خطأ بابوي خطير
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد الجار الله
من تراث بابا روما, عندما كان كاردينالا ومدرسا للاهوت, انه كان من المعادين للاسلام وفيه الكثير من التعصب, وامتاز الحبر الاعظم بمعارضته لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي, وحجته في ذلك انها بلد مسلم ولاتنتمي الى النسيج الاوروبي الذي هو نسيج مسيحي اولا واخيرا, وبناء على هذا التراث لا يستغرب استشهاده بامبراطور بيزنطي متعصب وعدو للاسلام على الرغم من ان هذا الاستشهاد اوقعه في الخطأ.
وفي هذه الظروف الدولية الحساسة حيث يتم ربط الحرب على الارهاب بالحرب على الاسلام, تصبح تصريحات البابا مفجعة وخطيرة كما قالت صحيفة نيويورك تايمز الاميركية, ويصبح الذين انتقدوا موقفه على حق حين يوغلون في التأويل السياسي, ويقولون ان البابا يمثل مصالح استخباراتية اميركية انغلو ساكسونية, ولا يمثل الديانة المسيحية, ويسعى الى حملة صليبية تلتقي مع اهداف الرئيس الاميركي بوش.
صعب في هذا الجو المشحون والمتشنج ادراج كلمات التهدئة, ومحاولات احتواء الموقف, كون الكلام المسيء لرسول الاسلام صادر من رأس الكنيسة الكاثوليكية, ويوجب الاتباع, وعلى الرغم من ذلك لابد من التشديد على ان اغلاق هذا الملف الخطير لن يكون ممكنا الا بواسطة بابا روما نفسه حينما يتقدم الى المسلمين بالاعتذار, وبالاعتراف انه غير ملم بالديانة الاسلامية, وليس على علم بروحها وبجوهرها. فقول الفاتيكان امس ان كلام البابا قد تم تفسيره بطريقة لا تتوافق مع نواياه, وان البابا يعرب عن اسفه لان تصريحاته حول الاسلام قد اسيئ فهمها... قول الفاتيكان هذا لا يكفي لان البابا يمتاز بإرث سابق من التعصب لم يحاول, بعد ان اصبح حبرا اعظم, ان يصححه وان يتبع في ذلك تراث سلفه, وان يسمو به الى المكان الذي يجب ان يكون فيه الآن وهو مكان التقارب بين الاديان, ومكان الامتناع عن احتراب الحضارات, ومكان تنزيه الديانات السماوية عن انها مسببة للحروب, وللارهاب, ولكل الموبقات المرتكبة الآن ضد البشر وانسانيتهم.
ان كلام الامبراطور البيزنطي في القرن الرابع عشر, للمثقف الفارسي المسلم, صدر في زمن سادته ثقافة الكراهية والتعصب, وبالتالي لا يجب استعادته هذه الايام بالاستشهاد, لان لهذه الاستعادة دلالة تلحق صاحبها بالانتساب الى ذات المفاهيم المتعصبة, والداعية الى الكراهية والحقد, ورغم قول الفاتيكان بان البابا يأسف لان تصريحاته اسيئ فهمها, فإن ما قصد إليه رأس الكنيسة الكاثوليكية شديد الوضوح, ولاينفي مبرر قيام هذه الموجة الغاضبة ضده, واتهامه بالجهل بالاسلام وفي رأينا فإن هذه القضية المؤسفة يجب ان تتوقف الآن عند حدود تحمل البابا للمسؤولية عن مواقفه, المسؤولية الدينية والسياسية والاخلاقية, فنحن لسنا بصدد المماحكة مع الكثلكة واتباعها, ولسنا بصدد اشعال النيران بين الاديان والمذاهب, بل نحن مهتمون بما يجمعنا كلنا كأفرقاء في المعسكر الايماني المسلم بوجود الله, خالق السماوات والارض, ولا نركز على ما يفرقنا من تفاصيل اعتقادية تميز بين الوسائل, وتبرر وجود الآخر, ولا تجيز اقصاءه, لا بالتكفير, ولا بالنبذ واهدار الدم, لان هذه الاجراءات السلوكية ليست من الاسلام ولا من تعاليمه, التي امنت اهل الكتاب, واجازت العيش معهم, والاكل من طعامهم, والزواج من نسائهم.
وبعيدا عن المتعصبين في المعسكرين الذين لا يمثلون سماحة الاسلام ومسالمة المسيحية فنحن لانريد افساح المجال لاستغلال هذه القضية العابرة سياسيا, وتحويلها الى منصة تنطلق منها كل اعمال العداء والكراهية والتخريب.. نحن لانريد لهذه القضية ان تتحول الى فتيل, كما تحولت قضية التطاول على الرسول الاعظم في الدنمارك, حيث تم تصويره بالرسم الكاريكاتوري, وانتفضت لاجل ذلك جموع مسيرة في بيروت تم تحريكها, سياسيا من بعيد, لتعتدي على الاحياء والمعابد المسيحية, والتي اول من جابهها كان رجال الدين المسلمون الذين خبروا ابعاد التحريك ونوايا اصحابه التخريبية.
الكلام الآن عن طرد سفراء الفاتيكان من الدول الاسلامية, وعن مساع من اجل التصعيد ورد الاعتبار هو كلام مغرض يصب في المفهوم الصهيوني القائم على قومية الدين, والرامي, من اجل ذلك, الى اشعال حرب الحضارات والاديان, التي تراجع عنها حتى الذين افترضوها من هانتغنتون الى فوكوياما, صاحب نهاية التاريخ.
نحن نريد استمرار الحوار الاسلامي المسيحي, ونريد الالتقاء على جامع الايمان بالله الذي يوحدنا جميعا. ديننا الاسلامي يدعونا الى المجادلة بالتي هي احسن "فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". فلنعتبر ان هذه هي القاعدة , فلا مجال بعدها للمجادلة بوسائل اخرى, سلاح وغيره, تفرق بين الناس وتشحنهم ضد بعضهم بعضا بالعداوة والبغضاء.
لنسحب هذه القضية من ايدي اناس يتربصون بالمواقف عن سوء نية, من اجل التصعيد واشعال النيران بين الاديان لاغراض سياسية, وهذه امرها متروك للبابا عن طريق الاعتذار الصريح, فالله سبحانه خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف لا لنتقاتل.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف