إيطاليا وأسباب الإقدام على مهمة حفظ السلام في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الخميس: 2006.08.31
إيان فيشر
يوم الثلاثاء الماضي، أشاد كل من كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس الأميركي جورج بوش، بالخطوة الحاسمة التي اتخذها رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي، بإرساله الدفعة الأولى من قوات حفظ السلام الإيطالية إلى لبنان، وهي الدفعة التي ضمت 800 جندي، لتصبح القوة الأكبر ضمن القوات الدولية الموجود في لبنان حتى الآن. ولرومانو برودي أن يفخر بلعب بلاده الدور الأهم في تخطي تردد الأوروبيين إزاء إرسال قواتهم إلى لبنان. وقال "برودي" في لقاء صحفي أجري معه يوم الاثنين الماضي: "لقد هنأني الرئيس بوش تهنئة صادقة حارة على دفعي بهذه الخطوة للفريق الأوروبي"، مشيراً إلى مكالمة هاتفية جرت بينه والرئيس بوش قبل ذلك اللقاء الصحفي.
لكن على رغم هذه الخطوة الشجاعة المبادرة التي اتخذتها إيطاليا -بتعهدها إرسال 3 آلاف من جنودها للمشاركة في عمليات حفظ السلام في لبنان، في وقت تعهدت فيه فرنسا بإرسال 200 جندي فحسب، فإن الملاحظة التي يمكن الخروج بها من القرار الإيطالي، تتمثل في أن القيادة الإيطالية الجديدة تحاول الإعلان عن أن ثمة مسافة فاصلة بينها وبين واشنطن، وهو ما يمكن استنتاجه من البحث في أسباب إقدام إيطاليا على المشاركة في مهمة حفظ السلام في لبنان. وعلى إثر خمس سنوات من توطيد العلاقة بين بوش ورئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، فإن الذي يبدو الآن هو تحول قيادة "يسار الوسط" الجديدة بزعامة رومانو برودي من واشنطن وشروعها في العودة بإيطاليا مجدداً إلى المعسكر الأوروبي. بل إن هذه القيادة تمضي في ذات الوقت باتجاه تعزيز وتعضيد وحدة القارة الأوروبية، حتى تكون قوة موازية لأميركا.
يذكر أن أميركا وإسرائيل قد أعلنتا تأييدهما للبعثة الإيطالية هذه، بيد أن هذا التأييد تبين أنه كان عرضياً وظاهرياً ما أن مضت روما في تفنيد الأسباب والدوافع التي حدت بها إلى تسريع إرسال جنودها إلى لبنان، على رغم المخاطر الكبيرة التي تحف هذه العملية، وعلى رغم التردد الأوروبي البادي هنا وهناك. وجاء في شرحه لتلك الأسباب قوله: "لقد كانت بمثابة قضية سياسية أخلاقية بالنسبة لأوروبا، أن تسعى لوقف الحرب الدائرة في لبنان. وبذلك تكون أوروبا قد لعبت دوراً أقوى وأكبر لها في تلك المنطقة المضطربة من العالم، والقريبة من أوروبا في الوقت نفسه". بل لقد مضى برودي إلى القول: في ظل المأزق الأميركي الحالي في العراق واتساع عدم ثقة الشارع العربي في واشنطن، فلم يكن ثمة أحد قادر على أداء هذا الدور سوى أوروبا. واستطرد برودي: إن سياساتي تتسم بكونها أوروبية في الأساس، ولما كان من قناعتي أنه ليس في وسع أية دولة أوروبية منفردة أن تؤدي دوراً يذكر في الساحة الدولية، فإنني أعمل الآن على إيجاد فعل أوروبي مشترك. وعلى رغم كل المعارضة الواسعة للحرب الأميركية على العراق هنا في القارة الأوروبية، فقد ظلت إيطاليا على قربها ووثوق تحالفها مع واشنطن. وتلك حقيقة كان قد أرساها واستثمرها برلسكوني الذي طالما حرص على إبقاء سياساته الخارجية فيما يشبه التحالف التام مع سياسات واشنطن، وهو ما يتعارض والسياسات الخارجية الأوروبية. وقد عبّر برلسكوني عن موقفه هذا مازحاً قبيل ترشحه لمنصب رئيس الوزراء في عام 2001 بقوله: "إنني مع أميركا في كل شيء، حتى قبل أن أعرف طبيعة الموقف الذي تتخذه".
لكن ومع استفحال المأزق الأميركي في العراق، فقد شعرت حكومة "برودي" الجديدة بأن لها كامل الحرية والحق في الاحتفاظ بمسافة فاصلة بينها وبين سياسات واشنطن. ومهما يكن فإن الذي يبدو في هذه اللحظة بالذات -حيث تحقق إيطاليا تفوقاً كبيراً بمشاركتها العملاقة المبادرة هذه في جهود حفظ السلام في لبنان- هو موقف الارتياح، فقد لهجت ألسنة الخبراء والمراقبين السياسيين، بل وحتى ألسنة الدبلوماسيين الأميركيين أنفسهم، بأن إيطاليا مقدمة على "اختبار نوع جديد من السياسات الجماعية الأوروبية الفاعلة". وتعليقاً على ذلك قال "ماسيمو داليما" وزير الخارجية الإيطالي في لقاء صحفي أجري معه في عطلة نهاية الأسبوع الماضي: "تحرياً للأمانة فقد وجد برلسكوني نفسه في مكان مفارق ومختلف جداً، في ظل الانقسامات الحادة التي شرخت وحدة الجدار الأوروبي، قياساً إلى صعود موجة الأحادية الأميركية". واستطرد "ماسيمو داليما" قائلاً: "الآن نحن أوفر حظاً لأننا نعيش في وقت بدت فيه الأحادية كارثة محققة للجميع. ولذلك فقد مضى ذلك العهد مرة واحدة وإلى الأبد". وهكذا تمكن وزير الخارجية الإيطالي الجديد من إطلاق رصاصاته على السياسات الخارجية الأميركية، على الرغم مما وصفه كل من المسؤولين الأميركيين والإيطاليين على حد سواء، من أن إيطاليا تحتفظ بعلاقات حميمة مع كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية.
وبفضل نشر هذه القوة الكبيرة في لبنان، فقد توحدت واشنطن وروما على هدف واحد. رغم تباين الدوافع والأسباب -ولذلك تطري كلتاهما على الأخرى في تعاونها من أجل لبنان ديمقراطي قابل للعيش والبقاء.