11 أيلول لقطة تلفزيونية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبده وازن
خمس سنوات مضت على حادث 11 أيلول وخلالها أريق الكثير من الحبر وكتبت مقالات ودراسات يصعب إحصاؤها، ولا يزال هذا الحادث مثاراً لسجال سياسي وثقافي يبدو أنّ لا نهاية له.
لم يصبح سقوط البرجين ذكرى حدث رهيب حصل ذات يوم فهو ما برح يتجدد مع تجدد السجال حوله على رغم الرتابة التي باتت تكتنفه والتكرار الذي يقع فيه. وقد أضحت مقولات مثل "صراع الحضارات" و "الحوار بين الشرق والغرب" و "ثقافة الإرهاب" وسواها أشبه بالعناوين الكبيرة التي يحتاج إليها المفكرون والكتّاب والمثقفون في تحليلهم "ظاهرة" العصر التي يستحيل تناسيها.
الكلام عن "الحادث" الذي أثار ما أثار من ردود فعل عالمياً، قد يبدو مستعاداً وقديماً في أحيان، لكن اللقطة التلفزيونية الرهيبة التي سجلت تلك اللحظة الأشد رهبة تبدو كأنها صوّرت للتو وكأن الانفجار لم تمضِ عليه السنوات الخمس. صورة الطائرة التي تخترق البرج لا يمكن أن تصبح من الماضي. كأنها التقطت اليوم أو البارحة وليس قبل سنوات. صورة فريدة تلتها صورة فريدة أخرى تلتقط الطائرة الثانية التي اخترقت أيضاً البرج الثاني. وقد لا يكون من المبالغة القول إن هذا الحادث الهائل لم يكن ليلقى صداه لو لم تلتقط الكاميرا المشهد الذي تمّ فيه. الصورة هنا أقوى من الحادث لأنها الحادث نفسه ولكن مصوّراً تصويراً واقعياً صرفاً. هذه الصورة ستكون ذاكرة حادث 11 أيلول، ذاكرته الحية القادرة على أسره ليس "مجمداً" كما في اللحظة الفوتوغرافية بل حياً وكأنه حصل للتوّ.
إنها الصورة التلفزيونية القادرة على إعادة صنع الحدث ومنحه بعداً آخر قائماً على اختراق مفهوم الزمن. فالزمني هنا يصبح خارج إطار الزمني، واللحظة المسروقة من سيرورة الزمن تصبح لحظة فريدة داخل الزمن وخارجه في آن.
صورة لا تموت البتة من شدة واقعيتها القصوى بل من شدة تعبيريتها: تخترق الطائرة البرج وكأنها تخترق جدار الموت، تتحطم في الداخل وتهب النيران، ثم تتهاوى طبقات البرج بعضها فوق بعض. لا أحد يعرف ما حصل قبل هذا الاختراق في الطائرة نفسها ولا في المكاتب التي تدمر. كل الأسرار سقطت مع سقوط البرج. وأصبحت الصورة سر كل هذه الأسرار، الصورة في ما تُظهر وما تُخفي.
حتماً لو لم تنقل الصورة هذه اللحظة بواقعيتها الحية لكان مشهد 11 أيلول عادياً: برج يتهاوى كما يحصل في الأفلام. لكن اختراق الطائرة واجهة البرج كان اللحظة المريعة. أحياء على متن الطائرة يصطدمون بالمجهول وهم مفتوحو الأعين، خائفون ومرتعبون.
صورة أخرى رهيبة أيضاً: شخص رمى بنفسه من أعلى البرج بعدما يئس من أي محاولة إنقاذ. تلتقطه الكاميرا وهو يهوي حياً. ترى ماذا كان يحسّ هذا الشخص في تلك اللحظات؟ هل قضى وهو في الهواء أم عندما ارتطم بالأرض؟ هذه لقطة رهيبة أيضاً لأنها لقطة واقعية حيّة عن شخص سيموت خلال لحظات.
إنها الصورة التي تعيد صنع الحادث الأبرز في مطلع الألف الثالث، بل التي تعيد تشكيله لا ليكون جميلاً بل ليكون واقعياً أكثر من الواقع نفسه وحيّاً أكثر من الحادث نفسه.