّل، أو هذا الجديد في أداء النظام السوري، أي "التجرؤ" على الخروج من المنظومة العربية، كان تراكمياً أي انه استغرق بضع سنوات، لكنه مغامرة من قبل النظام بالنظام نفسه.

الانقلاب على الأسد الأب في "حمايات" النظام

ذلك انه ليس سرّاً ان الرئيس حافظ الأسد لم يفرّط بالمنظومة والمظلة العربيتين، لاعتبارات عدة أهمها انهما تمثلان حصانة وجودية للنظام. فقد لجأ الأسد الأب إلى مجموعة من "وسائل التعويض" الضرورية لحياة النظام، عن كون نظامه ذا بعد "أقلوّي" في الداخل، فكانت "العلاقة" بلبنان واحدة من هذه الوسائل، وكانت العلاقة بالمنظومة العربية "الأكثروية السنّية" وسيلة أخرى، لا بل الوسيلة الأساسية.

من هنا، فإن هذين التحول والجديد سورياً، يمثّلان خروجاً استثنائياً عن "قاعدة ذهبيّة" اعتمدها النظام سابقاً. ولا شك انه إذا كان من نتائجهما المباشرة إغراق النظام السوري في عزلة عربية "كاملة"، فإن فيهما مجازفة بـ"استفزاز" قسم كبير من "الاجتماع السوري".

الهروب الى الأمام

إن هذه المقدمات جميعاً التي تعرض لمسار التطورات والتحولات على صعيد النظام السوري، إنما تهدف الى تأكيد أن هذا النظام يواجه "أزمة مصير" من ناحية وأنه اعتمد في مواجهة "أزمة المصير" هذه خيار الخروج من المحصّلة العربية بكل ما ينطوي عليه من مغامرة من ناحية ثانية.
والآن، وقد أحكم النظام السوري على نفسه الطوق عربياً ودولياً، فإنه لا بد باحث عن سبل لـ"البقاء". يعرف الأسد ـ على الأرجح ـ أن مصير النظام سوف "يتصاعد" بحثُه من أي مدخل من المداخل. ويعرف ـ على الأرجح أيضاً ـ أن الوضع العربي كان حاسماً معه في الآونة الأخيرة بالقدر نفسه الذي حسم هو في خياره غير العربي إقليمياً. ولذلك، فإن ما يمكن أن يُقدم عليه في المرحلة المقبلة يقع ضمن خانة الهروب الى الأمام في سعيه الى "قلب الطاولة".

إعادة فتح جبهة الجنوب خيار مستحيل

غنيّ عن القول ان "حرب تموز" الأخيرة، كانت من ضفّتها اللبنانية حرباً بأبعاد إقليمية إيرانية وسورية من جهة وبأبعاد لبنانية داخلية من جهة أخرى. وفي ما يتعلق بسوريا، فإن النظام تعامل معها بوصفها خطّ دفاع عنه وبوصفِها رافعة عودته الى التأثير بقوة في الوضع اللبناني.
ثمة من ينقل مِن دمشق أن القيادة السورية "غير مرتاحة" الى توقّف الحرب على قاعدة القرار 1701، لا بل أن من ينقل "عدم الارتياح" السوري، يلفت الى أن خطاب الأسد في الصحافيين السوريين في 15 آب، هو التعبير المباشر عن "عدم الارتياح"، إذ قارب الحديث عن القرار 1701 على أنه "17 أيار" جديد في لبنان.
بيدَ أن الأسد يعرف ـ دائماً على الأرجح ـ أن إعادة فتح الجبهة في الجنوب بمبادرة من "الجانب اللبناني" صعبة جداً إن لم تكن مستحيلة في المدى المنظور على الأقل، وذلك لاعتبارات جنوبية ولبنانية ودولية عدة.

والمواجهة الإيرانية ـ الأميركية مسار طويل

ويعرف الأسد أيضاً أن المواجهة الإيرانية ـ الأميركية ـ الدولية مسألة طويلة. صحيحٌ أن هذه المواجهة هي الاحتمال الراجح ضمن ما هو قائم من معطيات، غير أن الصحيح أيضاً هو أن المواجهة التي يحتمل أن تكون نهاية الشهر الجاري موعداً لـ"بدايتها"، قد تذهب الى منعرجات مختلفة.

