14 آذار تأسّست في الأصل على الشراكة بين الحريري وجنبلاط والبطريرك
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نصير الأسعد
إذا كانت الحركة الاستقلالية اللبنانية الحديثة ضد نظام الوصاية السورية قد تفجرت بالفعل في سياق غضب شعبي شامل ضد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإن لها مقدمات تسبق تاريخ هذه الجريمة الإرهابية.
وإذا كان "الفضل" في إطلاق "الكلمة الأولى" في وجه الوصاية السورية من أجل السيادة والاستقلال والقرار الحر، يعود الى مجلس المطارنة الموارنة وندائه الأول في العشرين من أيلول من العام 2000، فإن ثمة محطات أخرى تلت، جسّدت "التواطؤ" الايجابي الإسلامي ـ المسيحي باتجاه التأسيس للاستقلال اللبناني الثاني.
جنبلاط ومصالحة الجبل مع صفير
كان رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط قد بدأ عشية انتخابات العام 2000 بإعلان مواقف حازمة حيال النظام الأمني اللبناني ـ السوري المشترك، وإزاء الوجود السوري ووطأته الثقيلة على مجمل الحياة الوطنية في لبنان، داعياً الى تطبيق اتفاق الطائف، والانسحاب السوري ـ أو إعادة الانتشار بمصطلحات الحديث عن الطائف في تلك المرحلة. بيد أن الحدث الأبرز في مسيرة جنبلاط "الانتفاضية" في تلك الفترة، تجلى في المصالحة التاريخية التي شهدها الجبل في مطلع آب من العام 2001، والتي رعاها بالشراكة مع البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير.
وغني عن التذكير في هذا المجال بأن النظام الأمني الذي استشعر خطورة هذه المصالحة عليه واستشعر "تواطؤ" الرئيس الشهيد رفيق الحريري معها، لجأ الى انقلاب عليها، وعلى أطرافها الرئيسيين، وهذا ما حصل في 7 آب 2001، حيث ألقى النظام الأمني قبضته على كل مفاصل الحياة اللبنانية.
الرئيس الشهيد والبطريرك
من جهته، كان الرئيس الحريري يواكب منذ ذلك الوقت إرهاصات الاستقلال اللبناني من الوصاية السورية. وكان مقتنعاً بأن إنهاء تلك الوصاية وإسقاطها سيكونان محتمَين بوسيلتين دستوريتين ديموقراطيتين هما التغيير الرئاسي في العام 2004 والانتخابات النيابية التي تأتي بأكثرية استقلالية في العام 2005,. وكان الرئيس الشهيد مقتنعاً أيضاً بأن التطورات الاقليمية والدولية في طريقها الى احتضان حدث استقلالي لبناني. وفي الوقت نفسه، كان الاستقلاليون الآخرون على اعتقاد راسخ أن لـ"الشريك المسلم" الدور الأساسي في استعادة لبنان ونظامه الديموقراطي من سوريا، وأن مثل هذا الإنجاز لن يكون ممكناً من دون الشريك المسلم، وإن كان الرئيس الحريري سعى من موقعه المسلم اللبناني العربي الى أن يكون الخروج السوري ـ أي انتهاء الوصاية ـ نتيجة لتسوية لبنانية ـ سورية، بدا مبكراً أنها استحالة بسبب الأطماع السورية الإلحاقية للبنان.
في الأصل "تواطؤ" على الاستقلال وشراكة وطنية
هذه المقدمات السريعة تهدف الى إعادة الاعتبار الى حقيقة أن 14 آذار 2005، إنما جاء تتويجاً لشراكة إسلامية ـ مسيحية، وأتى تعبيراً عن هذه الشراكة التي تأسست على روافد ثلاثة رئيسية: البطريرك الماروني والرئيس الحريري ووليد جنبلاط، مع التذكير بالعلاقة التي قامت بين الحريري وسيد بكركي عشية التمديد السوري القسري لاميل لحود حيث كان اتفاق على "كارثية" هذا التمديد الذي يجب منع حصوله، ثم عشية الانتخابات النيابية حيث سار الرئيس الشهيد بخيار القضاء دائرةً انتخابية دعماً منه لمطلب مسيحي رئيسي.
الخلل في 14 آذار منذ أكثر من عام
لماذا استحضار هذه الخلاصة المشدِّدة على الشراكة الإسلامية ـ المسيحية في الحركة الاستقلالية أصلاً ومساراً اليوم؟
يجب الاعتراف الصريح بأن حركة 14 آذار ومنذ ما يزيد عن العام، تشكو من خلل في هذه الشراكة، وأن هذا الخلل لا بد من معالجته. فمنذ ما يزيد عن العام يبدو الشريك المسيحي أي البطريرك بعيداً نسبياً عن حركة 14 آذار ومنكفئاً، ولا يمكن لـ14 آذار والحالة هذه أن تكون حيوية ودينامية، ويجب إعادة الاعتبار الى حقيقة أن البطريرك هو التجسيد الحي للشريك المسيحي. صحيح أن "مسيحيي بكركي" تياراتٍ وأحزاباً وشخصيات حاضرون في الشراكة، غير أن هذا الحضور إذ يترجم خط الاستقلال والاعتدال الوطني الذي يلتزمون، تنقصه الخيمة البطريركية "المباشرة".
.. والأخطاء
لقد وقعت حركة 14 آذار خلال العام المنصرم في عدد من الأخطاء.. حتى لو أن بعضها كان "ضمن الموضوع" بمعنى أخطاء من ضمن التوجه الاستقلالي والديموقراطي وليس خارجه.. لكنها أخطاء في النهاية. "التحالف الرباعي" له أسبابه لكنه أخاف الشريك المسيحي. اعتماد قانون العام 2000 للانتخابات له ظروفه القاهرة المعروفة لكنه أخاف الشريك المسيحي أيضاً. بعض الأداء الحكومي له "ملابساته" لكنه خاطئ تجاه الشريك المسيحي كذلك. البقاء على حالة دفاعية في معظم الأحيان غير مفهوم وغير مبرر..
عون والانحدار.. البطريرك والاستنهاض
في المقابل، فإن البطريرك الذي أعلن موقفاً انكفائياً بعد الانتخابات وفي ظل نتائجها "المسيحية"، بالغَ الى حد معين في الانكفاء. لكن، ها هو الجنرال ميشال عون الذي حصد نسبة الثلثين من الصوت المسيحي في المناطق المسيحية "الصافية"، في أسفل السلّم اليوم. ووجوده في أسفل السلّم هو نتيجة لسياسة الانقلاب من جانبه على استقلال لبنان وارتهانه للمشروع السوري. وبكلام آخر، إن ما قاد البطريرك الى اتخاذ قراره بالانكفاء لصالح قيادة سياسية مسيحية حظيت بتأييد شعبي عارم، لم يعد له مبرر اليوم في الوقت الذي أدت سياسة عون الى "إلحاق" الوضع المسيحي بمشروع سوري، والى خطف الموقع المسيحي في الشراكة الوطنية، والى تهميش دور المسيحيين.
لذلك، من الواضح أنه لا بد من استنهاض متجدد للموقع والدور المسيحيَّين في الشراكة. والمدخل الى هذا الاستنهاض أمران: الأول هو "عودة" البطريرك الى صدارة المواقف الوطنية، والثاني تأكيد الشريك المسلم لعلاقته بالبطريرك. والأهم هو أن المدخل الى تفعيل حركة 14 آذار وتزخيمها يكون باستعادة المسيحيين وتمثيلهم الى الشراكة الاستقلالية في وقت لم تبلغ معركة تثبيت الاستقلال مرحلتها الأخيرة، وهذا يتطلب توكيد الشراكة الثلاثية بين الحريري والبطريرك وجنبلاط، أي أن البطريرك يمثل "واسطة العقد" في هذه الشراكة.
مأزق مشروع إطاحة الحكومة
غير أنه، وفي ما يتجاوز هذه المسألة الرئيسية، لا بد من دور "اقتحامي" تؤديه حكومة الأكثرية النيابية.
غني عن القول إن مشروع تغيير حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، المطروح من قبل تحالف "حزب الله" ـ عون، وصل بسرعة الى طريق مسدود.
فالتغيير الحكومي بالاتفاق مع قوى 14 آذار غير وارد. والضغط من أجل إطاحة الحكومة عبر استقالة وزيرَي "حزب الله" لا يبدو وارداً، الآن على الأقل في ذهن الحزب، إضافة الى أن استقالة وزيرَي الحزب لا تجرّ استقالة "آلية" لوزراء "حركة أمل" في ظل الموقف الذي أعلنه الرئيس نبيه بري في مهرجان ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر الأسبوع الماضي، دعماً للحكومة وأدائها. أما الضغط لإطاحة الحكومة عبر النزول الى الشارع، فإن المطالبين بسقوطها يعرفون أن ثمة شارعاً آخر سيتوجه الى بعبدا لمطالبة إميل لحود بمغادرته.
الخطر على حياة السنيورة
تبقى حالة واحدة لإنهاء الحكومة، هي التغييب الجسدي للرئيس السنيورة أي اغتياله. وفي هذا المجال، ثمة معلومات كثيرة عن استهداف السنيورة وعن نية التخلص منه. ولذلك، وفي مرحلة دخول لبنان الى الاستحقاق الأهم المتصل بالمحكمة الدولية لمعاقبة المسؤولين عن جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وفي ظل "عبور" السلاح والمتفجرات من سوريا الى لبنان، ووسط تقدير بأن النظام السوري وملحقاته الأمنية سيعودون الى "استخدام "سلاح الاغتيالات"، فإن ثمة جانباً أمنياً لا بد من أخذه في الحسبان حماية للأمن الوطني العام ولأمن رئيس الحكومة وسائر القيادات.
تزخيم حضور الحكومة
بيد أن الحديث عن ضرورة تزخيم دور الحكومة، وهو الحديث الذي استند الى واقع أن المطالبة بتغيير الحكومة بلغت الحائط المسدود، لا يقصد تظهير الأولوية الأمنية فقط على أهميتها، بل يؤشر الى نقاط أخرى.
فهذه الحكومة التي قادت بنجاح المواجهة اللبنانية العامة للعدوان الإسرائيلي، وتقود اليوم معركة إزالة آثار العدوان، مطالبة بتأمين حضور أكبر في ميدان إعادة الإعمار، أي بعمل "أسرع" في هذا المضمار، ومطالبة بصرف التعويضات في وقت أقل، ومدعوة الى إقفال ملف التهجير، الناجم عن الحرب الأخيرة كما "الموروث" من مرحلة سابقة، ومعنية بمعالجة الملفات الاجتماعية، وكل ذلك جنباً الى جنب مع قيادتها للمعركة السياسية الوطنية. وعلى هذه الحكومة مطالبة الدول العربية الداعمة لـ"الدولة اللبنانية" بتسريع وتيرة تسليم الدعم المالي الى لبنان.
المشروع العربي المطلوب
غير أن الحكومة معنية، في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية من ناحية والمشروع الإيراني ـ السوري من ناحية ثانية بأن تكون داعية مشروع عربي لدول العروبة الرئيسية والاعتدال، يشكل شبكة أمان لكل من القضية الفلسطينية والمسألة اللبنانية، في لحظة إقليمية ـ دولية شديدة الخطورة على الموضوعَين. وليس خافياً هنا أن في أساس اعتبار الحكومة معنية بالحثّ على مشروع عربي، قناعةً لدى قسم كبير من اللبنانيين بأن لبنان لا يزال في دائرة الخطر بالرغم من القرار 1701، وبأنه مسرحٌ لما يسمى المواجهة بين حلف دمشق ـ طهران والولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وبأن القضية الفلسطينية أيضاً مقيمة في دائرة الخطر بحكم تشابك العوامل الاقليمية ضمنها.
المرحلة الجديدة
وبالعودة الى نقطة انطلاق التحليل، من الواضح أن إعادة الاعتبار للشراكة الثلاثية مدخلاً الى تفعيل حركة الاستقلال، حركة 14 آذار، لا بد أن يتزامن مع تزخيم عمل الحكومة اللا بديل منها، بحيث يكون عملها موزعاً بالتزامن، على عدة جبهات: من معركة إعادة البناء، الى معركة معالجة الشأن الاجتماعي، الى المسألة الأمنية.. الى المعركة السياسية الوطنية، وكل ذلك بأفق عملية بناء الدولة من دون تردد أو خضوع لأي ابتزاز.
ليس سراً أن جريمة محاولة اغتيال نائب رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي سمير شحادة أمس، تعلنُ دخول لبنان في مرحلة جديدة من الإرهاب المخابراتي السوري. ولذلك فإن عملية تصليب موقع حركة الاستقلال اللبناني لا بد أن تكتمل وبسرعة.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف