جريدة الجرائد

ثورة الأمية في الهند

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


الجمعة: 2006.09.08

أريندام شودوريـبروجيكت سنديكيت

ظلت الولايات المتحدة لفترة طويلة من الزمن منقسمة بشأن ما أطلقت عليه برنامج ldquo;العمل الإيجابيrdquo;، وهو نظام للتفضيل العنصري يهدف إلى التغلب على العواقب المتخلفة عن زمن العبودية والتمييز ضد الأمريكيين السود. واليوم أصبحت الهند منقسمة على نحو مماثل إلى حد كبير، ولنفس السبب تقريباً النظام الناشئ المسمى ب ldquo;الأماكن المحجوزةrdquo;، والذي يهدف إلى معالجة قرون من التمييز الطبقي الاجتماعي. لكن النيات الطيبة لدى الهند، مثلها كمثل سياسات ldquo;العمل الإيجابيrdquo; في الولايات المتحدة، تسير على غير هدى.

فالسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كانت الجدارة كمعيار للتقدم قد تغيب عن الساحة حين يكون تراث التمييز العنصري والطبقي حاضراً. وهل أولئك الذين يحركون الأمور في اتجاه ldquo;العمل الإيجابيrdquo; يناضلون في سبيل أمر هو في الواقع علاج زائف أكثر من كونه حلاً حقيقياً؟

إن مخطط ldquo;الأماكن المحجوزةrdquo; الذي تتبناه الهند الآن يعمل كستار دخان متعمد، وذلك لأنه يسمح للحكومة بمهارتها المعتادة في هذا المجال بحجب الحقيقة خلف قناع زائف، تلك الحقيقة التي تتمثل في ضرورة توفير التعليم الأساسي للفئات المحرومة في الهند، فحين يتوفر التعليم الأساسي اللائق لفقراء الهند أو للسود من فقراء أمريكا فلن تكون هناك حاجة إلى أماكن محجوزة في التعليم العالي أو في أي مكان آخر.

الحقيقة أن أي هندي يتمكن من قراءة هذا المقال لابد أن يعتبر نفسه محظوظاً، وذلك لأن زعماء السياسة في الهند نجحوا في إبقاء الغالبية العظمى من سكان البلاد في أمية كاملة وجهل مطبق (فضلاً عن فقرهم وسوء صحتهم). وبدلاً من توفير تعليم أولي جيد لكافة طوائف الأمة، نجد أن صانعي القرار في بلادنا يولون جل اهتمامهم إلى تطبيق إجراءات قائمة على التمييز الطبقي، ولا هدف منها سوى تحقيق مكاسب سياسية تافهة في الأمد القصير.

منذ نالت الهند استقلالها قبل 58 عاماً، أهدرت الحكومات المتعاقبة مليارات الروبيات على سياسات تعليمية لا حصر لها ولا عدد، لكن التعليم الأولي ظل في حالة يرثى لها. وطبقاً لتقرير صادر عن المعهد الوطني لإدارة التخطيط التعليمي (NIEPA) فإن 1.8% من المدارس الابتدائية في الهند ليس بها فصول، بينما 5.17% من هذه المدارس ليس بها سوى معلم واحد. فضلاً عن ذلك فإن 2.76% من المدارس ليس بها مصدر لمياه الشرب النظيفة، بينما 6.14% منها تفتقر إلى التيار الكهربي. وأقل من 4% من المدارس الأولية بها أجهزة حاسب آلي.

وعلى نحو مماثل، كشف تقرير ldquo;الحالة السنوية لتقرير التعليم عن عام 2005rdquo; الصادر عن جمعية براثام الأهلية، والذي تم إعداده بعد إجراء دراسة مسح لثمان وعشرين ولاية من ولايات الهند، أن 35% من الأطفال في المرحلة العمرية ما بين 7 و14 عاماً عجزوا عن قراءة فقرة بسيطة، بينما أخفق 41% منهم في حل مسألة طرح أو قسمة بسيطة مكونة من رقمين. لكن سياسة الحكومة، بدلاً من إعداد ذخيرة من العمال المتعلمين من أجل المستقبل، تعمل على الإعلاء من شأن طائفة هائلة العدد من الأميين.