فتح الجولان: جديد الموقف العربي

لذلك، وبناءً على أن إعادة فتح الجبهة الجنوبية اللبنانية متعذّرة، وأن الرهان على المواجهة الإيرانية ـ الأميركية لا يتلاءم مع السباق السوري مع الوقت، ثمة من نقل في الآونة الأخيرة أن هناك تفكيراً سورياً جدياً بفتح جبهة الجولان.
وبعيداً من أي تقويم لهذا الخيار السوري، لا سيما أن أحد أبرز معانيه هو أن النظام في سوريا يكون للمرة الاولى منذ أكثر من ثلاثة عقود في صدد "اللعب باللحم الحيّ"، فمما لا شك فيه أن النظام السوري إذا حسم هذا الخيار، يكون في صدد الرهان على تحويل فتح الجبهة في الجولان الى حرب عربية ـ إسرائيلية تحرج الوضع العربي وتقلب الطاولة في وجه المنطقة والعالم.

غير أن ما لا ينتبه النظام السوري إليه في هذه الحالة يتعلّق بأمرين رئيسيين:

الأول، وهو جديد عربي في مقابل الجديد السوري المشار إليه آنفاً، حيث للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي يجاهر عدد من القادة العرب الرئيسيين بموقف "ضدّ" مَن يفرض حرباً مع إسرائيل على الواقع العربي، محتفظين في الوقت نفسه بموقفهم ضد إسرائيل.
والثاني يتّصل بالجديد الأوّل نفسه، وهو أن العرب ليسوا مستعدّين لمجاراة حرب على إسرائيل يكون عنوانها مذهبياً أو غير عربي، ويعتبرونها ـ أي هكذا حرب ـ لا تمتّ بصلة الى الصراع العربي ـ الإسرائيلي وقضيّته المركزية فلسطين.

من هنا، فإن خيارات النظام السوري الثلاثة الآنفة، من إعادة فتح جبهة الجنوب اللبناني الى الرهان على المواجهة الايرانية ـ الأميركية التي تبدو طويلة الأمد وصولاً الى فتح جبهة الجولان، تبدو خيارات "مغلقة" بالمعنى الدقيق للكلمة.
"الخيار الأسهل": تفجير الداخل اللبناني
في ضوء ذلك كله، ثمة اعتقاد في العديد من الأوساط السياسية المتابعة ان النظام السوري يمكن أن يلجأ إلى ما يعتبره "الخيار الأسهل"، وهو خيار تفجير الوضع اللبناني الداخلي.
ثمة معلومات كثيرة في الأيام القليلة الماضية عن تهريب أسلحة ومتفجرات عبر الحدود السورية ـ اللبنانية. وهذه المعلومات ليست مفاجئة بطبيعة الحال إذا وضعت في سياق الخطاب السوري التهديدي للبنان.

وإذا كان "المشروع السياسي" الذي يعلنه الخطاب السوري على لسان الأسد هو إسقاط السلطة أي إسقاط النظام في لبنان، وإذا كان هذا "المشروع" دونه عقبات سياسية كبيرة، فإن الوسط السياسي اللبناني يعتقد ان "البديل" لدى النظام السوري جاهز، وهو "سلاح الاغتيالات" أو زرع الفوضى في أماكن متعدّدة.. لان "مشروع الحرب الأهلية" الذي يعنيه "مشروع إسقاط السلطة" ليس في طاقة أي فريق، سياسياً من ضمن المعطيات الراهنة.

التوتر..والتحقيق الدولي

من الواضح ان النظام في سوريا، المعزول عربياً ودولياً، والهارب إلى الأمام، متوتر ويبدو انه وضع نفسه في سباق مع الوقت خلافاً هذه المرة لـ"تقليده" المستند الى اللعب على الوقت.
هناك من يفسّر التوتر، بالإضافة إلى العوامل التي جرى استعراضها سابقاً، بأن الأسد يعتبر ان مصير النظام سيُحسم في الفترة الممتدة حتى نهاية العام الجاري، وبأنه يعتبر ان تقريرَي رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري القاضي سيرج براميرتس في منتصف أيلول وفي منتصف كانون الأول المقبلين، سيكونان متقدمين على ما سبقهما من تقارير، وان هذا "الملف" سيكون أساسياً في مسيرة المحاسبة الدولية لنظام دمشق. ويضيف المفسّرون ان الوقت لا يلعب لصالح النظام الذي يسعى إلى تشتيت الانتباه باتجاه عناوين اخرى قبل أن تكشف لجنة التحقيق الدولية ما تملكه من معطيات محرجة.

وعلى أي حال، لا شك في ان النظام المعزول والمفتوح مصيره، مغامر في الوقت نفسه. ولذلك فإن "الانتباه" مهمّ جداً في الأيام والأسابيع القريبة المقبلة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف