لماذا يتحول المزيد من الأوروبيين إلى الإسلام ويسلكون طريق التطرف؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جمانة فاروقي - التايم
يؤدي "جمال هاروود" الصلوات الخمس يوميا. وهو لا يشرب الكحول ولا يدخن ولا يأكل لحم الخنزير. وهو ناشط في الجالية المسلمة المحلية التي ينتمي اليها، وهو جاد جدا إزاء الحاجة الى إقامة دولة اسلامية. لكنك اذا صادفته في الشارع، فلن تكون لديك اي فكرة عن كل ذلك، ليس لان هاروود، المستشار المالي في لندن يرتدي بذلة بدلا من اللباس الاسلامي التقليدي، أو لانه يحافظ على لحيته حليقة على الطريقة العصرية فحسب، ولكن لأنه ابيض البشرة أيضاً.
وباعتباره من مواليد فانكوفر، فقد كان هاروود مسيحيا مثاليا يدرس الانجيل ويحضر الصلاة في الكنيسة ويتلقى دروسا في الدين في المدرسة. ويقول "لكنني كانت لدي تحفظات معينة.. ثمة علامات استفهام معينة في ذهني بعضها لاهوتي وبعضها اجتماعي، فاردت ان اوفق بينها". وقد ذهب هاروود الى جنوب شرقي آسيا ليجد نفسه ويكتشف الاسلام هناك. وعند بلوغه الخامسة والعشرين، استقر به المقام في لندن حيث ساعده أصدقاء في تعلم المزيد عن الدين. وبعد سنة من ذلك تحول إلى الإسلام، وسرعان ما انضم الى حزب التحرير، وهو حزب سياسي معروف بوجهات نظره المتطرفة المحظورة في العديد من البلدان الاسلامية. وقد أصبح هاروود البالغ من العمر خمسة واربعين عاما الناطق الرسمي باسم الحزب حالياً. وهو يقول ان جماعته معارضة للارهاب. وبالرغم من ان خياراته في الحياة تجعله عرضة للمراقبة من قبل حكومته؛ اذ لا يزال حزب التحرير مدرجا على قائمة المراقبة في بريطانيا منذ الهجمات الارهابية على محطات الانفاق الارضية في تموز من عام 2005، إلا أنه يقول "لقد وجدت ان الاسلام يعطيني اجابات جيدة وقوية على تساؤلاتي. ولم يكن امر اعتناقي الاسلام مسألة صعبة".
إن هذه المشاعر تنطبق على عدد متزايد من الأوروبيين، سواء من المنتمين إلى الأديان الأخرى أو ممن هم بلا دين أصلاً، والذين يتحولون إلى اعتناق الإسلام، رغم حقيقة ان العلاقات بين العالم الاسلامي والغرب لم تكن بمثل هذا التوتر الذي تمر به حاليا الا فيما ندر. وبالرغم من صعوبة تحديد ارقام الذين اعتنقوا الإسلام في البلدان الغربية، فإنه يمكن القول باطمئنان إن رقم الذين اعتنقوا الإسلام في الولايات المتحدة واوروبا قد أصبح يقدر الآن بمئات الآلاف، فيما تشير الأدلة إلى أن العدد آخذ في الازدياد. وكان لاعتقال ثلاثة على الاقل ممن اعتنقوا الاسلام من المواطنين الإنجليز في سياق المخطط الذي كشفت عنه السلطات البريطانية لتفجير طائرات ركاب فوق الاطلسي اثره في تصاعد احتمال مثير للقلق، يقوم على أن جماعات الجهاديين انما تستقطب بعض ناشطيها الاكثر التزاما من صفوف الجماعات التي اعتنقت الاسلام حديثاً. ويقول ديديير ياسين بينز، وهو الرئيس السابق للمجلس الاسلامي التنفيذي في بلجيكا وأحد الذين اعتنقوا الإسلام: "عندما يحاول المعتنقون ايجاد طريقهم في دينهم الجديد، فانهم يكونون عرضة لنفوذ المتطرفين. ويمكن ان يقنعهم بعض الوعاظ الراديكاليين الذين يدعون أنهم يمثلون صوت الاسلام "الحقيقي"، بينما لا يمثل هؤلاء في الحقيقة شيئا من هذا القبيل".
ان الغالبية العظمى من معتنقي الاسلام هم مثل الغالبية العظمى من المسلمين، أناس معتدلون يرفضون التطرف الذي تروجه "القاعدة" ومن يسير في فلكها.. لكن، ومثلما هو الأمر مع أي دين آخر، فإن الذين يعتنقون الاسلام يميلون إلى أن يكونوا اكثر تدينا من اولئك الذين خلقوا مسلمين.. ولعل مما لا يحتاج إلى نقاش ان بعض معتنقي الاسلام يصبحون في الحقيقة ارهابيين، بمن فيهم المشتبه به ريتشارد ريد الذي بات يعرف بمفجر الحذاء، وخوزيه باديلا مواطن شيكاغو الذي كان قد اعتقل قبل اربع سنوات لتورطه في مخطط مزعوم لتنظيم القاعدة، والذي استهدف تفجير قنبلة اشعاعية، وجيرمان ليندساي، وهو بريطاني من مواليد جمايكا كان واحدا من المفجرين الانتحاريين الذين هاجموا قطارات الانفاق في لندن في الصيف الماضي.
ويقول غوستافو دي اويستغوي، وهو خبير إسباني في شؤون الإرهاب وواضع كتاب (الجهاد في اسبانيا) "في الأصل، كانت مجموعات الجهاديين تبدي شكوكا بالمتحولين الى الدين الاسلامي لانهم كانوا يعتبرونهم وسيلة لتسلل قوات الاستخبارات الى صفوفهم". واضاف "انهم يدركون ان احدا ما بعينين زرقاوين وباسم عائلة غربي سيثير شكوكا أقل؛ فالمتحولون يمكن ان يكونوا عصيين على الملاحقة، خاصة اذا ما لم يكشفوا عن اعتناقهم الاسلام امام عائلاتهم".
وإذن، فلماذا يفعلون ذلك؟ وفي هذا اليوم وهذا العمر، أي نوع من الأشخاص ينزع إلى استكشاف تجربة التحول الديني؟ وما هي تلك الجاذبية التي ينطوي عليها الاسلام؟ كانت لدى البريطانيين الثلاثة الذين اعتنقوا الاسلام واعتقلوا قبل بضعة أسابيع ثلاثة عوامل مشتركة: فثلاثتهم كانوا ذكوراً، وقد وصفهم من عرف ثلاثتهم بانهم ودودون، وكان ثلاثتهم في العشرينات من العمر. لكن نقاط التشابه تنتهي هناك. وطبقا لشهادات أصدقائه، فإن دون ستيوارت وايت الذي غير اسمه الى عبد الواحد قد تحول الى الاسلام قبل ستة اشهر، ونبذ تعاطي المخدرات والكحول، واطلق لحيته وحلق شعر رأسه وبدأ بارتداء الزي الإسلامي. ويقول أصدقاء بريان يونغ الذي ينحدر من اصول هندية غربية إنه كان يشعر بالقلق والتعب بسبب تفسخ المجتمع الغربي. اما اوليفر سافانت الذي يسمى الآن ابراهيم، فهو مسلم منذ سبع سنوات, ويقول أصدقاؤه انه لم يذكر السياسة مطلقا. ويقول احد اصدقائه "كان يتحدث فقط عن كرة القدم والحديث العام".
تتباين الاسباب التي يقدمها المتحولون لتغيرهم إلى حد كبير.. لكن ثمة لازمة عامة تتردد، وهي: انه في عالم يزداد علمانية وتتفكك فيه قوانين المجتمع يوما بعد آخر، يوفر الاسلام خارطة اخلاقية مفصلة تغطي كل شيء، بدءا من الصداقات الى حماية البيئة. وبالنسبة للشباب الغربي، فان اعتناق الاسلام يمكن ان يكون متنفساً لنزعة التمرد.. ويظل أغلب المتحولين الى الاسلام، خاصة في اوروبا الغربية، من أولئك الذين ما يزالون في اوائل العشرينات او اواسطها.
ويقول فرهد خوزروخر، وهو بروفيسور في باريس ومؤلف عدة كتب عن التطرف الاسلامي "ان الاسلام يشكل نوعاً من الملاذ لاولئك المسحوقين والمحرومين لأنه اصبح دين المقموعين." ويضيف انهم "ربما كانوا في السابق، قبل عشرين سنة او نحو ذلك، ليختاروا الشيوعية، او يتوجهوا نحو الإيديولوجيات اليسارية. والان، بات الاسلام هو دين الذين يحارب الامبريالية، والذين يجري التعامل مع اتباعه بلا عدالة من قبل المجتمعات الغربية المتكبرة، وهكذا".
وثمة دافع اخر وراء التحول الى الاسلام، وهي انه سهل نسبياً؛ فالكاثوليكية واليهودية يمكن ان تستغرق عملية التحول فيها سنوات من التحضير والدراسة. أما في الإسلام، فإن العملية تدعى العودة إلى الأصل أو الحق (لان الاسلام يعني حرفياً "التسليم لله"، ويعتقد المؤمنون بأن كل انسان يولد مسلماً) وتعتمد المسألة على التلفظ بالشهادة. وما عليك سوى أن تنطق بالشهادة بالعربية بصوت مسموع، وعندها تكون قد تحولت الى مسلم.
لكن كونهم معتنقين جدداً للدين لا يعفي هؤلاء المتحولين من أن يكونوا عرضة للشكوك والضغوط التي يواجهها المسلمون في الغرب اليوم. ويقول علي خان، المدير القومي للمجلس الاسلامي الاميركي في شيكاغو، انه ترتب عليه ذات مرة ان يقنع زوجة احد المتحولين حديثا الى الاسلام والتي لم تكن مسلمة بأن زوجها لن يتحول فجأة إلى إرهابي. ويقول خان "ان الكثير من أفراد عائلاتهم يبدون استغرابهم في بداية الامر". ويضيف ان متحولاً اخر للاسلام ترتب عليه ان يطمئن اخاه الذي تساءل "لن تقتلني اثناء نومي.. هل ستفعل ذلك؟" ومع ذلك، فثمة دليل ضعيف على ان المشاعر السلبية تجاه الاسلام -حيث يقول اقل من 20% من الاميركيين ان لديهم انطباعاً ايجابياً عن الدين وفق استطلاعات الرأي العام- كان لها اي تأثير على معدل التحول الى الاسلام. وعلى النقيض من ذلك، ومنذ هجمات الحادي عشر من ايلول - سبتمبر، شهدت المساجد قفزة في عدد الاشخاص الذين اعتنقوا الاسلام. ويقول خان "ان الوعي بالاسلام اصبح الان اكبر بكثير، سواء من الناحية الايجابية او من الناحية السلبية، فقد أصبح الناس فضوليين. وكثيراً ما تبدأ رحلة التحول عندما يخطون اولى خطواتهم داخل مكتبة ويشرعون في قراءة القرآن بعدما سمعوا جورج بوش يتحدث عنه".
في نهاية المطاف، فإن الطريق الذي يختاره معظم المتحولين سيتقرر عبر النتيجة التي يتمخض عنها النضال الأكبر داخل الاسلام بين قوى الاعتدال وبين قوى التطرف. ويقول عبد الله البالغ من العمر اثنين وعشرين عاماً، وهو لندني طويل القامة من اصول غانية كان مسيحياً متديناً الى ان عرفه صديق في الجامعة على الاسلام "لقد بدأت البحث عن المزيد منه (الإسلام) في محاولة للتعرف على أخطائه، لكنني لم استطع ذلك، لا بل إنني أخذت به". وقد تحول عبد الله (الذي لم يشأ اعطاء اسم عائلته) الى اعتناق الاسلام قبل ثمانية اشهر. وهو يؤيد المساواة للمرأة ويدين الارهاب، لكنه يقر بأن منظوره إلى العالم لا يزال في طور التشكل. ويقول "ان هذه هي وجهات نظري، ويجب ان تفهم أنها قد لا تكون صحيحة لانني احتاج دائماً الى الإرشاد والهداية".
ولعل التحدي الماثل امام الغرب الآن هو التأكد من ان رجالاً مثل عبد الله إنما يتلقون الارشاد الصحيح.