جريدة الجرائد

في ذروة السجال السياسي: أي لبنان نريد بعد القرار 1701 وتداعياته؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


بيروت - محمد شقير


ما إن توقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وقبل ان يستكمل استيعاب الدمار الكبير الذي خلفه ولملمة تداعياته السياسية والاجتماعية والأمنية، حتى اندلعت الحرب السياسية الداخلية وأخذ السجال الإعلامي وتبادل الاتهامات يتصاعدان بين "حزب الله" وحليفيه "التيار الوطني الحر" بزعامة العماد ميشال عون و "اللقاء الوطني" الذي يضم أبرز الوجوه الحليفة لسورية من جهة وبين قوى 14 آذار صاحبة الأكثرية في البرلمان من جهة ثانية.

وحده رئيس المجلس النيابي نبيه بري الموجود حالياً في جنيف يقف في منتصف الطريق بين الفريقين المتصارعين ويسعى النائب في حركة "أمل" علي حسن خليل وبالنيابة عنه الى تنفيس اجواء الاحتقان في محاولة لتهدئة الجبهة الداخلية، ريثما يعود من زيارته الخاصة ليطلق مبادرة قد تكون الاخيرة لقطع الطريق على انتقال الاختلاف الى الشارع.

فاللبنانيون على مختلف انتماءاتهم يعيشون هواجس جدية حيال اللجوء الى الشارع وما قد ينتجه من إشكالات طائفية ومذهبية، خصوصاً بين الشيعة والسنّة في ظل ارتفاع وتيرة الاستنفار المذهبي في الايام الاخيرة.

المشهد السياسي اللبناني كما يقول المراقبون بدأ يختلف كلياً عنه قبل العدوان الاسرائيلي، إذ ان الخلاف بين "حزب الله" و "قوى 14 آذار" كان محكوماً بالتواصل بين الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية سعد الحريري. كما انه بقي في إطاره السياسي العام ولم ينعكس سلباً على الشارع نظراً الى قدرة المعنيين على السيطرة عليه، خلافاً لما هو حاصل اليوم إذ ان الفلتان السياسي في الاحياء أخذ يتعمق من دون ظهور بوادر انفراج تضبطه وتمنعه من ان يأخذ طريقه الى الصدام.

وعلى رغم ان الأبواب لم تقفل بعد في وجه تحرك الوسطاء في اللحظة الاخيرة وفي الوقت المناسب، فإن الاتصالات مقطوعة حالياً بين نصر الله والحريري اللذين لعبا في السابق دور الاطفائي لتبديد الاحتقان وتصرفا كصمامي أمان لطمأنة الشارع.

ماذا يقول كل فريق في الدفاع عن وجهة نظره، في ضوء إقرار كل منهما ضمناً بأن الفلتان لا يهدد الوحدة الداخلية فحسب، وإنما يفسح المجال أمام دخول اطراف متشددين على خط السجال من اجل تأزيم الوضع حتى لو اضطرهم الامر الى اللعب بالأمن والاستقرار العام؟


مآخذ "حزب الله"

يأخذ قيادي في "حزب الله" على الأكثرية أنها كانت تراهن أثناء العدوان على حصول انقلاب يضعف الحزب، وان بعض اطرافها كانوا يتمنون لو استمرت الحرب أياماً أخرى للتخلص من سلاح المقاومة. ويضيف هذا القيادي الذي فضل عدم ذكر اسمه أن بعض الاطراف في "14 آذار" أمنوا الغطاء السياسي لاستمرار العدوان وسارعوا الى فتح ملف سلاح المقاومة في الوقت الذي كانت تخوض فيه أشرس المعارك ضد اسرائيل.

وإذ يؤكد القيادي كلام نصر الله عن الدور الذي لعبه هؤلاء الاطراف في الغرف الديبلوماسية المغلقة يسأل في المقابل عن دور الإعلام التابع لـ "تيار المستقبل" طوال فترة العدوان وعن الاسباب التي دفعت النائب الحريري الى الانقطاع عن التواصل مع قيادة الحزب في الاسبوع الثاني على بدء العدوان ومن ثم الاتصال للاطمئنان الى قياديين في الحزب فور وقف العمليات العدائية مع ان بينهم اكثر من صديق مباشر له.

ويضيف القيادي أن بعض الاطراف في "14 آذار" سارع الى الحديث عن التوقيت الخاطئ في اشارة الى أسر الجنديين الاسرائيليين وفي محاولة لتحميل الحزب مسؤولية ازاء اندلاع الحرب. ويتهم ايضاً النائب الحريري بأنه كان يتحدث في لقاءاته مع التجمعات البيروتية بلهجة تحريضية ضد الحزب وانه التقى اخيراً جمعية تعليمية يغلب عليها الطابع الشيعي، داعياً اعضاءها الى ضرورة التميّز عن الحزب والى رفع الصوت عالياً ضده.

ولم ينج رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من انتقادات هذا القيادي، بذريعة انه يستمر في الحديث عن أن لا سلاح غير سلاح الشرعية وان السلطة اللبنانية عازمة على بسط سلطتها وسيادتها على كل الاراضي وان الظروف تبدلت الآن وان على قيادة الحزب ان تبادر الى استقراء المتغيرات في المنطقة والتصرف على أساسها.

لكنه يقر ايضاً بأن الحزب لم يفتح النار على الحكومة ورئيسها وان بري تحدث باسمه وبالنيابة عن قيادة الحزب في الخطاب الذي ألقاه في مدينة صور لمناسبة الذكرى الثامنة والعشرين لاختفاء الإمام السيد موسى الصدر، مشيراً الى ان الحزب كان يعض على الجرح ويرفض الالتفات الى الحملات التي تشن عليه في الداخل وهو يتصدى للعدوان. إضافة الى انه لم يهجم على الحكومة وان كان لم يمتدحها.

ويلفت الى أن موقف الحزب من الحكومة تبدل بعد ان شعر بأن بعضها يحاول توفير غطاء للعدوان، مؤكداً أن السنيورة أراد من حديثه باستمرار عن عزم الدولة على بسط سلطتها وعدم وجود سلاح غير الشرعي منه تسديد فواتير سياسية الى الخارج وتحديداً الى الولايات المتحدة الاميركية.

ويؤكد القيادي نفسه أن الحزب فوجئ بالبيان الصادر عن قادة "14 آذار" وانه كان يتردد في الرد عليه لو انه صدر عن لجنة المتابعة المنبثقة من الأكثرية، لكنه اضطر للرد من باب الدفاع عن النفس ولدحض الاتهامات التي "تستهدفنا وتحاول التعاطي معنا وكأننا مهزومون في الحرب".

ويتابع: "ان الحزب عندما طالب بحكومة وحدة وطنية، لم ينطلق من دعوته الى احداث انقلاب في المعادلة الداخلية او الى تطيير الحكومة في أسرع وقت بمقدار ما انه رأى أن حكومة جديدة قادرة على توفير الجاهزية لإزالة آثار العدوان ولمكافأة العماد ميشال عون على موقفه الداعم للمقاومة علماً ان طرحه في حينه بقي في حدود إبداء وجهة نظر قابلة للنقاش وليست مفروضة على الآخرين"، مؤكداً أن القاعدة الحزبية وكوادر المقاومة كانوا يتوخون ان يذهب نصر الله بعيداً في انتقاده لقوى 14 آذار وألا يكتفي بالحديث عن المراجعة التي يجريها حالياً تحت عنوان "ان هذه الحكومة غير مؤهلة لمواجهة الاستحقاقات الداهمة". وانها كانت تتمنى لو انه لوح باستقالة نواب الحزب من البرلمان.

ويؤكد القيادي أن لا مشكلة مع بري في الموقف من التغيير الوزاري، لا سيما ان التنسيق قائم بين الطرفين على قدم وساق وظهر جلياً طوال فترة العدوان وبعده. لكنه يسأل: "ما الخطأ في قول نصر الله أنه لو كان يعلم بحجم رد الفعل على خطف الجنديين الاسرائيليين لما قمنا به، وهل من غير الجائز ان يصارح جمهور المقاومة لتبادر الأكثرية الى استغلال كلامه هذا؟".


السنيورة: أين الخطأ؟

وفي المقابل، يرفض السنيورة المتألم جداً من الكلام الذي تناوله فيه نصر الله، ان يرد على الاخير، لكنه يسأل بلهجة يغلب عليها الأسى مخلوطة بشكوى: "هل بهذه الطريقة يخاطب رئيس الحكومة، وهل انعت وكما تقول اوساطه، بكل هذه النعوت لأننا أوقفنا الحرب؟ وأي خطأ ارتكبناه وأين كانت المؤامرات في الغرف المغلقة. وهل ترددنا في التنسيق مع الحزب وأحياناً من خلال بري؟".


ملاحظات "المستقبل"

واكتفت مصادر مقربة من الحريري بالرد على نصر الله بالمقالة التي تصدرت جريدة "المستقبل" في عددها الصادر أول من أمس، تحت عنوان "فعلاً المشكلة أخلاقية" وأوردت فيها مجموعة من الملاحظات على المقابلة التي أجرتها محطة "الجزيرة" مع نصر الله بدءاً بالمقارنة بين استقبال رئيس وزراء بريطانيا توني بلير وبين الاستقبال الاحتفائي لأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في الضاحية الجنوبية ومروراً بمخاطبته للسنيورة بـ "هيدا رئيس الحكومة" وانتهاء بالدور الذي لعبه النائب الحريري في الدفاع عن "حزب الله" في المحافل الدولية وإخضاع سلاحه للحوار الداخلي. إلا أن مصادر اخرى في "تيار المستقبل" سألت: هل انتصار الحزب انتصر على رئيس وزراء اسرائيل ايهود أولمرت لا يستكمل او يعتبر منقوصاً ما لم يكن مقروناً باسقاط الحكومة لمكافأة رئيسها على ما قام به من جهود بالتعاون مع بري لوقف الحرب؟".

واعترفت المصادر بأن الاتصالات كانت قائمة بين الحريري والمعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل من طريق صديق مشترك، وانها استمرت أياماً عدة بعد بدء العدوان لكن قيادة الحزب تعرف لماذا توقفت ومن المسؤول عن تجميدها، خصوصاً انها على علم بما صدر عن مسؤول في الحزب بحق الحريري شخصياً في جلسة خاصة نقلت تفاصيلها تدريجياً الى الخارج؟ ولفتت الى انها لا تفهم هجومه الشديد على "قوى 14 آذار" في الوقت الذي علق نصر الله على "النداء السابع" لمجلس المطارنة الموارنة بالدعوة الى الحوار والتواصل مع ان بعض ما ورد في النداء تقاطع مع ما جاء في بيان الأكثرية بالنسبة الى التفرد في اتخاذ القرار والانفراد بحمل السلاح من دون مطالبتها بنزعه.

وأضافت هذه المصادر أن الحريري لم يبادر الى وقف الحوار مع نصر الله على رغم اختلافه مع أكثرية الاطراف في "قوى 14 آذار"، لإيمانه بأن لا غنى عنه وانه ضرورة للحفاظ على وحدة المسلمين كأساس لحماية الاستقرار العام في البلد بالتعاون مع الآخرين، على رغم ان البعض كان يأخذ عليه ويقول له صراحة إن لا جدوى من هذا الحوار الذي يستمر لساعات طويلة طالما ان الحملات الاعلامية لم تتوقف على لسان من تستضيفهم محطة "المنار" سواء ضد لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري أم الحكومة واتهامها بالفساد والهدر غامزين من قناة الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وسألت: "كيف تبدل الموقف من السنيورة وحكومته، من اعتبارها حكومة المقاومة الديبلوماسية الى حكومة تغطية العدوان"، وقالت: "ما الخطأ في تذكير السنيورة بعزم الدولة على بسط سلطتها على كامل أراضيها وهل مطلوب منه ان يقول كلماً بخلاف ذلك وهو يخاطب المجتمع الدولي طلباً لمساعدة لبنان والوقوف الى جانبه للتغلب على الآثار المدمرة للعدوان، خصوصاً ان كلامه هذا لا يتناقض ومضمون النقاط السبع التي كان تبناها مجلس الوزراء وأيدها وزيرا "حزب الله"، إضافة الى تبدل موقف الحزب من رئيس "اللقاء النيابي الديموقراطي" وليد جنبلاط فمن مشيد به الى منتقد له، خصوصاً لجهة تعاطيه مع العدوان ونتائجه؟".

ورأت المصادر أن الحريري كان يختلف أحياناً مع السنيورة لمصلحة الحفاظ على علاقته بـ "حزب الله" وانه كان يتدخل لتغليب التفاهم على الاختلاف في وجهات النظر. وسألت: "هل كل هذه المواقف تذهب بجرّة قلم؟".

