جريدة الجرائد

الحرب تفتح «حوارا» بالمدونات الإلكترونية بين لبنانيين وإسرائيليين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علاقات هشة في الفضاء الإنترنتي تتراوح بين النقد و"التفهم"


واشنطن: دلفين شرانك- واشنطن بوست


ظل وقف إطلاق النار الهش قائما، لكنه أطلق الكتابات على الانترنت. وكأن حرب الثلاثة وثلاثين يوما لم تلحق الموت والدمار، بل هي أسقطت جدار الصمت أيضا.
قال مصطفى حموي، كاتب المدونات الالكترونية "وراء ربيع بيروت": أظن أنها بداية لشيء ما. إنها بطريقة ما ثورة. لم تكن الاتصالات أمرا سيئا يوما ما، إنه من الأفضل أن يقول شخص معين: أنا أكرهك، ثم تقول له: لماذا تكره؟ ثم يكون بينكما حوار".

تحرم الحكومة اللبنانية على مواطنيها الاتصال بإسرائيليين، لكن فرض رقابة على الانترنت شبيه بغرف الرمل بمنخل. وخلال الحرب كان البحث عن وجهات نظر عبر الانترنت من الطرف الآخر طريقة واحدة بالنسبة للبنانيين والإسرائيليين للتخفيف من مشاعرهم بالعجز أمام نزيف بلديهما. فقد كتبت ليزا غولدمان صاحبة المدونة الإسرائيلية، الكندية والصحافية على موقعها "قدم كتّاب المدونات من جانبي الحدود صورة حية ومتجددة، حيث ظل كل منهم يعلق على مدونات غيرهم، وأحيانا يتم الربط بين شخصين من خلال مدونة ثالثة. هل ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتخاطب فيها أبناء بلدين متحاربين بينما تتساقط الصواريخ على الطرفين؟".

وكتبت الإسرائيلية أنات الهشاهار، 34 سنة، والأم لطفلين على مدونتها "بعد أكثر من أربعة أسابيع عاد زوجي إلى البيت". وبدأت الكتابة في موقعها الإنترنتي بعد أن دعي زوجها لخدمة الاحتياط العسكرية مباشرة. وكتبت من بلدتها بارديس هانا في شمال إسرائيل: "فاجأنا وهو يدفع الباب كم كان متعبا، كان وجهه مغطى بشعر لحيته، لكنه كان فرحا جدا لرؤيتنا".

وأجابها اللبناني جان سوك، 25 سنة، والذي يعمل في الصليب الأحمر بباريس عبر موقعها الالكتروني "هل ترغبين في أن تجربي شيئا مضحكا؟ دعينا نجرب رد فعله العسكري. قولي له إنك تتكلمين مع لبناني عبر الكومبيوتر. كوني متأكدة أن بندقيته فارغة من الرصاص. أنت ستلقين ضربة يد. وهو سيحتاج إلى أن يتخلى عن الرد العسكري العنيف". أصبح سوك والهشاهار صديقين.

وكانت الهشاهار تسعى للوصول إلى وجهات نظر عربية وتعلق على كتابات مواقع لبنانية ولدت قدرا من التراسل مع عدد من الأشخاص في أستراليا وإيران، كذلك بلغت ثقتها بسوك وشخص لبناني آخر إلى درجة جعلتها تدعوهما إلى إسرائيل. وقالت في مكالمة هاتفية معها "إنه شيء منعش التحدث معهما. أنا لم أكن قبل ذلك أعرف شيئا عن الشعب اللبناني أو تاريخه أو سياسته".

من جانبه، كان سوك يتصفح المدونات اللبنانية فقط "لمعرفة ما يفكر فيه الشارع. لكنني استغربت لوجود عدد من الإسرائيليين يعلقون على المدونات اللبنانية". وقال سوك (وهو اسم مستعار على طريقة المدونات الالكترونية) في رد على أسئلة وجهناها له بالبريد الالكتروني، إنه صدم بحجم الردود الإسرائيلية على المدونات الالكترونية اللبنانية، ومن هذا المنطلق بدأ مدونته الالكترونية بعنوان "الاستثناء في الشرق الاوسطَ". وجلبت له مفكرته 92 تعليقا مع 32 إسرائيليا تتراوح بين نبرة الاعتذار والإدانة. وبناء على اقتراحات هؤلاء أشرك سوك لبنانيين آخرين للكتابة عن كيف ينظرون إلى الإسرائيليين.

وقال سوك في رسالة الكترونية "قبل ذلك كان المجتمع الإسرائيلي عليه علامة استفهام كبيرة. لكن هذه المدونة ساعدتني على دفع فكرة أن كل هذه الضجة والبروباغاندا في الشرق الأوسط، هي محض أكاذيب حينما يكون الأمر متعلقا بالعداء التاريخي أو اليهود الأشرار أو العرب القتلة".

وكتب الإسرائيلي المولود في روسيا، اوسكار سفادوفسكي، 36 سنة، والمقيم في تل أبيب، على مدونته "أنا لا أعرف الكثير عن لبنان حتى بدأت أبحث عن المدونات. كنت أظن أن لبنان بلد معقد جدا، لكنه ليس معقدا في الواقع، بل هو في حالة فوضى شاملة. فحتى اللبنانيين لا يعرفون ما يجري حسبما أظن. نحن جميعنا نخمن". وتشكلت صداقة بينه وبين سوك ودعاه لزيارة إسرائيل.

لكن ليس كل ما يكتب على الانترنت هو من أجل السلام، بل هناك كتابات غاضبة وتولد نوبات انفعال حادة تنعكس من خلال المراسلات المتنقلة ذهابا وإيابا بين المتحاورين وتتضمن قدرا كبيرا من النقد اللاذع، وكتّاب مدونات مثل سوك أو حموي يقرأون الكثير من التعليقات العنيفة من الطرفين.

لكن بغض النظر عن النبرة، فإن تزايد التعليقات ظل مثيرا للدهشة لحموي وقال: "بالنسبة لي أنا أبلغ من العمر 28 عاما، ولم أتواصل من قبل مع أي إسرائيلي". وأضاف قائلا من بلدته الواقعة في شمال لبنان "الآن أنا على اتصال عبر الرسائل الالكترونية مع العديد" من الإسرائيليين. وأظهر موقعه الانترنتي زيادة في عدد جمهوره بسبع مرات وأصبح يتسلم حوالي 4000 وجهة نظر شخصية كل يوم مع 32% من القراء داخل إسرائيل حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار.

من جانبه، سأل الإسرائيلي دان كاي على موقع "ربيع بيروت" بعد وقف إطلاق النار وبدء جدل حاد حتى بين الإسرائيليين "نحن تحركنا ضد أناسنا من اجل الانسحاب من غزة. لماذا لا يتحرك الشعب اللبناني ضد أناسهم كي يطردوا حزب الله من جنوب لبنان؟"، وأضاف عنوان موقعه مع رابط به. وقال "أنا أحب مدوناتكم، لكن عليكم التوقف عن انتقاد حكومتكم وأخذ موقفكم إلى الشارع".

وكانت لتشارلز شومان، البالغ 24 عاما والمشارك في مدونة "المجلة السياسية اللبنانية" التجربة نفسها إلى حد كبير. فمنذ أن بدأت الحرب تسلم ما يزيد على ألف رسالة على عنوانه الالكتروني في المدونة، الكثير منها رسائل شخصية من إسرائيليين. وقال من شيكاغو وبعد فترة قصيرة من جلائه من بيروت وسط النزاع "انه لهائل عدد الناس الذين يتصلون بي، وأنا أحاول أن أؤسس حياة جديدة لنفسي. وليس لدي مكان خاص لي حتى الآن. انك تجد مواقف متطرفة في الطرفين، ولكن المدهش هو عدد المدونين الإسرائيليين الذين يتصلون بالمدونات اللبنانية ويضعون تعليقاتهم هناك".

وقال مضيف لبناني لموقع جامع مدونات تحت اسم "لبنان المنفتح" إنه يلاحق أكثر من 100 مدونة يوميا في الوقت الفعلي (طلب أن يكون مجهول الاسم، مشيرا إلى صراعات المصالح ارتباطا بصورته العامة في شركة عالمية كبرى). وأضاف "إن أغلبيتهم يمكن أن يصنفوا باعتبارهم يميلون إلى التسوية. ومن الواضح أن الإسرائيليين لن يفضلوا انتصار حزب الله، ولكنهم يفضلون رؤية نموذج حكومة معتدلة وحديثة وديمقراطية وقوية في لبنان، ولهذا فإنهم يدفعون المدونين اللبنانيين برفق نحو هذه الاتجاهات".

ومعظم المدونين هم طلاب يدرسون التكنولوجيا، مثل ايل حاشاهار وسادكوفسكي، أو مغتربون مثل سوك. ودرس حموي مصمم الغرافيك والمدير التنفيذي لأحد المشاريع في الجامعة الأميركية ببيروت، بينما درس شومان وغولدمان في كليات أميركية.

ويقل تمثيل مؤيدي "حزب الله" الذين يتكلمون العربية بصورة رئيسية.

وتأسس موقع "ربيع بيروت" و"المجلة السياسية اللبنانية" في إطار موجة أولى من المدونات وسط ثورة الأرز التي شارك فيها الشباب في أعقاب اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005. وارتباطا بمئات من المدونات الجديدة التي ظهرت منذ يوليو(تموز) الماضي، برهنت الحرب مع إسرائيل على أنها الموجة الثانية في تطوير فضاء اتصال بديل متعارض سياسيا بالنسبة لكثير من اللبنانيين الشباب المهتمين بالتكنولوجيا داخل البلاد وخارجها.

وقد جرب شومان، البيروتي الذي فر إلى شيكاغو، نموذج مجال المدونات الإسرائيلية في ابريل(نيسان) الماضي ووجد أنها مختلفة على نحو دقيق وبارع، بالمقارنة مع ما يمكنه أن يلتقطه من المواقع الإخبارية التقليدية. وكتب "المستشار السياسي" في موقعه الذي كان يحمل اسم صورة لبنان، أن "الافتقار إلى الأخبار حول إسرائيل، وهي ليست بلدا غير مهم في المنطقة، أمر مذهل. فعدم المعرفة بهم هو أسوأ جريمة يمكن أن نقترفها. انه يبطلهم كبشر كما لو أنهم غير مهمين. إنهم عدو ستالين الذي لا وجه له، مصاصو الدماء الأشرار الذين يصح قتلهم. وتحتاج مدوناتنا أن تبدأ بالتأكيد تغطية ما هو أكثر من الأحداث السياسية الرئيسية في اسرائيل".

واتصل به عدد من المدونين الإسرائيليين. وقال "كان ذلك في حدود وقت يوم ذكرى الهولوكوست، وقد تعلمت الكثير. لم يسبق لي أن قرأت ذلك سابقا. تأثر كثير من الناس بما كتبت، وقد طورنا علاقة".

وخلال الأسابيع القليلة المقبلة انبثقت مجموعة من المدونين اللبنانيين والإسرائيليين. وقالت غولدمان، الصحافية الكندية الإسرائيلية في مقابلة معها بالهاتف من تل أبيب "بدأنا ندرك كم نحن متشابهين ثقافيا، كعلمانيين ومتأثرين بالغرب في بيروت وتل أبيب". وكانت تدون التجربة السريالية في الدردشة عبر الرسائل السريعة بين بيروت وتل أبيب مع شومان، بينما كان يجلس على سقف شقته في بيروت ويراقب الصواريخ التي تطلقها الطائرات الإسرائيلية وهي تسقط على المدينة. وكتب شومان في مدونته التي تحمل اسم المجلة السياسية اللبنانية حول طريق الخروج من بيروت عبر دمشق. وتحولت الصلة الافتراضية إلى صلة واقعية عندما التقت غولدمان بصورة مستقلة مع شومان و"اللاجئ الأبدي"، المدون المجهول الاسم، الذي يتخذ من دبي مقرا له وعضو آخر من دائرتهم كان يزور إسرائيل بصورة شبه سرية لشهر من خلال عمله كمدير إقليمي لشركة أغذية أوروبية، وفقا لما قالته غولدمان. وقد كتب بالتالي سلسلة عما وصفته غولدمان بمواقف مؤثرة وتتسم بروح التسوية. ثم جاءت الحرب، وكتب اللاجئ الأبدي انه "لا يريد إعادة بناء الجسر مع الإسرائيليين. فقد أغلق خيار التعليقات وألغى التعليقات التي تركت في مواقع أخرى. وهو وأنا ما نزال على علاقة غير منتظمة، ولكن علاقتنا هشة جدا"، وفقا لما قالته غولدمان. ورفض اللاجئ الأبدي الاستجابة لطلبات تدعو إلى التعليق.

وفي الفضاء الالكتروني الناشئ سريعا في الشرق الأوسط، ينتهي حوار واحد، ولكن حوارا آخر يبدأ. وقد ألهمت الهشاهار، الأم وزوجة الجندي الإسرائيلي، بصورة كافية من خلال الصلات التي أقامتها عبر العالم العربي من أجل البدء بمنتدى للشرق الأوسط على الانترنت. وقالت "إنه لمن العار أن يتعين علينا أن نخوض حربا لنتعرف على بعضنا البعض".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف