غزوات القاعدة في مانهاتن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
منتصر الزيات
أكثر ما يثير الحنق والغثيان أنه برغم مرور خمس سنوات لم تخضع آثار الحادي عشر من سبتمبر لتقييم موضوعي يتسم بالشمول والموضوعية حتي الآن ، وانقسم الناس إلي فريقين أحدهما يصب لعناته علي القاعدة والذين نفذوا تفجيرات نيويورك وواشنطن وما سببوه من ويلات للإسلام والمسلمين ، وفريق أخر يري غزوات القاعدة في مانهاتن نصرا وعزا استعاد الكرامة المفقودة ، كما أن كثيرين ممن ينتسبون للحركة الإسلامية شخصنوا هذه الأحداث واختصروها بشكل مبتسر في شخوص زعيم تنظيم القاعدة ، الشيخ أسامة بن لادن أو الدكتور أيمن الظواهري سلبا أو ايجابا 00 وبذلك انحدر التقييم الموضوعي عن جادته الطبيعية . ورغم هذه السنوات الخمس علي طولها وتعدد الأحداث خلالها فقد ازداد الارتباك في كيفية التعاطي مع تلك الأحداث الدامية ومنطق الاشتباك معها بطريقة تدفع عجلة البحث عن وسائل وآليات تحقق للأمة انطلاقة وسط دوامات الصراع العولمي وعمليات صناعة مراكز النفوذ في عالم تعاد صياغة مواطن القوة فيه وفق مقومات جديدة.
وثمة خلط معيب بين طريقة ادارة الصراع مع دوائر غربية مشبوهة تترصد بالاسلام كدين وبين ثقافة القائمين علي ادارة الصراع ويهمنا في هذا الصدد إزالة هذا الالتباس الحاصل حول الفرق بين مساحة عريضة متفق عليها بشأن ضرورة الحفاظ علي ميراث تاريخي للأمة يتمثل في حضارتها وهويتها وعقيدتها ومخزونها الروحي العتيق وتأكيد احترام الرموز والقادة الذين يتولون قيادة طليعة المقاومة لكل محاولات التغريب وطمس الهوية من ناحية وبين ضرورة تدارس النتائج التي وقعت ومست مصالح لعموم المسلمين نتيجة أحداث خطط لها من خلال منظومة فكرية محدودة لآحاد المسلمين ممن ينتسبون لفصيل من روافد الحركة الإسلامية العريضة . فإلقاء اللوم كاملا علي أسامة بن لادن والظواهري ظلم كبير لهما كما أن ، جعلهما فوق النقد يشير إلي خلل جوهري في طريقة استقراء وتحليل لعبر والدروس.
واللافت للانتباه أن المعطيات التي يتم رصدها من داخل المعسكرات المتنافرة التي تتبادل ادارة الصراع العقائدي أو السياسي بين الشرق والغرب"تنبئ بأن ثمة نمطية التحضير تفضي بالضرورة إلي تكرار النتائج نفسها 0فالمعسكر العولمي بزعامة الولايات المتحدة يدق طبول الحرب معلنا عن جولة جديدة من حرب مفتعلة ضد ما أسموه " الإرهاب "لم تعد ملامحها خافية علي أحد وتتبلور في الإعلان عن ضرورة إسقاط صدام حسين وهو ما يفضي عمليا إلي العدوان علي الشعب العراقي وضرب البنية التحتية للعراق وزرع حكومة "كرازية " جديدة تدين بالولاء لها في الوقت الذي تسعي أمريكا إلي تمرير حملات معدة بعناية ضد السياسات المصرية والسعودية التي تراها المتصادمة مع مصالحها.
والمعسكر الأصولي أيضا- وبخاصة داخل نطاق القاعدة وما حولها -لم تزل لغته المعتمدة في الخطاب هي صب اللعنات علي الأمريكان وفي الوقت نفسه علي كل من يوجه نقدا أو يسدي نصحا لزعماء القاعدة وطالبان ، وبالجملة ضد كل من لا يري في تلك الأحداث التي وقعت في نيويورك وواشنطن نصرا مؤزرا !! وعلي هذا فلم تكد دوائر متنوعة داخل العالم العربي والإسلامي تبدأ في حساب الأرباح والخسارة المترتبة علي ما حدث بطريقة موضوعية وهدأت الخواطر وتراجع التعاطي العاطفي الانفعالي إلا والولايات المتحدة تصر علي تكريس مشاعر الغضب ضدها وضد سياساتها عربيا وإسلاميا ، ولكن وفق مخططات تخدم مصالحها دون النظر إلي تأمين سلامة المجتمع الدولي أو الشرق أوسطي ، وهو المبدأ الأول الذي قامت عليه الأمم المتحدة مع عدم قناعتنا بقدرتها علي أداء دورها وسط محاولات الولايات المتحدة للانفراد بساحتها بحرصها علي إفشال كل البدائل المطروحة لنزع فتيل الأزمة العراقية بعيدا عن الخيار العسكري ، لتعود الحسابات العاطفية مجددا وترتفع الحناجر العربية بالضجيج والهتاف دون تقدم ملموس في طريقة ادارة الصراع أو تغير زعمائه.
لكن يهمنا في هذا السياق أن نؤكد مجموعة من الثوابت التي تترابط مع بعضها البعض :
1- أن التصدي للهيمنة الأمريكية واجب شرعا وعقلا وواقعا علي كل العرب والمسلمين وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.- أننا نتضامن مع كل اللعنات التي تطلقها الحناجر العربية ضد القرصنة الأمريكية ، لكننا فقط ندفع في اتجاه حض النخب والزعامات العربية علي اعتماد وسائل وآليات وبدائل تفضي إلي بناء حائط صد حقيقي يحفظ للأمة كيانها وتراثها ويشق طريقا لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير المنعة الأمنية.- أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليست شرا محضا ، فأهم ما يمكن تصنيفه ضمن آثارها الإيجابية شعور رجل الشارع العربي بالخطر يتهدد أمنه وعقيدته ، وهويته وهو ما يدفعه إلي التحوط ضد كل محاولات التغريب والمسخ والانكفاء أو الالتفاف من ثمّ حول زعامته الحقيقية والشعبية 00 وأكاد أستشعر أن الخطر لا يفرق كثيرا بين الشعوب والحكومات في العالم العربي ، فمصالح الأخيرة أيضا باتت مهددة.- إن استمرار الولايات المتحدة في طغيانها لا يبرر لنا بحال تجاهل الآثار السلبية لأحداث نيويورك وواشنطن التي يتصدرها سقوط حركة طالبان بما كانت تمثله من رمزية لكل المحبين للفكرة الإسلامية الذين كانوا يترقبون نتائج إقامة مشروع إسلامي معاصر ممثلا في دولة أفغانستان ، وسط حملات تشكيك محمومة ضد أي محاولات لتقنين واقع عملي لمنهج إسلامي متكامل ، ومن ثمّ سقطت هذه الدولة الوليدة التي أحاطتها قلوب المسلمين في كل أنحاء المعمورة . رغم ما شاب التجربة من قصور ومعوقات فكانت الرغبة في تلافيها والحرص علي تنقيتها مما شابها تقاوم نداءات الرفض والتشهير والاستنكار من بعض الدوائر سواء الداخلية أو الخارجية المتآمرة
0 وإذا كان البعض يراهن علي عودة طالبان مرة أخري لأسباب عديدة ربما أبرزها نزع سلاح البشتون لحساب الطاجيك وتعرضهم أي البشتون لوسائل حادة في تجفيف منابع الزعامة الطبيعية المتوافرة لديهم مع استمرار تماسك البنيان الداخلي لحركة طالبان واعتبارها الجناح الوحيد المسلح داخل البشتون قد يعيدها إلي صدارة زعامة البشتون من جديد وهي تقود حرب عصابات ناجحة في جنوب وشرق أفغانستان علي ما يتم رصده خلال الفترة الأخيرة 0فإن هذا الاعتقاد لا بد أن يدفعنا أكثر من أي وقت مضي إلي ضرورة تنقية المسيرة من أخطائها وتقبل مثل هذه المحاولات بروح إيجابية تستهدي بالأخلاق الإسلامية والتعاليم النبوية الراشدة.- إنني في النهاية أكاد أجزم أن الولايات المتحدة كانت تعد العدة منذ زمن لضربنا وتخطط لحصارنا ماديا ومعنويا وسياسيا ، لكن ذلك لم يمنعني أن أستشعر مسئولية الذين قاموا بالأحداث الدرامية في نيويورك وواشنطن عن تقديم الغطاء اللازم والسهل للأمريكان لتبرر ضربنا وتحطيم مقدراتنا فسقطت طالبان وأفغانستان ثم العراق وضربت لبنان وصرنا نحن نقترع عن الدولة العربية أو الإسلامية صاحبة الدور بعد العراق إيران أم سوريا ؟ تحاربنا أمريكا بوسائل إعلامنا في عقر دارنا 00 لا بد أن نحلم بقدرتنا علي إمكان إدارة الصراع مع الآخر المعادي بمنظومة متكاملة شعبيا ورسميا عربيا وإسلاميا أكثر من مجرد خوض حروب عصابات محدودة حتي لو أدت في فترة سابقة لهز هيبة أمريكا بتدمير مبنيي مركز التجارة العلمي بما لهما من رمزية كبيرة !!
بابا الفاتيكان : بعد أن فرغت من كتابة مقالي بمناسبة خمس سنوات علي أحداث سبتمبر والذي وعدت القراء به الاسبوع الماضي حملت وكالات الانباء معلومات مؤسفة عن تناول حقير لبابا الفاتيكان للإسلام الدين العظيم والنبي الخاتم صلي الله عليه وسلم ، وهو أمر يؤسف له ، يكرس ثقافة صدام الحضارات التي خرجت من رحم الغرب ومفكريه ولم تخرج من العالم الاسلامي ، جاءت كلمات بندكت لتكمل صورة قبيحة رسمها هينتنجتون وفوكوياما وريتشارد نيكسون وجورج دبليو بوش ، وإذا كان المقام لم يسمح فإني علي ثقة بأن العالم كله سيهب نصرة لخاتم النبيين ودين الإسلام دين السماحة والسلام ، ولنا عودة الأسبوع القادم.