وتثير هذه النتائج قدراً هائلاً من الشكوك بشأن مستويات معرفة القراءة والكتابة التي زعمت الحكومات الهندية المتعاقبة أنها نجحت في تحقيقها. وإذا ما كانت حالة التعليم الأولي بهذا السوء، فهل من المنتظر أن تحصل الفئات المحرومة في الهند على أية فرصة؟ فضلاً عن ذلك، وطبقاً لأحد أعضاء المجلس الاستشاري المركزي للتعليم (CABE) فإن 80 مليوناً من أطفال الهند الذين يبلغ تعدادهم 200 مليون طفل في المرحلة العمرية ما بين 6 و14 عاماً لم يلتحقوا بأي مدرسة على الإطلاق. ومن بين العدد المتبقي (120 مليوناً) هناك 20 مليون طفل فقط من المتوقع أن يظلوا في المدرسة حتى السنة العاشرة من التعليم الأساسي، بينما من المرجح أن يتسرب بقيتهم من المدارس خلال هذه الفترة. ولقد أعرب رئيس وزراء الهند مانموهان سينج مؤخراً عن أسفه وصدمته حين علم أن 47 فقط من بين كل 100 طفل يلتحقون بالسنة الأولى الابتدائية، يصلون إلى الصف الثامن.

كانت الحكومة قد تعهدت في برنامجها الذي أطلقت عليه ldquo;المستوى الوطني المشترك الأدنىrdquo; برفع معدلات الإنفاق العام على التعليم إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن الأعوام الأخيرة شهدت، على العكس مما تعهدت به الحكومة، انحداراً ثابتاً في معدلات الإنفاق على التعليم، حيث انخفضت من 4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2001 2002 إلى 8.3% خلال الأعوام من 2002 إلى ،2004 ثم إلى 5.3% خلال عام 2004 2005.

إن التعليم الجيد يعتبر الأصل العظيم الوحيد الذي تستطيع أية أمة أن تمنحه لشعبها. كما تبين أيضاً أن التعليم الجيد يشكل الدعم الأقل تكلفة والأكثر جدوى الذي تستطيع الحكومة أن تقدمه لمواطنيها. ولكن يبدو أن اهتمام ساسة الهند يتجه نحو هدف آخر. ذلك أنه ببقاء معدلات معرفة القراءة والكتابة بين أفراد الشعب عند نسبة 5.37%، يستطيع هؤلاء الساسة بسهولة ويسر أن يستغلوا أصوات الناخبين من الأميين وغير المتعلمين عن طريق رشوتهم بالخمور، أو تخديرهم بالشعارات المدوية، أو إرهابهم.

ومن هنا فإن أسلوب الاحتجاج من جانب ذوي التعليم العالي ضد ldquo;الأماكن المحجوزةrdquo; لا يتسم بالعناد فحسب، بل إنه يشكل أيضاً قدراً عظيماً من الخطورة. فما لم يطالب المثقفون والمتعلمون في الهند بتوفير مدارس أفضل للجميع، فإن الاحتجاجات ضد التفضيل الاجتماعي الطبقي لن تنجح إلا في إبراز التوترات ورفع أرقام توزيع الصحف، بدلاً من تحسين حياة الطبقات المعدمة في الهند.

قد تكون الحكومة سعيدة بهذه الاحتجاجات، لأنها تحول الانتباه عن القضية الأساسية، ألا وهي فشل السلطات المطلق في معالجة المشكلة الأساسية. وكما في أمريكا، فإن القضية ليست في العنصرية أو التفضيل الطبقي، بل إنها تكمن في ضمان التعليم الأولي الجيد للجميع، للأغنياء والفقراء على السواء. وبينما يثور المتعلمون والمثقفون في الهند ضد التفضيل الطبقي، فلا ينبغي لهم أبداً أن يفعلوا هذا على النحو الذي يفضي في النهاية إلى تعزيز الجهل والأمية.

* العميد الفخري للمعهد الهندي للتخطيط والإدارة (IIPM)، ورئيس تحرير مجلة ldquo;التجارة والاقتصادrdquo;. ومن أحدث مؤلفاته كتاب ldquo;عد دجاجاتك قبل أن تفقسrdquo;، وكتاب ldquo;الحلم الهندي العظيمrdquo;.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف