14 آذار يملك أدوات تحقيق بيان 7 أيلول
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عودة صفير إلى الواجهة تعيد للقوى الاستقلالية
أبرز شركائها وانتهاء حقبة عون ـ الرمز تخرجها من أصعب إرباكاتها
فارس خشّان
يوازي البيان الأخير لقوى الرابع عشر من آذار بأهمية مبادئه ووضوح مقاصده وحسن طويته بيان انتفاضة الاستقلال الذي صدر من قريطم بعد ساعات على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
بيان الرابع عشر من شباط 2005 رفع شعارات كبيرة تجسدت كلها، فالوصاية السورية المباشرة أزيلت، ووضع جريمة اغتيال الرئيس الحريري بعهدة لجنة تحقيق دولية تحققت، والذهاب الى انتخابات نيابية تحت رقابة دولية وفي ظل حكومة حيادية لا تضم مرشحين لم يتأخر، وتمتين أواصر الوحدة الوطنية كان ميزة التظاهرة الاضخم في لبنان التي افترشت ساحات وسط بيروت بعد شهر واحد.
أما بيان السابع من أيلول 2006 فيبقى حبرا على ورق وصدى في الأثير إذا اكتفى واضعوه بالإشادة في المرامي التي يتضمنها، لان العبرة تكون دائما للتنفيذ عند ايجاد الوسائل الملائمة.
العبرة في التنفيذ
بيان 14 شباط 2005 اعتمد على اللبنانيين الذين افترشوا ساحة الشهداء وأسقطوا حكومة الرئيس عمر كرامي وأثبتوا أن ما يبحّون الصوت لأجله هو محور إرادة شعبية جامعة لا تهاب التهديد، سواء بأرجحيات طائفية تستظلها الوصاية السورية، أم بأجهزة أمنية احترفت القمع والقتل. أما بيان السابع من أيلول 2006، وإن كان يتكئ على شرعية شعبية واسعة تستقطبها شعاراته كما القوى المنخرطة في تجمع 14 آذار، إلا أنه لن يحتكم الى الشارع كوسيلة لتحقيق المبتغى الصعب الذي يقارب في ذهن البعض حدود المستحيل.
ولأن اللجوء الى الشارع معطل، ولأن المطالب معقدة ولأن الجهات المعنية ببيان الانتفاضة على الانتفاضة ـ والتسمية مستقاة من أمنية سبق للشهيد سمير قصير ان طرحها على قوى 14 آذار عشية اغتياله ـ ستقاوم (هذه الجهات)التغيير المنشود، ولأن القوى الاستقلالية تؤمن بالصراع الديموقراطي ولا تقبل باللجوء الى نظرية "توازن الرعب" لتوقيف مسلسل الاجرام الذي شهد مع محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة بداية فصل دموي جديد، فإن السؤال الذي يقض كل الأوساط يتمحور حول نقطة واحدة: كيف يتجسد بيان السابع من أيلول 2006 وقائع وطنية كما سبق لبيان 14 شباط ان تجسد في اليوميات اللبنانية؟
لا ينطلق هذا السؤال من فراغ، بل هو يؤسس نفسه على ما يمكن اعتباره إخفاقات قوى 14 آذار في تحقيق عدد من الشعارات التي سبق لها ورفعتها منذ انتقالها من المعارضة الشاملة الى السلطة الجزئية، الأمر الذي أثّر سلبا على صورتها بين اللبنانيين وجعل البعض يشكك بجدوى استمرار هذا التجمع الضخم، طالما أنه أضحى بلا فاعلية إنتاجية.
ولكن هذه الانتقادات على أهميتها في تكوين السؤال المطروح اليوم على المستوى الوطني لا تكفي لإطلاق حكم سلبي على قوى 14 آذار طالما أنها، ووفق ما يقدم البيان الأخير من أدلة، حسمت أمرها واوضحت أهدافها وخرجت من التأرجح في الالتزامات ومن الضبابية في الأدبيات.
سقوط شعارات وإحباط
ذلك أن مشكلة 14 آذار المباشرة ظهرت الى العيان بعد شهر على التظاهرة المليونية التي تمكنت من تسييرها في الرابع عشر من شباط 2006 في الذكرى السنوية الاولى على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بحيث هاجمت بقوة الرئيس السوري بشار الأسد من جهة أولى وتوعدت بالزحف على بعبدا لإجبار الرئيس أميل لحود على الاستقالة إستجابة لنداء الجماهير الموحّد، من جهة اخرى.
وكان محبطاً لآمال اللبنانيين أن قوى 14 آذار، تراجعت في نقطة وفشلت في تحقيق الثانية، بحيث توقف الهجوم الجماعي على الأسد في استجابة لمقايضة عربية مع النظام السوري الذي التزم بوقف مسلسل الاغتيالات في لبنان، كما عجزت عن دفع لحود الى الاستقالة وتراجعت عن الوعد بتوسل الشارع لتحقيق المطلب.
مشكلة مهادنة الخصوم
أما المشكلة غير المباشرة التي واجهت قوى الرابع عشر من آذار في تلك المرحلة، فتمثلت في مهادنة فاقت المعقول للخصوم الذين كانوا من جهتهم، وبأساليب مباشرة هنا وملتوية هناك، يتوسلون كل الاسلحة لتطويق هذه القوى في انتظار إسقاطها، وبهذا المعنى لم يجد كل من يترك العماد ميشال عون حضناً سياسياً دافئاً تماماً كما هي حال كل من يناصر، في الوسط الشيعي الدولة على "الدويلة"، الأمران اللذان جعلا تجمع 14 آذار يعاني من ملوثات الجمود التي تعاني منها المستنقعات، بفعل انغلاقها على المياه الجديدة النظيفة.
في إطلالة قوى 14 آذار الجديدة من البريستول، أول من أمس ثمة اشياء تغيّرت مما يبشر بأن زمن تعرية الاستقلال الجديد من خلال استسهال الانقضاض على صانعيه، قد ولّى الى غير رجعة، وبذلك يمكن ترقب توافر القدرة على تجسيد الشعارات التي تمّ رفعها لتأسيس دولة الاستقلال الجديد.
انتهاء مرحلة عون ـ الرمز
ففي المتغيّرات، يبرز بوضوح إنتهاء مرحلة التسليم العملي بمقولة اختصار العماد ميشال عون للطيف المسيحي، وتالياً انتهاء مرحلة تجاهل القوى والشخصيات التي انفصلت عنه بسبب تجذرها في المبادئ المنتجة للرابع عشر من آذار.
وانضمام هذه القوى والشخصيات، لم يعد يثير الحساسية المسيحية التي كان يخشى منها، على اعتبار ان عون وإن بقي في الوسط المسيحي شخصية مرموقة صاحبة تمثيل شعبي إلا أنه فقد صفة الرمز.
عودة صفير الى الواجهة
وما يزيد من ثقة قوى الرابع عشر من آذار للتعاطي بحرية مع المسألة المسيحية، هو التطور الذي ظهر على مستوى الكنيسة المارونية ـ بطريركا ومطارنة ـ بعدما قررت العودة الى صون المبادئ الوطنية، بدليل أبعاد النداء السابع الصادر عن مجلس المطارنة الموارنة، بحيث تمّ تخطي كل ما ينادي به عون على ثلاثة مستويات.
المستوى الأول، أظهر ان بكركي ـ وخلافاً لعون ـ لا تريد محاربة طواحين الهواء بفرض احترام مفقود للرئيس أميل لحود بل تريد تخليص رئاسة الجمهورية من مشكلة تواجده فيها بلا احترام لبناني وعربي ودولي، على اعتبار ان بكركي اذا تمكنت من تعويم "ساكن القصر" محليا إلا أنها لن تستطيع ان تنجز ذلك عربيا ودوليا.
المستوى الثاني، بيّن ان بكركي لا تقيم اعتبارا لمنطق عون الجديد الخاص بوضعية "حزب الله" من جهة وبمسببات الحرب الأخيرة من جهة أخرى، وتالياً فهي تقدم الى مرتبة الاولوية وجوب تخليه عن سلاحه كطرف لبناني يختصر في آن الأبعاد العسكرية والدينية التي جعلته ينفرد بقرار جرّ الحرب على البلاد في 12 تموز.
أما المستوى الثالث، فقد أظهر ان بكركي تتمسك بمواصفات عامة وخاصة لرئيس الجمهورية الجديد لا تنطبق حصرا على العماد عون، في حال توافرت به أصلا. فعون يركب موجة المرشح الأكثر تمثيلاً للمسيحيين في حين ان بكركي أسقطت هذا البند ـ الذي يعتبره عون بندا حصريا ـ من قائمة المواصفات.
ولا يمكن لأي كان، وخصوصا لعون، أن يتساهل في تأثير بكركي على الاتجاه المسيحي العام في البلاد، لأن جزءا أساسيا من زعامة عون في الانتخابات النيابية الأخيرة إرتكز على غضب سيدها من قانون الانتخابات الذي جرى اعتماده وعلى "ابنائها" الذين اتُهموا بأنهم "خانوا" الأمانة بالسير بهذا القانون، ومسارعة عون الى زيارة بكركي ليلاً للعزف على هذا الوتر الذي كان له التأثير الحاسم في التعاطي المسيحي السلبي مع مسيحيي 14 آذار.
إنطلاقا من هنا، فإن قوى 14 آذار تعافت في جناحها المسيحي من جديد مما يعينها على تجاوز الضربة الكبرى التي ألحقها انسحاب عون بعد اغتيال الشهيد سمير قصير منها، فعادت الى التحليق بقوة الماضي الحافل بالانجازات الوطنية .
14 آذار والتقاطع مجدداً مع بكركي
ومن يقاطع نداء المطارنة الموارنة مع نداء البريستول يدرك أن قوى الرابع عشر من آذار بكل أطيافها المسيحية والمسلمة أضحت هي الذراع السياسي لبكركي، ومن يدرك حقائق نجاح الرابع عشر من آذار 2005، في شقه المسيحي، يدرك القوة الشعبية التي تستطيع بكركي وضعها بتصرف القوى الاستقلالية، في حال كان لا بد من توسل الشارع لحماية إنجاز او لتحقيق إنجاز.
التعاطي مع النظام السوري
وفي ظل دخول بكركي الحيوي على خط سحب السجادة المسيحية من تحت بلاط رموز الوصاية المعروفين المتحالفين مع العماد عون، فإن تخلي قوى 14 آذار عن الارباك في التعاطي مع النظام السوري سيكون له هو الآخر تأثير حاسم على الواقع اللبناني، على اعتبار ان الضغوط السابقة التي بذلتها قوى عربية للمحافظة على نظام بشار الأسد تهاوت بعدما بيّن الخطاب الأخير للرئيس السوري ان ما يشكو منه اللبنانيون ليس سوى نموذج بسيط لما يحضره هذا النظام، في حال اشتد عضله، لسائر الأنظمة العربية.
المقايضة بلحود
وارتياح قوى 14 آذار للتوجه العربي الجديد، سيعينها على تقديم ملف تغيير الرئيس لحود الى الواجهة على اعتبار ان أي طرف لبناني يريد خدمة من هذه القوى المطلة على المجتمع الدولي، عليه التسليم بأحقية مطلب ترييح البلاد من عبء لحود في بعبدا والذهاب الى انتخابات رئاسية جديدة بمعايير تتلاءم مع المعايير التي حددتها بكركي بالذات.
"حزب الله" وعبء السلاح
ولأن الصورة الداخلية لقوى 14 آذار أضحت بهذا الوضوح، فان "حزب الله" الذي يعرف قبل غيره ان الحملة على سلاحه ليست حملة على الطائفة الشيعية، عليه أن يحسم خياره لجهة الانخراط في مشروع الدولة الذي لا قيمة له إذ لم تكن هناك حصرية في تملك القوة، لأن التبكير في حسم خياره لا يجعله شريكا اساسيا في تكوين الدولة بل يوفر على البلاد، وهو جزء منها، المزيد من الخسائر المجانية، خصوصا وأن حماية لبنان من اسرائيل اصبح الآن متوافرا أكثر من مرحلة ما قبل 12 تموز بفعل إمساك الجيش اللبناني مدعوما بقوات اليونيفيل المعززة، بهذه المهمة الملحة، ليس على المستوى البري فحسب بل على المستويين البحري والجوي ايضا.
نهاية زمن المناورات
وعلى هذا الأساس فإن إقدام قوى 14 آذار على اعلان التأييد الواضح للقرار 1701 ولتطبيقه كاملا، أسقط كل رهان على "مناورات" طاولة الحوار الوطني، لأنه في تلك الحقبة كان "حزب الله" يستفيد من التعاطي الحذر للقوى الاستقلالية مع القرار 1559.
ولم تعد قوى 14 آذار تخشى على متانة النسيج الوطني اللبناني المتنوع من مغبة المطالبة الصريحة بسحب سلاح "حزب الله" من مهمة الدفاع عن الأرض، لأنها عندما تفعل ذلك هي لا تنتقص من حق الحزب في المشاركة السياسية بتكوين القرار الوطني ولكنها تدافع عن حق جميع اللبنانيين بالنهوض وبوطن جدير بثقة ابنائه والسياح والمستثمرين، خصوصا وأن هاجس عودة اسرائيل الى احتلال البلاد قد سقط مع موافقة اسرائيل بالذات على ان يكون الجنوب اللبناني مسيجاً بأكبر قوة دفاعية تنتشر فيه منذ تأسيس دولة لبنان ومنذ دخول هذه الدولة في عصر اتفاقية الهدنة مع هذا الكيان الطارئ على الشرق الأوسط.