أما الحديث عن إعلام "المستقبل" فإن محطة "المنار" لم تقصر ابداً في استضافتها لرموز سياسيين معروفين بمواقفهم العدائية مع ان هذه المسألة كانت تثار في لقاءات الحريري الثنائية مع الحزب من دون التوصل الى حسمها. كما ان لا صحة لما تردد من ان الحريري يقوم بتحريض مجموعة من نخبة الشيعة كان التقاهم أخيراً، مؤكدة - وبحسب المصادر - انه تحدث بعتاب لا يخلو من الود عن مراحل علاقته بنصر الله عارضاً الاسباب التي كانت وراء تراجعها، ولافتاً الى ضرورة الحفاظ على وحدة المسلمين ومنع انعكاس السجال على الشارع، وبالتالي هل من مشكلة في الانفتاح على الجميع علماً ان الحزب يلتقي من يريد وهو حر ولا اعتراض من ناحيتنا؟

وسألت المصادر: "هل ان البعض بدأ يشعر بأن حجم السنيورة كبر بفضل الدور الذي لعبه اثناء العدوان وان لا بد من إضعافه ولأسباب ما زالت مجهولة؟".

إلا ان القول، من وجهة نظر المصادر ذاتها، أن هناك من استغل كلام نصر الله عن أسر الجنديين، لا يستاهل كل هذا الهجوم، خصوصاً انه اعترف ضمناً بأنه لم يكن يتوقع كل حجم الرد الاسرائيلي، إضافة الى ان قياديين في الحزب كانوا توقعوا ألاّ تكون اسرائيل قادرة في ظل أوضاعها الداخلية، على توسيع رقعة الرد وان بنقل تجربتها في غزة الى الجنوب صعب نظراً الى ما لدى المقاومة من سلاح رادع يمكنها من خلق توازن للرعب. "ناهيك بأنه ممنوع علينا ان نسأل الى أين نحن ذاهبون بالبلد في ظل مخاوف جدية - قد لا تكون صحيحة لكنها قائمة - من الاستقواء بسلاح المقاومة على الداخل لا سيما ان هناك من يعاملنا كأننا نحن الذين خسرنا الحرب؟".


لا أحد معصوماً من الخطأ

وقالت المصادر ان أحداً في لبنان ليس فوق الغربال ومعصوماً من النقد فيما ينظر "حزب الله" الى ان الآخرين وحدهم تحت الغربال ويرتكبون الأخطاء والهفوات بينما هو معصوم عن الخطأ، ويحق له ان يقرر ما يريد وان يذهب بالبلد الى قرار لا يتشاور فيه مع شركائه السياسيين الذين لم يتهربوا من تحمل المسؤولية لكنهم لا يقبلون تخوينهم. وهناك من يأمل بأن يكون التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات بلغ ذروته في الساعات الاخيرة، ليعود الجميع الى الحوار بحثاً عن مخرج يوقف الحرب الكلامية لمصلحة مواجهة آثار العدوان للنهوض بلبنان مجدداً، لا سيما ان التغيير سيواجه صعوبة، ليس بسبب عدم حماسة بري له لخوفه من الفراغ فقط (مع انه لا يجوز الاستخفاف فيه)، وانما بسبب الأجواء في ظل تصاعد حملات التحدي، على خلفية أي لبنان نريد بعد القرار الدولي 1701؟ ان هذا السؤال هو أساس الأزمة.

كما ان هناك صعوبة - بحسب ما يقول المراقبون - في العودة بالوضع الى الوراء لكن على قاعدة ضرورة تكيف الحزب مع موجبات هذا القرار انطلاقاً من انه شريك أساسي في المعادلة السياسية وقاد المواجهة مع اسرائيل وان لا نية للتفريط به، شرط ان يتعامل مع الآخرين بواقعية بعيداً من التخوين، لا سيما بعد موافقته على النقاط السبع والتعديلات التي أدخلت على مشروع القرار الفرنسي - الاميركي ليستقر على الصيغة التي تبناها مجلس الأمن بما فيها البند الخاص بالقوات الدولية الجديدة. وفي الختام سأل المراقبون ما اذا كانت الظروف ما زالت مؤاتية لتفادي الخيارات الصعبة التي لا يريدها احد، والتي لا يمكن تجنبها إلا بالعودة الى الحوار، لأن ليس في مقدور هذا الطرف أو ذاك أن يغطي تكاليف مثل هذه الخيارات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف