جريدة الجرائد

أفغانستان من بوادر التحسن إلى أتون التوتر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


الأربعاء: 2006.09.13

باميلا كونستابل
مراسلة واشنطن بوست في كاراباغ- أفغانستان


عندما غامر "محمد نائب" بالعودة إلى قريته الواقعة شمال كابول بعد أن قامت الطائرات الأميركية والمقاتلون الأفغان بطرد ميليشيا "طالبان" منها عام 2001 وجدها أطلالاً، حيث جفت كروم العنب، ووجد المنازل وقد نُهبت، والمساجد وقد دمرت، وأشجار الأحراش المحيطة بالقرية وقد تفحمت.

أما اليوم فإن القرية المبنية منازلها بالطين والخشب، والتي عاد سكانها إليها أصبحت محاطة بكروم العنب اليانع، وازدحم الطريق الرئيسي المؤدي إليها بالمطاعم والورش ومحطات الوقود، لدرجة أن الضوضاء المنبعثة من حركة المرور عليه، أصبحت تغطي على الضجة المنبعثة من نقر المطارق التي يحملها العمال الذين يقومون بتركيب قبة من الصفيح اللامع على مسجد القرية الذي تم ترميم نصفه تقريباً.

"إن الحياة شاقة، ولكنها هادئة وهذا هو الشيء المهم"، هذا ما قاله" نائب" البالغ من العمر 55 عاماً، والذي يعمل بناء وهو يقوم بإزالة الركام من المسجد الذي تم طلاؤه حديثاً". وأضاف "نائب": "لدينا شكاوانا بالطبع، فالأجور منخفضة، والمياه شحيحة، والحكومة لا تقوم بحفر الآبار التي وعدت بها، ولكننا بعون الله سنتمكن من إتمام العمل في هذا المسجد قبل قدوم شهر رمضان".

وبعد يوم من إدلائه بهذا الحديث أدى انفجار سيارة مفخخة إلى مصرع 16 شخصاً في كابول التي تقع على بعد 30 ميلاً نحو الجنوب. وقد أظهرت العملية الجريئة التي تمت في وضح النهار هشاشة السلام في أفغانستان اليوم بعد مرور خمس سنوات تقريبا على الإطاحة بحكام "طالبان" الذين فرضوا نسخة متطرفة من الإسلام في البلاد ووفروا المأوى والملاذ لأسامة بن لادن.

ومنذ أواخر عام 2001 مرت أفغانستان ذات الخمسة والعشرين مليون نسمة بتجربة طموحة مدعومة بقوات وخبرة ومساعدات أجنبية تهدف إلى غرس الديمقراطية الحديثة في مجتمع مسلم فقير و"محافظ " للغاية.

كان هناك تقدم على عدة مستويات حيث تم عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية ووضع دستور جديد، وتكوين جيش وطني جديد، وتوفير قدر أكبر من الحرية للمرأة. وعلى مستويات أخرى كالمجتمعات الفقيرة ومنها "كاراباغ" كان هذا التقدم محدوداً حيث لم تتحقق سوى مكاسب اقتصادية واجتماعية ضئيلة مثل تعيين ممرضات لنصف الوقت في العيادة الصحية بالقرية وفرش المدرسة بالسجاد والعودة إلى زراعة العنب الذي يبلغ محصوله اليوم نصف محصوله أيام "طالبان".

أما في المقاطعات الجنوبية التي أفرزت في السابق حركة "طالبان" فإن الوضع تدهور ووصل إلى مرحلة الحرب المكشوفة بعد أربع سنوات من الهدوء النسبي. فالمتمردون هناك يقاتلون قوات "الناتو" ويستخدمون أسلوب السيارات المفخخة، مما أدى إلى خروج آلاف القرويين من منازلهم هرباً من عنف المتمردين والضربات الجوية لطائرات "الناتو".

في نفس الوقت ازدهرت زراعة الأفيون ووصلت إلى مستويات قياسية خصوصاً في الجنوب بعد أن توقفت تقريباً في عهد "طالبان".

تعليقاً على الوضع أدلى "مارك لايتي" المتحدث باسم قوات "الناتو" في المنطقة بتصريح قال فيه: "نحن نقوم بشن عدد من الهجمات ولكن طالبان تقوم بهجمات أيضاً... وعلى الرغم من الخسائر التي عانوا منها يتمسكون بمواقعهم".

ونتيجة لخطورة الأوضاع في الجنوب فإن لقائد العام لقوات "الناتو" في أفغانستان، طالب الدول الأعضاء في الحلف بتوفير 2500 جندي جديد لدعم قواته.

وفي الشهر الماضي امتد العنف إلى منطقة كابول وشرق البلاد مما أوجد حالة من عدم الأمان هناك.

في نفس الوقت يعبر السكان حتى في الشمال والجنوب التي وصل إليها التمرد بالكاد عن خيبة أملهم في أداء حكومة حامد قرضاي التي لا تزال بعيدة عن الشعب، ولا تزال الخدمات والحماية التي توفرها غير كافية علاوة على عجزها عن تصحيح الكثير من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مثل سوء حالة الطرق، وعدم فعالية نظام المحاكم، والنقص الكبير للغاية في عدد الأطباء، وفي أعداد ضباط الشركة والفساد المستشري، مما أدى إلى ضعف الثقة في تلك الحكومة بشكل عام.

فحتى العاصمة كابول التي يبلغ عدد سكانها 3,5 مليون نسمه لم يتحقق بها سوى قدر محدود من التقدم التجاري والاجتماعي الظاهري، حيث أقيمت العشرات من مباني المكاتب، وتم فتح الكثير من الصالونات والمحلات، وانتشر استخدام ماكينات الصراف الآلي في البنوك، كما ازداد عدد الهواتف الخليوية التي يستخدمها السكان. هذه القشرة الخارجية من التقدم اقتصرت على العاصمة أما الكثير من المناطق والمدن والقرى فقد ظلت بدون ماء ولا كهرباء، وتفاقم فيها الفقر وخصوصاً بعد عودة اللاجئين إلى البلاد بأعداد كبيرة. علاوة على ذلك، تفاقمت مظاهر التوتر العرقي على الرغم من المحاولات الأجنبية لتشكيل حكومة تضم المجموعات العرقية الرئيسية في البلاد. وقد كشفت الاضطرابات الكبيرة التي حدثت في شهر مايو الماضي في أفغانستان عن عمق الإحباط الشعبي وكذلك فشل قوات الشرطة في توفير الحماية.

ويعترف المسؤولون الأفغان بهذا القصور كما يعترفون أيضاً بأن المؤسسات القانونية والديمقراطية لا تزال ضعيفة، إلا أنهم يشيرون مع ذلك إلى مظاهر التحسن التي حدثت مثل تعيين قضاة محكمة عليا أكثر تأهيلاً، وتعيين لجنة لمقاومة الفساد، وأخرى لحقوق الإنسان.

وبعد قيام المتمردين باستغلال ضعف الحكومة من جهة والإحباط الشعبي من جهة أخرى، فإن العديد من الخبراء حذروا من أن الإنجازات التي تحققت خلال الخمس سنوات الماضية، وكذلك قدرة الحكومة الأفغانية ذاتها ستكون عرضة لخطر جدي.

وإنقاذ الوضع كما يقول "بارنيت روبين" الخبير الأميركي في الشؤون الأفغانية يتطلب زيادة كبيرة في المساعدات الخارجية، وإعادة توجيه تلك المساعدات وإجراء إصلاحات جدية في النظام العدلي والأمني والقضاء على شبكات دعم "طالبان" في باكستان المجاورة ومن دون ذلك، فإن الوضع كما يقول هذا الخبير سيظل خطراً بل قد يزداد خطورة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف