صدام الحضارات في العلاقات الدولية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
توفيق المديني
منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 والحروب المتسلسلة التي استتبعتها (حرب أفغانستان، حرب العراق، والحرب الأخيرة في لبنان) تشهد، على طريقتها، وعلى السمات الجديدة للعالم بمضيّ خمسة أعوام على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إذ أضحت نبوءة صدام الحضارات، التي بلورها صمويل هنتنغتون قبل عشر سنوات، في طريقها إلى أن تتحقق ذاتيا، لأن التأويل الذي نعطيه عن هذا العنف، وجغرافية هذا العنف، يعكس التناقض بين الغرب والعالم الإسلامي.
وما هو دراماتيكي وخطير، أن الترجمة الواقعية لهذه المقولة تمارس من الجانبين، فهناك ldquo;أدبياتrdquo; فكرية وسياسية يجري الترويج لها على نطاق واسع في الإعلام الغربي تزعم أن الإسلام هو مصدر الفكر الإرهابي. وبالتالي فإن الحرب على الإرهاب تتطلب وبالضرورة الحرب على الإسلام. وفي المقابل فإن الأدبيات الإسلامية تقول: إن الحرب على الإرهاب تستهدف الإسلام. إلا أن هذه الأدبيات مخنوقة، إذ إنها تكاد تكون سجينة الإعلام العربي الذي يرددها إلى حد الاجترار من دون أن يتمكن من توصيلها إلى الرأي العام العالمي.
لكن السؤال الذي يطرحه المحللون الغربيون أمام هذا المعطى المتشائم، من أين يأتي هذا العنف؟ وما هي جذوره؟ وكيف يمكن معالجته؟ في الواقع نحن نجد أنفسنا أمام مقولتين متناقضتين: واحدة تدعو إلى الحرب على الإرهاب باعتباره جزءاً من الثقافة الاسلامية، والثانية تدعو إلى الحرب على الإرهاب باعتباره مظهراً من مظاهر العداء للإسلام.هذه الثنائية الجدلية تنطلق من ثابت مشترك واحد. وهو الأحكام المسبقة.
شكلت أحداث 11 أيلول/سبتمبر2001 التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية قطيعة بين مرحلتين في الوضع العالمي، تتداخل وتتشابك عناصر الاتصال بينهما مع عناصر القطيعة، ولم تكن مجرد عملية إرهابية عادية، بل إنها شكلت نقلة نوعية بالغة الأهمية في أشكال وآليات الصراع الدولي، وتسببت في إعادة تشكيل السياسات الخارجية للدول الكبرى، بما يتضمنه ذلك من إعادة تعريف دور أدوات هذه السياسات، ولاسيما الأداة العسكرية، وبالذات الولايات المتحدة.
وكان من أبرز نتائج هذه التطورات أنها دفعت الإدارة الأمريكية إلى وضع هدف مكافحة الإرهاب ومعاقبة الدول التي ترعاه باعتباره الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية. وهذه هي المرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة التي تضع الولايات المتحدة لنفسها هدفا محددا يكون محور التركيز الكامل لسياستها الخارجية، حيث كان التركيز الرئيسي للسياسة الخارجية وسياسة الأمن القومي للولايات المتحدة في مرحلة الحرب الباردة ينصب على محاربة الشيوعية وردع الاتحاد السوفييتي السابق، مما يعني أن الإدارة الأمريكية وضعت هدف الحرب ضد الإرهاب في نفس المكانة التي كان يحتلها هدف محاربة الشيوعية في فترة الحرب الباردة.
الأزمة التي أثارها 11أيلول/سبتمبر، أزمة عالمية وشاملة. وهي أزمة عالمية بمعنى أنها تقحم بلدانا مختلفة عديدة في النزاع، على رأسها، بطبيعة الحال، الولايات المتحدة ومناطق من العالم الاسلامي. وهي شاملة كونها، تؤثر، أكثر من أي أزمة عالمية عرفت حتى الآن، في مستويات متعددة من الحياة، سياسية واقتصادية وثقافية ونفسية.
إن حكومة الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني، متفقان على تفتيت العالم العربي، وإخضاع كل القوى فيه. أما ما سر الحملة الأوروبية الأمريكية الصهيونية الشرسة على العرب والمسلمين واتهامهم بممارسة الإرهاب، فهي جزء من المعركة السياسية العسكرية التي تخوضها الحكومات الصهيونية والأمريكية. وهدف هذه الحملة أن تترسخ صورة العربي والمسلم إرهابيا في كل أوساط الرأي العام العالمي، ليكون مبررا للقيام بالغزوات والحروب.
من المنظور الأمريكي، الهدف من الحرب على ldquo;الإرهابrdquo;، هو فرض الأمن على منطقة الشرق الأوسط، تحت الهيمنة الأمريكية، بالتلازم مع تحقيق الأمن للكيان الصهيوني والإفساح في المجال لوصول نخب عربية ليبرالية موالية للغرب منبثقة من المجتمع المدني الى السلطة. هذه الاستراتيجية وضعت موضع التطبيق بعد احداث 11 سبتمبر من خلال ldquo;الحرب على الإرهابrdquo; التي أرادت تصفية تنظيم القاعدة، وإسقاط نظام صدام حسين، والسيطرة على نفط الشرق الأوسط، وإعطاء الضوء الأخضر لحرب الإبادة الصهيونية التي شنها السفاح شارون ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
إذا أرادت الولايات المتحدة أن تثبت مكانتها في العالم، وأن تجني فوائد حروبها على المدى البعيد، فعليها أن تبذل جهدا حقيقيا لفهم أسباب خشية وكره الشعوب الأخرى لها. والمشكلة الحقيقية لا تتجلى في ldquo;الارهابيينrdquo; أنفسهم إنما في إدارة بوش نفسها، التي تستغل الأزمة للنيل من حرية الشعوب وحقوقها، لا للقضاء على الإرهاب كما تزعم، وإنما لتحقيق مخططاتها السياسية.
على الولايات المتحدة أن تعيد النظر بعلاقاتها مع دول العالم إذا أرادت اجتثاث ldquo;الإرهابrdquo; ومعالجة أسبابه، لأن هناك من يمارس الإجرام وإرهاب الدولة، وهذا ما ينطبق تماما على تصرفات الصهاينة في فلسطين ولبنان.