انتقاد إسرائيل وتهمة العداء للسامية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
روزا بروكس - لوس انجليس تايمز وواشنطن بوست
قم بنشر شيء يحتوي على انتقادات لاذعة لإسرائيل وسترى. إن كنت من المحظوظين، ستكتشف أنك لم تتلق الدعوة لحضور إحدى حفلات العشاء. أما إن كنت أقل حظاً، فستجد نفسك عرضة لهجوم شامل من قبل المتشبعين بفكر "المحافظين الجدد"، وتُتهم بمعاداة السامية.
وهذا على الأقل ما حدث لـ"كين روث"، الذي فر والده من ألمانيا النازية- هو المدير التنفيذي لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، التي تعد أكبر مؤسسة للدفاع عن حقوق الإنسان في أميركا وأكثرها احتراماً. ففي شهر يوليو، بعد أن بدأ الهجوم الإسرائيلي على لبنان، قامت "هيومان رايتس ووتش" بفعل الأمر نفسه الذي قامت به في العراق وأفغانستان والشيشان والبوسنة وتيمور الشرقية وسيراليون والكونغو وأوغندا وما لا يحصى ولا يعد من بؤر الصراع الأخرى عبر العالم، ألا وهو إرسال باحثين إلى المنطقة بهدف مراقبة الصراع والتبليغ بشأن أي انتهاكات ترتكب في هذا الجانب أو ذاك.
فكان أن وجدت المنظمة العديد منها. ففي الثامن عشر من يوليو، أدانت "هيومان رايست ووتش" استهداف صواريخ "حزب الله" للمناطق المدنية داخل إسرائيل، ووصفت الضربات "بانتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي وجرائم حرب محتملة". غير أن "روث" و"هيومان رايتس ووتش" لم يتوقفا عند هذا الحد؛ حيث انتقدت "هيومان رايتس ووتش" إسرائيل أيضاً، بعد أن ارتفع عدد قتلى الصراع- ومعظم الإصابات كانت في صفوف المدنيين اللبنانيين- وذلك على خلفية هجماتها العمياء على المدنيين. فقال "روث" إن الجيش الإسرائيلي بدا أنه "يتعامل مع جنوب لبنان كمنطقة حرب خالية من المدنيين"، وأشار إلى أن التخلف عن اتخاذ التدابير المناسبة للتمييز بين المدنيين والمقاتلين يشكل جريمة حرب.
غير أن رد الفعل لم يتأخر، إذ سرعان ما وجد روث و"هيومان رايتس ووتش" نفسيهما متهمين بسلوك غير أخلاقي، وتوفير المساعدة والدعم المعنوي للإرهابيين ومعاداة السامية. وفي هذا السياق، هاجمت صحيفة "نيويورك صن" المحافظة روث (وهو يهودي الديانة) واتهمته بـ"الانحياز الواضح لـ"حزب الله" ضد إسرائيل" و"الطعن في اليهودية". أما المعلق المتشبع بأفكار "المحافظين الجدد" ديفيد هوروويتز، فقد وصف روث بـ"المنتقد لإسرائيل الذي أثبت أنه من خلال سعيه إلى انتقاد إسرائيل في كل وقت وحين أنه حليف للمتوحشين". وانضمت دورية "نيو ريبابليك"، على غرار "ألان ديرشويتز"، إلى فريق المتحاملين الذين اتهموا "هيومان رايتس ووتش" بـ"تغيير الوقائع" في مسعى لجعل إسرائيل تبدو في وضع قبيح.
والحال أن كل من يعرف "هيومان رايتس ووتش"- أو روث- يدرك أن ما قيل ضرب من ضروب الجنون، ذلك أن "هيومان رايتس ووتش" منظمةٌ مستقلة محايدة لا تنحاز إلى أي طرف في الصراعات. أما القول إن "روث" عدو للسامية، فليس سوى محض افتراء.
إن أكثر ما يبعث على الانزعاج والقلق في الحملة التي يشنها البعض على "روث" ومنظمته ليس كونها وحشية ومتعصبة ولا أساس لها، وإنما كونها نموذجية. إنها نموذجية لما ينبغي لأي واحد يتجرأ على انتقاد إسرائيل أن يتوقع حدوثه. ذلك أنه ليس من الممكن في الولايات المتحدة اليوم فتح نقاش مدني حول إسرائيل لأن أي انتقاد جاد لسياساتها يُرد عليه فوراً بالاتهام بمعاداة السامية. هل تعتقد أن تكتيكات إسرائيل ضد "حزب الله" كانت مفرطة في القوة، أو أن إسرائيل لم تكن دائما منصفة في حق الفلسطينيين، أو أنه على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في دعمها المالي والعسكري غير المشروط لإسرائيل؟ احذر، لا تجهر بهذه الأفكار اللهم إلا إذا كنت ترغب في أن تُتهم بمعاداة السامية- وربما بالتعاطف مع الإرهابيين أيضاً.
إن الجميع خاسر في هذا الجو حيث انتقادُ إسرائيل بنية حسنة يلقى الإدانة بشكل أوتوماتيكي، وحيث يتم اتهام صاحبه بمعاداة إسرائيل. فالسياسات الإسرائيلية مصدر رئيسي للتوتر في العالم الإسلامي، والغضب من إسرائيل عادة ما يتحول إلى غضب من الولايات المتحدة، التي تعد أكبر داعم لإسرائيل. وعليه، فقد آن الأوان بالنسبة للأميركيين، في ظل هذا الاستياء من السياسات الإسرائيلية التي تغذي الإرهاب وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وعبر العالم، أن يفتحوا نقاشاً وطنياً جاداً حول كيفية إحلال سلام عادل بالشرق الأوسط. غير أنه إذا كان انتقاد إسرائيل أمراً غير مسموحٍ به، فلا يمكن لهذا النقاش أن يُفتح وسندفع جميعا الثمن.