جريدة الجرائد

آثار باكستانية خلف كل مخطط ارهابي ..

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الحلقة الباكستانية

كلما كشف عن مخطط إرهابي في أي مكان.. وجدت سواء في التمويل أو التخطيط أو التجنيد

إسلام آباد ـ عمر فاروق
منذ بدأت ظاهرة التطرف الاصولي تمتد لتشمل العالم كله، لم تحدث عملية ارهابية في اي مكان بالعالم، إلا وَوُجِدَتْ "حلقة وصل" تربطها بباكستان سواء في التمويل او التنظيم او التخطيط او التجنيد، بدءاً بتفجير السفارة المصرية في اسلام اباد، مرورا بهجمات 11 سبتمبر (ايلول)2001 وتفجيرات لندن في 7 يوليو (تموز) 2005، انتهاء بمخطط الارهاب السائل لتفجير طائرات في الجو بين لندن ومدن اميركية. وربما بسبب السياق الذي تكرس فيه تحول المجتمع الباكستاني الى الاصولية وتحديدا الاحتلال السوفياتي لافغانستان والنزاع بين الهند وباكستان حول كشمير، لم يكن هناك ادراك او اعتراف رسمي باكستاني بأن التطرف الاصولي صار ظاهرة تستدعي المعالجة والدراسة. هذا تغير بعد هجمات لندن في 7 يوليو 2005، اذ اتخذت الحكومة الباكستانية موقفا مختلفا تجاه التطرف الاصولي والمنظمات التي تحض على التطرف. واعترف الرئيس الباكستاني برويز مشرف عشية تفجيرات مترو لندن للمرة الأولى بارتباط بلده بشكل مباشر أو غير مباشر بالتطرف. وفي خطابه المتلفز، قال الرئيس الباكستاني "بغض النظر عما يحدث، فإننا نكون بشكل مباشر أو غير مباشر طرفا.. وأصبح واضحا أن المتطرفين إما أن يكونوا زاروا باكستان أو عبروا من خلالها الى أفغانستان".

وقال الرئيس مشرف ساعتها إن هناك ما بين 20 ألفا الى 30 ألف ناشط اصولي قدموا الى باكستان من شتى أنحاء العالم خلال الحرب ضد الجيش السوفياتي في أفغانستان أثناء الثمانينات من القرن الماضي، وكان تمويلهم وتوفير حاجاتهم اللوجستية تمر عبر باكستان. وبالفعل فان الاحتلال السوفياتي لافغانستان وشبكة "المجاهدين" التي جاءت من انحاء العالم الاسلامي هي احد جذور مشكلة التطرف الاصولي في باكستان. فقد خلقت حرب أفغانستان "شبكة دعم" في باكستان للمجموعات المسلحة والمندفعة لخوض الحرب باعتبارها "جهادا شرعيا". وهذه الجماعات ظلت تجمع التبرعات لسنوات وتجند المقاتلين وتوفر التدريب وتنشر الافكار الاصولية المتشددة عبر نشراتها ومدارسها. واستفادت هذه الجماعات الاصولية من التطرف المتزايد للمجتمع الباكستاني الذي بدأ يحدث بموازاة "الجهاد" في أفغانستان ضد الاحتلال السوفياتي. واستمرت عملية بث التطرف عبر فئات واسعة من المجتمع مع تحول الجماعات الاصولية نحو كشمير حيث يقاتل مسلمون ضد الحكم الهندي للاقليم ويسعون الى ضمه الى باكستان. ويعتقد على نطاق واسع ان المدارس الإسلامية الباكستانية وفرت أرضية لكسب الأعضاء والناشطين لهذه الجماعات الاصولية، حيث أنها تمتلك القدرة على تقديم مساعدات مالية لأولئك القادمين من فئات فقيرة، اضافة الى التعليم المجاني والمساعدات والقبول الاجتماعي وحس الرسالة. وتخوض السلطات الباكستانية معركة شرسة في اطار محاولتها فرض سيطرتها وسلطة إشرافها على المدارس الدينية، وسبب المعركة الشرسة، ليس فقط ان هناك 1.7 مليون طالب منتظمين في نظام التعليم الديني، في اكثر من 12 الف مدرسة، وأنهم لا يرغبون في ان تتحكم السلطات في مدارسهم ونظامها ومناهجها، بل كذلك لان المدارس الدينية في باكستان، التي يعود تاريخها الى نحو 500 عام، تلعب دورا اجتماعيا واقتصاديا كبيرا لطلابها، بجانب دورها التربوي. ووفقا لنظام المدارس الدينية، يعيش الطلاب في مساكن تتبع المدرسة، يتناولون فيها طعامهم، وتمدهم بمساعدات مالية، ودعم معنوي كبير، وهي باختصار نظام حياة وليس فقط وسيلة تعليم. ولهذا خصصت حكومة الرئيس الباكستاني برويز مشرف 33.5 مليون دولار لإصلاح نظام المدارس الدينية. وأوضح وكيل احمد خان المسؤول في وزارة الشؤون الدينية الباكستانية لـ"الشرق الأوسط" ان الحكومة خصصت هذا المبلغ لمساعدة المدارس المسجلة على شراء اجهزة كومبيوتر ودفع مرتبات المدرسين في بعض المواد مثل الانجليزية والاوردية والرياضيات وعلوم الكومبيوتر. غير ان المسؤولين في المدارس ورجال الدين الذين يؤيدونهم يتبنون موقفا عدائيا تجاه الحكومة وبرنامج الاصلاح. فقد فشلت المحادثات الاخيرة بين الحكومة وقيادات المدارس في تهدئة العلاقة العدائية بين الطرفين. وكان رجال الدين وقادة المدارس قد تعهدوا بمقاومة الضغوط الحكومية لاصلاح التعليم الديني، وسياسة طرد الطلاب الاجانب من المدارس. ويعتبر رجال الدين الاصلاحات الحكومية تدخلا في الشؤون الداخلية للمدارس الدينية، التي ذكر قادتها ان تاريخها يرجع الى 500 سنة. وتجدر الاشارة الى ان المدارس بشكلها الحالي بدأت في الظهور في جنوب شبه القارة الهندية في القرن السادس عشر عندما بدأت السلطة السياسية للمسلمين تضعف. وبعد سقوط دولة المغول بدأ المسلمون المتعلمون في تأسيس معاهد علمية للحفاظ على تقاليد التعليم الديني في مواجهة النمو المتسارع للفوضى السياسية. وفي باكستان زادت اعداد المدارس الاسلامية خلال حكم ضياء الدين الحق عندما كانت باكستان تؤيد جهاد الافغان ضد الاحتلال السوفياتي. ويعتمد التعليم الذي يتلقونه على برامج تعليمية تم اعدادها في القرن الثامن عشر خلال الاستعمار الهندي. ويقاوم رجال الدين أية محاولة لاصلاح نظام التعليم الديني التي تشمل مؤلفات وضعت في القرنين 12 و13. وفي اسلام اباد توجد مدرسة جماعة محمدي وهي واحدة من اكبر المدارس الدينية. ويعترف المسؤول عن المدرسة، قاري رئيس اختار، بصراحة انه من انصار طالبان، الا انه ينفي ان طلابه يذهبون الى افغانستان للتدريب العسكري او لقتال الاميركيين. ويلاحظ ان معظم المدارس الواقعة في الاقاليم الباكستانية القريبة من الحدود الافغانية لعبت دورا حيويا في دعم حركة طالبان خلال فترة تشكيلها. وينضم اكثر من نصف الطلاب للمدارس الدينية لاسباب اقتصادية. وهو ما يعني ان تلك المؤسسات تعتبر بؤرة مناسبة لتجنيد المقاتلين خلال فترة الاضطرابات في افغانستان. واستراتيجية حكومة مشرف هي القضاء على امكانية عمل هذه المدارس كمراكز للتطرف. وبدأت الحكومة في متابعة هذا الامر بعد الكشف في العام الماضي عن ان الانتحاريين الذين نفذوا عملية مترو الانفاق في لندن يرتبطون بطريقة ما بنظام التعليم الديني الباكستاني. الا ان خبراء التعليم في باكستان قالوا ان خطط الحكومة لاصلاح نظام التعليم الديني سطحية. وتنص معظم خطط الاصلاح التي تمت حتى الان على تقديم بعض الموضوعات غير الدينية مثل الرياضيات واللغة الانجليزية وعلوم الكومبيوتر، كما اوضح طارق رحمان استاذ التاريخ في جامعة القائد الاعظم في باكستان. الا ان الاصلاحات تتم الان بطريقة اكثر رسمية، بينما تقدم للوبي الديني اغراء بمزيد من الوظائف للمتخرجين من المدارس الدينية ومعادلة شهاداتها بنظام التعليم الرسمي. وفي الوقت ذاته ادت المحادثات بين الحكومة وتحالف يضم خمس مؤسسات للتعليم الديني الى تنازلات مهمة للمدارس الدينية. فعلى سبيل المثال وافقت الحكومة على اتخاذ خطوات تؤدي الى الاعتراف بشهادات التخرج من المدارس الدينية للحصول على وظائف اكثر من مجرد وظائف التعليم. وقد كان ذلك هدفا طويل الاجل لقيادات المدارس الدينية خلال العقدين الماضيين. وقبل عامين عندما بدأت حكومة مشرف في تقديم الاصلاحات في نظام التعليم الديني واجهت مقاومة حادة من اللوبي الديني. فقد وصفوا خطط الاصلاح باعتبارها هجوما على الاسلام. غير ان الامور تغيرت الان بعد ان اصبحت بعض المدارس على استعداد للاستماع لما تقوله الحكومة بشأن اصلاح نظام التعليم الديني. لكن العوامل الخارجية ايضا أدت دورا في ظاهرة "الحلقة الباكستانية". وقال تنفير أحمد خان وزير الخارجية الباكستانية السابق والمحلل السياسي إن "تحويل المجتمع الباكستاني الى التطرف كانت وراءه أسباب داخلية وخارجية بما فيها الوجود المستمر للقوات الأميركية وقوات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان، مع استمرار عدم الاستقرار في كشمير وعوامل خارجية مثل الحرب في العراق ولبنان".

ومع قيام الحكومة الباكستانية بفرض إجراءات مشددة ضد الجماعات الناشطة والمتطرفة بعد تفجيرات لندن 2005، لم يكن غريبا أن تكون باكستان طرفا في عمليات التحريات والكشف عن المتورطين ومحاولة سد فجوات التمويل، وهذا ما جعلها عرضة للضغوط. فهناك ما لا يقل عن اثنين من الانتحاريين الأربعة الذين شاركوا في هجمات مترو لندن زاروا باكستان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 وهما محمد صديق خان وشهزاد تنوير. وفي باكستان، لم يكن غريبا أن توجه أصابع الاتهام صوبها. وتكثفت المراقبة الدولية للأواصر القائمة بين باكستان والإرهابيين منذ أن أصبح معروفا أن ثلاثة من المهاجمين الانتحاريين من بين الاربعة الذين شاركوا في تفجيرات لندن يوم 7 يوليو 2005 هم من أصل باكستاني. وزار اثنان منهم باكستان في السنة الماضية حسب سجلات الهجرة، وواحد من المجموعة انضم الى إحدى هذه المدارس الدينية قبل أن يقتل بفترة قصيرة في الهجوم الانتحاري. وأشارت الاستخبارات الباكستانية الى أن الرجلين قد يكونان التقيا بأيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" في المناطق القبلية الباكستانية خلال يناير (كانون الثاني) 2005. وحاجج عدد كبير في باكستان بأن ذلك هو نتيجة منطقية بسبب مشاركة باكستان في الحرب طويلة الأمد ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. ويمتد نشاط الجماعات الاصولية في باكستان الى داخل الهند وليس فقط في منطقة كشمير، فقد اتهمت الهند في يوليو الماضي الجماعات المتمركزة في باكستان بتورطها بتفجيرات مومباي الأخيرة في الهند. وعلى الرغم من عدم اكتشاف أي آصرة، اتهم رئيس الوزراء الهندي بأنه بدون دعم خارجي لم يكن للقنابل أن تكون فتاكة الى تلك الدرجة. وقتل أكثر من 200 شخص خلال سبع عمليات تفجير هاجمت قطارات الركاب في مومباي. والجماعة الباكستانية المتهمة بتورطها هي "لاشكار تيوبا" وهي أيضا نتاج للحرب الأفغانية خلال الوجود السوفياتي، على الرغم من أنها تركز على أنشطة تقع في كشمير الهندية حيث تشن الجماعات الناشطة هناك حملة مسلحة ضد القوات الهندية. وحظرت حكومة مشرف هذه الجماعة، مع ذلك، فإن هذه الجماعة بدأت نشاطاتها تحت اسم منظمة خيرية هي "جامعة الدعوة" في باكستان. وقبل هجمات11 سبتمبر، كان الكثير من الدوائر الاستخباراتية والعسكرية الباكستانية متحالفة علنا مع "طالبان" و"القاعدة". ومنذ ذلك الوقت، ومشرف يحاول إنهاء أواصر من هذا النوع لكن الكثير في الغرب يرون أن الولاء القديم ما زال قائما.

وعشية هجمات 11 سبتمبر، حاول مشرف كثيرا اعادة تغيير اتجاه المؤسسات الأمنية الباكستانية. وقال محللون سياسيون إن مشرف قد يكون حقق هدفه في التخلص من الأواصر التي تجمع أجهزة الأمن الباكستانية بالجماعات الاصولية، لكن ما زال هناك بعض العاملين في هذه المؤسسات ينتمون الى هذه الجماعات. وبسبب هذه الخلفية، كان على الرئيس مشرف أن يذكّر الغرب بالسعي لحل الخلافات الشائكة التي يعتبر العالم المسلم طرفا فيها.

ولأربع سنوات ظلت باكستان تستهدف المتطرفين الإسلاميين كجزء من مشاركتها في "الحرب على الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة لكن النتائج كانت مختلطة. فجزء من المشكلة هو التمايز الذي رسمته باكستان ما بين الجماعات الاسلامية المحلية المرتبطة بالموقف الاستراتيجي طويل الأمد الذي تتخذه باكستان تجاه كشمير، حيث انها تعاملت مع هذه الجماعات بشكل متسامح. وتقدم دوائر الاستخبارات الباكستانية حاليا معلومات ثمينة للغرب لمطاردة أعضاء "القاعدة". وأصبح الآن معظم قادة "القاعدة" في قبضة الولايات المتحدة؛ بمن فيهم أبو زبيدة قائد العمليات ومخطط هجمات 11 سبتمبر خالد شيخ محمد. وفي المؤامرة الأخيرة الهادفة لتفجير طائرات متوجهة من بريطانيا الى الولايات المتحدة، ظهر اسم باكستان مرة أخرى، لكن في هذه المرة كان موضع فخر للحكومة الباكستانية لأن مستوي التعاون هذه المرة بين دوائر الامن في البلدين ادى الى اعتقال المشتبه في تورطهم بنشاطات إرهابية في باكستان وبريطانيا.

وقال مسؤولون باكستانيون كبار إن التعاون قائم منذ تفجيرات لندن العام الماضي، وساعد التعاون على تحديد هوية الجماعات والأفراد الذين كان من الممكن أن يستخدموا شبانا بريطانيين مسلمين من أصل باكستاني لتنفيذ المهام الانتحارية داخل بريطانيا. وتزعم الحكومة الباكستانية أنها أدت دورا أساسيا في الكشف عن هذه المؤامرة حيث ترتب على ذلك اعتقال المتآمرين الرئيسيين.

ومثلما هو الحال في التفجيرات الانتحارية التي جرت السنة الماضية في لندن فإن المؤامرة الأخيرة تشمل بريطانيين من أصل باكستاني. وقال الجنرال طلعت مسعود خبير الأمن "هذا مؤشر على أن المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا يشعرون بالنفور والرفض من قبل المجتمع البريطاني". وقال انه يبدو أن هناك علاقة بين وجود الوحدات البريطانية في افغانستان ومحاولات المسلمين المتطرفين، مما جعل بريطانيا هدفا لنشاطات الإرهابيين.

وتابع الجنرال طلعت مسعود أن هؤلاء المتطرفين القادمين من بريطانيا يرون في باكستان مكانا يتمكنون فيه من الحصول على خبرة ومتطلبات القيام بأنشطة ارهابية انتحارية. وأضاف "في حالة باكستان هناك ارث تاريخي يتمثل في مشاركة باكستان العميقة في أفغانستان، وهؤلاء المتطرفون يجدون ان القدوم الى هنا سهل للإقامة لفترة ما، بغرض التدريب والحصول على الخبرة الضرورية التي تتطلبها الأعمال الإرهابية".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف