زيارة بلير لبيروت: بحث في جذر المشكلة قبل نتائجها

حكم البابا


تظاهرت جماهير قوي سياسية لبنانية عديدة احتجاجاً علي زيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلي بيروت، ومعهم حق فبلير ليس شريكا فقط في العدوان الاسرائيلي علي لبنان، بل وفي الاحتلال الأمريكي للعراق، وربما لم يمر ساكن علي 10 داوننغ ستريت إلاّ وبلل يديه بدماء العرب ـ بطريقة من الطرق ـ منذ وعد بلفور وحتي اليوم، لكن أليس من الأجدي قبل أن نعتب علي بلير وغيره من قادة الدول الغربية ونطالبهم بالوقوف في صف العرب أو تبني قضاياهم، أن نطلب من العرب أنفسهم ذلك؟

أكثر التبريرات العربية راحة هي نعت بلير وبوش وغيرهما بأنهم يخدمون السياسة الاسرائيلية في المنطقة، وأن سياساتهم في المنطقة العربية خاضعة لتأثير اللوبيات اليهودية في بلدانهم، وأكثرها سهولة هي إلقاء تبعات كل تقصير عربي (بدءاً بالسياسات العليا لدول الغرب التي تتحكم بمصير العرب، وانتهاء بتبرير رسوب طالب عربي كسول يدرس في الغرب بالبحث عن جذور يهودية لمدرسيه) علي النفوذ اليهودي المتغلغل في دوائر صنع القرار في الغرب، فذريعة اسرائيل ولوبياتها كافية لسد كل حلق، وإخفاء أي تقصير، وإخراس كل انتقاد، وأكثر هذه التبريرات سذاجة تتمثل في الخطاب المدرسي لنوع من العروبة الغبية الذي يري بأن اللوبيات اليهودية صاحبة النفوذ في الغرب استطاعت اقناعه بغرس خنجر اسرائيل في قلب الوطن العربي لمنع تقدمه وتنميته ووحدته (وكأن العرب لم يكونوا مفتتين حينها، وينتقلون بين الاحتلال العثماني والاستعمار الغربي والاستبداد الوطني)، وكانوا قرب قوسين أو أدني من مرحلة تخصيب اليورانيوم، أو يضعون أقدامهم علي سلّم المركبة الفضائية التي ستقلهم إلي القمر، أو توصلوا لاكتشاف أكسير الحياة وسرّ الخلود، فجاء الغرب وفي هذه اللحظة النهضوية من تاريخهم وخلق دولة اسرائيل ليمنع تقدمهم، أو أن الغرب أحب اليهود من أول نظرة وقرر إقطاعهم جزءاً من الأرض العربية كرمي لسواد عيونهم، أو كأن للغرب ثأرا بايت مع العرب وقرر أخذه بإنشاء دولة اسرائيل.

ولو سلمنا بأي من هذه السيناريوهات التآمرية أو العاطفية أو الثأرية التي تقف خلف كل الاخفاقات العربية منذ قيام دولة اسرائيل حتي اليوم، فلماذا لم يستطع العرب الموجودون في الدول الغربية التحول علي الأقل إلي كتلة قادرة علي حماية أفرادها من تهم الارهاب التي طالتهم جميعاً بعد أحداث 11 أيلول، لمجرد كونهم ينتمون بالاسم أو بالولادة أو بالدين أو بالأصول إلي المنطقة العربية، فضلاً عن تأسيسهم للوبيات مؤثرة وفاعلة في سياسات الدول الغربية التي يملكون فيها جاليات ربما تكون الأكبر، ولديهم الثروات الطبيعية والأموال والجغرافيا الاستثنائية والطاقات البشرية، في حين تمكنت اللوبيات اليهودية (المكونة من مجموعة فارين من المحارق النازية وسكان الغيتوهات المغلقة) عبر مجموعات ضغطها في تلك الدول من إنشاء دولة لا أساس لها إلا في الأساطير والكتب، والحصول علي دعم وتأييد هذه الدول في كل المراحل والظروف لسياستها العدوانية وحروبها التدميرية؟

هل يجرؤ أحد من العرب الإقرار بأن السبب الحقيقي لعدم وجود لوبي عربي فاعل ومؤثر في سياسات الدول الغربية، يكمن في كون جالياتهم في تلك البلدان تتشكل في غالبيتها من مجموعة مواطنين فروا من أنظمتهم بسبب الاضطهاد السياسي، أو هرباً من سوء الأوضاع الاقتصادية، وأن هؤلاء لن يدافعوا عن أنظمة احتكرت السياسة ومنعتها عنهم واضطهدتهم وأفقرتهم، ولن يشكلوا لوبيات ليزداد نفوذها وتتضاعف ثرواتها ويتوارث أبناؤها حكمهم، هذا إذا لم يتحولوا إلي مجموعات معارضة تستقوي بالغرب علي الأنظمة التي شردتهم، وأنه بدون أن يشعر العربي بأنه يعيش حياته كلها كمواطن لا مجرد هتّيف دائم في مسيرة تأييد مستمرة لسلطاته، وبأن جثة الاسرائيلي لا تبادل بألف سجين عربي حي، وبأن صحفه تصدر في بلاده، ولا يهاجر صحافيوها إلي عواصم الغرب لاصدارها وكتابة مقالاتها، وبدون أن يتحول العرب من عرب مقسمي الولاءات بين أمريكا والاتحاد السوفييتي (سابقاً) وإيران، إلي عرب فلسطين والعراق وسورية ومصر والسعودية ولبنان، لن يتشكل لوبي عربي يضغط علي دوائر صنع القرار في الغرب، ويستطيع التأثير في سياساتها.

وأننا سنبقي نتظاهر ونعترض ونندد ونستنكر وندين ونشجب سياسة بلير وبوش وسواهما إلي أبد الآبدين، دون أن يكون لاعتراضاتنا أي تأثير علي رؤيتهم الاسرائيلية للمنطقة العربية، ما داموا يعرفون أن الصوت العربي في بلداننا أو بلدانهم لا يشكل وزناً في صناديق انتخاباتهم، ولايستطيع أن يقف في وجه مصالح شركاتهم الاقتصادية، ولا يملك القدرة علي منع النفط أو الغاز أو أي ثروة من ثروات البلدان العربية عنهم.