جريدة الجرائد

«القاعدة» تحاول التكيف مع فكرة الميليشيا السنّية..وتعاظم لدور «البعث»

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خريطة جديدة للمجموعات المسلحة في العراق في ضوء متغيرات ما بعد الزرقاوي


بغداد - الحياة

يختلف المتابعون للشأن العراقي في تحديد الخريطة التي خلصت إليها المجموعات المسلحة العراقية سواء بعد الفاصل الزمني الذي تلا تفجيرات سامراء مطلع العام أم بعد مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" في العراق ابو مصعب الزرقاوي. وعلى رغم اتفاق جميع الأطراف على ان "القاعدة" في غياب الزرقاوي اقل قوة منها بوجوده إلا ان مثل هذه الحقيقة تجد صعوبة في إثباتها إلا من خلال تأشير مفردة "الحرب الأهلية" باعتبارها منفذاً اساسياً ما زال يغذي "القاعدة" بمقومات تواصل عملها حتى بعد ان ضعف نفوذها في اكثر المدن اضطراباً, وان هذا الوجود تكيف استناداً الى تداعيات إحداث سامراء مطلع العام مع فكرة الميليشيا السنية التي يراد لها ان تكون معادلاً عسكرياً للميليشيا الشيعية لناحيتي الأهداف والبرامج ما ترك المجموعات المقاتلة التي رفعت شعار مقاومة الاحتلال امام تحديات خطيرة لعل أبرزها حتمية اصطدامها مع "القاعدة" لتأمين مناطق النفوذ.


مقتل الزرقاوي

لم يكن الزرقاوي مجرد مقاتل مثير للجدل في أطروحاته حول فكرة الجهاد بل ان وجوده على رأس تنظيم "القاعدة" في العراق بين عامي 2004 و 2005 اسهم الى حد بعيد في إضعاف القوى المسلحة التي امتازت بطابع قومي او وطني في مجمل نشاطها القتالي. ويؤكد مطلعون على واقع تلك الجماعات ان الطبيعة القيادية الكارزمية للزرقاوي وأسلوب إدارته للصراع مع تلك المجموعات من اجل ضمان النفوذ على الأرض خصوصاً في محافظات الانبار وديالي والموصل وكركوك قادا الى تبني العديد من المجموعات المسلحة نظاماً عقائدياً مزدوجاً في أطروحاته في محاولة لتجنب الاصطدام مع الزرقاوي وأنصاره يقضي بتجنب استهداف المدنيين والإفتاء بالقتل على الهوية من جهة، وعدم معارضة الزرقاوي في توجهاته التكفيرية وسعيه الى حرب ضد الشيعة بدلاً من القوات الاميركية من جهة اخرى.

ويؤكد بعض الذين انخرطوا في تنظيم "القاعدة" وانشقوا عنه بعد مقتل الزرقاوي ان توازنات مصدر قوة التنظيم في فترات سابقة تعود الى عاملين أساسين هما قوة التمويل (الذي كان لشخص الزرقاوي دور اساسي في تأمينه) وأنظمة العقوبات التي لم تكن تسمح بانشقاق او تخلف الأعضاء في التنظيم, ما يقود في الغالب الى اغتيالهم على أيدي زملائهم, وغياب الزرقاوي كما يبدو اسهم في تراخي كلا العاملين المؤثرين في قوة التنظيم.


المجموعات الأخرى

في نهاية عام 2005 برزت للمرة الأولى بوادر صراع طاحن بين الزرقاوي وجماعته من جهة وبقية التنظيمات المسلحة التي كان يتقدمها "الجيش الاسلامي" و "كتائب ثورة العشرين" و "جيش المجاهدين" و "القيادة الموحدة للمجاهدين" من جهة اخرى. ويعزو مطلعون على هذا الصراع تخلي الزرقاوي شكلياً عن قيادة التنظيم لمصلحة تشكيل ما عرف بـ "مجلس شورى المجاهدين" الذي ترأسه عراقي يدعى عبد الله البغدادي ظلت هويته مجهولة الى الآن ما اسهم في إحداث انشقاقات داخل المجموعات الأخرى فيما انخرطت بعض مكوناتها داخل التنظيم الجديد.

يقول أبو معاذ من تنظيم "كتائب ثورة العشرين": ان الزرقاوي استثمر الاعتدال التنظيمي في صفوف تلك الجماعات وإمكان انتقال افراد منها الى مجموعات اخرى من دون ان يتعرضوا الى عقوبات او اغتيالات مقارنة بـ "القاعدة" فأقدم على حملة علاقات عامة لجذب اكبر قدر ممكن من العناصر المسلحة باستخدام الإغراء المالي او "الإغواء العقائدي" وتحقق له بعض مراده عندما شهد تحالف القوى الأربعة الفاعلة في مواجهة "القاعدة" انشقاقاً تمثل بخروج "الجيش الاسلامي" من التحالف وتسرب البعثيين وضباط الجيش الى بعض تنظيمات "القاعدة", ما شكل خطراً حقيقياً على اتجاهات العمل المسلح في العراق دعمته تداعيات تفجيرات سامراء وبروز الهجمات على السنّة على يد ميليشيات شيعية, وهو ما طرح بقوة فكرة التكيف مع مشروع الميليشيات السنّية كبديل لمقاومة الاحتلال، الفكرة التي قادتها "القاعدة" في العراق ووجدت فيها متنفساً لاستمرار وجودها حتى مطلع شهر تموز (يوليو) عندما نفذت قوات أميركية عملية قصف لمنزل تواجد فيه ابو مصعب الزرقاوي في منطقة هبهب في محافظة ديالى.


تراجع نشاط "القاعدة"

على رغم تأكيدات "القاعدة" ان مقتل رجلها في العراق لن يؤثر في طبيعة نشاطها في هذا البلد إلا ان الامور تسري على عكس هذا الافتراض على رغم تصاعد العنف الطائفي في العراق أخيراً وبروز دلالات حرب أهلية تشق طريقها نحو المدن العراقية تباعاً. واللافت في مرحلة ما بعد الزرقاوي بحسب متخصصين في شؤون الجماعات المسلحة غياب خليفته "ابو حمزة المهاجر" عن الحدث الإعلامي بعد الضجة التي أثيرت حول شخصيته, اضافة الى تراجع عام في نشاط "مجلس شورى المجاهدين" الذي يضم ست مجموعات مجهولة اضافة الى تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين".

يقول ابو معاذ: ان "مرحلة ما بعد الزرقاوي افرزت متغيرات جديدة أبرزها حدوث انشقاقات في تنظيم "القاعدة" وعودة بعض المنتمين اليه في عام 2005 الى مجموعاتهم الأصلية اضافة الى بروز تشكيلات جديدة حصدت القدر الاكبر من التركيز الاعلامي اهمها جماعة "مناصرو اهل السنة" و "جيش عمر" وكلاهما اختصا بتنفيذ عمليات قتل واغتيال ضد الشيعة حدث بعضها بواسطة تفجير الأسواق في المدن الشيعية او تنفيذ عمليات قصف واسعة النطاق على غرار حادثة مساء الخميس في مدن الصدر وبغداد الجديدة والبلديات شرق بغداد التي ذهب ضحيتها اكثر من خمسين مدنياً وجرح قرابة 250".

وعلى رغم تقارب توجهات هذه التنظيمات مع "القاعدة" إلا ان مصادر مطلعة تؤكد ان هذه التنظيمات تكونت على خلفية انشقاقات تنظيمات الزرقاوي، وربما انضم اليها المتطرفون في تلك التنظيمات بعد عودة الأقل تطرفاً الى مجموعاتهم الاصلية ما يعيد بقوة طرح امكان تكيف "القاعدة" في العراق مع متغيرات غياب الزرقاوي في شكل ميليشيا سنية هي عماد الحرب المفترضة مع مليشيا شيعية مع استمرار الغموض حول تمويلها وطبيعة نشاطها.


البعثيون

وبغياب الزرقاوي ايضاً عادت التنظيمات البعثية الى الواجهة من جديد بعد ان كانت ذابت في الخريطة السابقة للمجموعات المسلحة، والظهور الجديد صاحبه نشاط لنائب الرئيس السابق عزة ابراهيم الدوري الذي كان اختفى عن الساحة اكثر من ثلاثة أعوام ليعاود الظهور في تسجيلات صوتية ومقابلات وبيانات كشف بعضها عن واقع التنظيم أخيراً.

وتؤكد المصادر ان المجموعات البعثية واجهت خلال الاشهر الست الماضية انشقاقات واضطرابات في عملها اثر إعلان فصائل مسلحة معروفة مثل "كتائب ثورة العشرين" و "الجيش الاسلامي" و "جيش المجاهدين" براءتها من حزب البعث.

وكان بيان صدر عن قيادة حزب البعث العراقي الذي يعمل بشكل سري في العراق بفصل محمد يونس الاحمد قائد التنظيمات في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين بالاستناد الى جملة من الاسباب أبرزها تأثيره سلباً في العلاقة مع القوى الاسلامية والوطنية والقومية المقاومة للاحتلال. وجاء في البيان ان الحزب قرر فصل محمد يونس الاحمد من التنظيم وفق المادة 68 من النظام الداخلي لتمرده على اوامر الحزب ومقرراته و "مقاومة منهجه القومي الجهادي واتباعه سلوكاً شخصياً مخالفاً لأخلاقيات الحزب ومبادئه واساءته البالغة لرفاق البعث واستغلاله اموال الحزب في مصالح شخصية وافشاء اسراره لا سيما خلال العامين الماضيين". وانه (الاحمد) "عمد الى اخافة القوى الإسلامية والوطنية والقومية المقاومة للاحتلال بان البعث هو المسؤول الأول عن المقاومة في العراق وانه سيعود ويضع استراتيجية جديدة للبلد من دون اشراك هذه القوى التي اتهم بعضها بالعمالة ما افضى الى انحسار اصدقاء الحزب ومؤيديه لولا الجهد الاستثنائي في تطويق هذه الأزمة".

وزاد البيان ان الاحمد "هرب الى سورية بعد اسر الرئيس صدام حسين وترك مسؤولياته المكلف بها في نينوى وكركوك وصلاح الدين وكان يدير هذه المسؤوليات عبر المراسلات الورقية والشفوية من خارج الحدود الى الرفاق في الداخل يدعوهم الى التمرد على قيادات الحزب والاتصال به مباشرة مدعياً انه اصبح نائب امين سر القطر"، وتابع البيان: "الاحمد كلف عدداً من المسؤولين في العراق حث البعثيين على قطع الصلة مع القيادة الرأسية لاسيما الرفيق عبد الصمد في الانبار والرفيق حسن هاشم في محافظات الجنوب والفرات. وأضاف انه قام بتعيين كوادر بعثية جديدة متقدمة كأعضاء في القيادة القطرية".

ولفت البيان الى ان "الاحمد تلاعب بأموال الحزب حيث أنفق مبالغ كبيرة كانت بحوزته مخصصة لفروع الحزب المسؤول عنها في كركوك واستحوذ على أموال كان القائد صدام أرسلها الى عائلات الرفاق المعتقلين".

وتؤكد مصادر مقربة من المسلحين في العراق ان الأسلوب الذي اتبعته القيادات البعثية كان يذهب الى محاولة إظهار حزب البعث وكأنه قائد للمقاومة في العراق وانه صاحب القرار النهائي في مستقبل هذا البلد فيما ان الحقيقة تشير إلى تواجد البعثيين على شكل مجموعات متفرقة وسط المجموعات الكبيرة حيناً او مستقلة حيناً آخر وان الحيز الذي تحتله لا يؤهلها لاتخاذ قرارات بالنيابة عن تلك المجموعات التي عالجت هذا الخلط بإعلان براءتها من حزب البعث وترك الخيار لأعضائها من البعثيين بالانضمام إليها كأفراد.


خريطة جديدة

المتغيرات التي حدثت في طبيعة التحالفات في خريطة المجموعات المسلحة بعد مقتل الزرقاوي تمثلت في تشكيل تحالف بين خمس مجموعات هي: "كتائب ثورة العشرين" و "جيش الراشدين" و "الحركة الإسلامية لمجاهدي العراق" و "عصائب اهل العراق" و "سرايا التمكين". بعضها كان منخرطاً في تحالفات مع "مجلس شورى المجاهدين" الذي ما زل تنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين الممثل الرئيسي له، وشهد هو الآخر انشقاقات في صفوفه فيما حدث "برود" في العلاقة بين اقطاب اكبر التحالفات السابقة والذي كان مكوناً من مجموعات مثل "الجيش الإسلامي" و "كتائب ثورة العشرين" و "جيش المجاهدين" و "القيادة الموحدة للمجاهدين" وان مجموعتي "الجيش الإسلامي" و "جيش المجاهدين" تنسقان الآن بمعزل عن الأسماء الأخرى مع وجود محاولات لرأب الصدع بين تلك الأطراف فيما تحولت "القيادة الموحدة للمجاهدين" التي تضم في الغالب ضباطاً في الجيش العراقي ومجموعات بعثية الى "القيادة العامة للقوات المسلحة" وأصبحت ممثلاً للجيش العراقي السابق.

وأشارت المصادر الى ان تغير مسارات الدعم المالي واختلاف المواقف من قضايا مثل "مشروع المصالحة" و"ضرب المدنيين" و"الحرب على الشيعة" و"الدعم الإيراني لبعض المجموعات" و"مقتل الزرقاوي" وانشقاقات عقائدية وخلافات مالية اخرى قادت الى تغيير خريطة المسلحين في العراق لمصلحة انشقاق تحالفات قادتها مجموعات متطرفة وسعى ابو مصعب الزرقاوي لتكريسها في الاعوام السابقة واعادة الحياة الى تحالف مجموعات عراقية اخرى مع تنظيم البعث في العراق الذي عاد الى الصورة بعد أنباء عن اتصالات تجريها حكومة نوري المالكي والقيادات الاميركية مع التنظيم عبر وسطاء عراقيين وعرب لقياس موقفه من مشروع المصالحة, اضافة الى ان مراسلات هيئة المصالحة مع بعثيين سابقين لم تعد حتى الآن سوى الى "إعلان مواقف" مازالت متباعدة بحسب مطلعين.

وقال "ابو الحارث"، القيادي في مجموعة مسلحة معروفة ان المجموعات الرئيسية بدأت تنظر بعين القلق الى محاولات أميركية وحكومية لشق هذه المجموعات عبر اتصالات مع كوادرها بشكل فردي او استقطاب القيادات العسكرية فيها.

واضاف أبو الحارث: "الواقع يشير الى قناعة لدى مختلف المجموعات بتشكيل قيادات موحدة ومجالس سياسية وناطق إعلامي ما يؤهلها للمشاركة في اي حوار في شأن مستقبل البلاد بعد رحيل الاحتلال ومحاولة ايجاد مواقف موحدة إزاء انجرار البلاد الى "الحرب الداخلية الأهلية" التي تحمل المجموعات المسلحة العراقية مسؤوليتها الى المتطرفين في بعض المجموعات السنية بخاصة تلك المرتبطة بـ "القاعدة" والميليشيات الشيعية المسلحة.

ولفت الى ان المخاوف من انشقاقات كارثية بين مكونات "المقاومة العراقية" تتضمن مواجهات مع "التكفيريين" على غرار ما يحصل الآن في الفلوجة كانت كفيلة باتخاذ مواقف اكثر جدية إزاء هذا الخيار تتضمن تشكيل تحالفات تفوق في قوتها قوة "المجموعات المتطرفة" وتطرح نفسها كممثل "غير طائفي" للعمل المسلح.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف