بلير نقل عن أولمرت استعداده للبحث في اخلاء مزارع شبعا بعد اطلاق الجنديين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هل يعود غضب "حزب الله" الى الجهود الدولية الحثيثة لنزع الورقتين الفلسطينية واللبنانية من ايران وسورية؟
بيروت - وليد شقير
دعت أوساط ديبلوماسية أجنبية وأخرى مراقبة لتطورات الوضع اللبناني الداخلي وتشنجاته الفائقة الحدة، الى قراءة أسباب هذا التشنج عبر الصورة الأوسع للموقفين الدولي والإقليمي في التعاطي مع لبنان، نظراً الى انعكاسات هذين الموقفين داخلياً.
وعلى رغم أهمية الإطار الداخلي للصراعات التي تكشفت بلغة غير مسبوقة في التخاطب، وبتصعيد، خصوصاً من جانب "حزب الله"، يفوق أهمية مواضيع الخلاف، فإن هذه الأوساط تدعو الى قراءة الصورة الأوسع اقليمياً ودولياً تجاه لبنان، لأن "حزب الله" نفسه وبعض حلفائه ربطوا الهجوم على قوى 14 آذار والحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة، بـ "الوصاية الدولية والحماية" التي يتمتع بها هؤلاء من القوات الدولية التي أخذت توسع انتشارها في جنوب لبنان وتشارك في مراقبة البحر والمطار لمنع تهريب الأسلحة الى الحزب وغيره.
وفي قراءة الصورة الأوسع تشترك هذه الأوساط في التشديد على حاجة الحزب الى التأقلم مع توجهات جوهرية ستأخذ مداها خلال الأشهر المقبلة، بدأت معالمها ترتسم بقوة استناداً الى القرار الدولي الرقم 1701، يفترض أن تنتهي الى انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا المحتلة تمهيداً لإعادتها الى السيادة اللبنانية، ما يؤدي عملياً الى فتح نقاش جدي في شأن سلاح "حزب الله" ونزعه. وليس سهلاً في رأي هذه الأوساط على الحزب أن يسعى الى التأقلم والتكيّف مع هذه التوجهات، فالقوى السياسية كلها والحكومة والبلد كله في أزمة ومن الطبيعي أيضاً أن يكون "حزب الله" مأزوماً في وضعية ما بعد الحرب التي وضعت لبنان ككل أمام خيارات جديدة.
وتقول هذه الأوساط ومعها مصادر وزارية ان التحرك الدولي أخذ يتعاطى بجدية مع مطلب لبنان استعادة مزارع شبعا وان لم تحصل حتى الآن تطورات دراماتيكية في هذا الصدد، وأن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أبلغ السنيورة وعدداً من الوزراء أثناء زيارته بيروت الاثنين الماضي، أنه طرح مع نظيره الإسرائيلي إيهود أولمرت مسألة انسحاب اسرائيل من المزارع وأن الأخير أبدى استعداداً للبحث في الأمر، لكن بعد الإفراج عن الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى "حزب الله".
الا ان أوساطاً ديبلوماسية أوروبية رأت في الموقف الذي نقله بلير عن أولمرت تطوراً جديداً. فرئيس الحكومة الإسرائيلية تدرج في هذا الصدد من رفض البحث بمسألة المزارع في الأسبوعين الأولين للحرب حين زارته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، ومن ثم خلال الوساطة المتنقلة التي قام بها مساعدها ديفيد ولش قبل التصويت على الـ 1701، بحجة أنه لن يهدي "حزب الله" انتصاراً مجانياً، فوق ما حصل، الى موقف آخر أبلغه الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان حين التقاه في 30 آب (أغسطس) الماضي في القدس المحتلة حين قال له رداً على طرح أنان مسألة المزارع من الزاوية التي تطرحها الحكومة اللبنانية (أي نقلها الى منطقة قوات يونيفيل تمهيداً لنقلها الى السيادة اللبنانية بعد ترسيم الحدود مع سورية فيها كما تقول النقاط السبع للسنيورة): "سأفكر بالأمر، وعلى كل حال إبحث الأمر مع السوريين أولاً. (كان أنان متجهاً من إسرائيل الى عمان ثم دمشق)". ثم أتى موقف أولمرت الأخير مع بلير.
وتعتقد أوساط ديبلوماسية غربية عدة أن مسألة مزارع شبعا ستبقى ماثلة في الاتصالات الجارية على أعلى المستويات وأن رايس سبق أن وعدت رئيس المجلس النيابي نبيه بري حين التقته أثناء زيارتها بداية الحرب الى لبنان، وازاء إصراره والسنيورة على بت هذه النقطة بأنها تعتقد أن السعي الى حلها لن يكون مشكلة في التحرك الأميركي المقبل. ويضاف الى ذلك أن مصادر ديبلوماسية فرنسية قالت لـ "الحياة" قبل زيارة بلير بساعات: "ستسمعون جديداً حول المزارع في المرحلة المقبلة".
ومع أن "الجديد" في شأن المزارع لا يعني حلاً قريباً لها، فإن الأوساط المراقبة التي تدعو الى قراءة أسباب تصعيد "حزب الله" في إطار الصورة الأوسع تقول ان بت قضية المزارع ترمز الى مسألة نزع السلاح الذي هاجم "حزب الله" مطالبة القوى الأخرى به على رغم ان قوى 14 آذار لم تطرح في بيانها نزع السلاح وعلى رغم ان موقف السنيورة والحكومة المعلن والذي تردده القوى الدولية كافة من الأمم المتحدة الى الدول المشاركة في يونيفيل، هو ان نزع السلاح يتم بحوار داخلي وليس مطروحاً الآن. وفي اعتقاد هؤلاء ان الحديث الدائم عن بسط سلطة الدولة وصولاً الى المزارع ربما هو الذي يقلق الحزب، ما دام نزع سلاحه لم يطرح من القوى التي يهاجمها.
لكن هذه الأوساط تعتبر ان السياق الذي تسير فيه الأمور والتي قد تقود الى نجاح فكرة استعادة المزارع تدريجاً عبر الأمم المتحدة هو الذي يبدو مقلقاً منذ الآن ما دامت قضية المزارع لم تنضج، فليس أمراً عادياً ما يشهده لبنان من نزول طلائع قوة "يونيفيل - 2" المعززة على أرضه، بالدبابات والأسلحة المتطورة، وتهيؤ دول ليست تحت "الهيمنة الأميركية" (كما هو متهم مجلس الأمن) مثل روسيا والصين وأندونيسيا، أو دول لا يجوز الاستهانة بثقلها الإقليمي مثل تركيا، فضلاً عن دول أوروبية لها مواقف مختلفة عن مواقف واشنطن تجاه المنطقة. فالقوة العسكرية لـ "يونيفيل" ستجعلها بأسنان وأظافر يجعل التصدي لها أو العمل من أجل تهشيلها بحوادث معينة محفوفاً بمخاطر سياسية كبيرة، على رغم أنه ممكن من الناحية العملية ومن زاوية القدرة الأمنية والعسكرية لأي فريق ينوي التحرك ضدها (سواء "حزب الله" أو غيره). واذا أضيف الى هذا التعزيز العسكري، التعزيز بالعديد في الأشهر المقبلة، لتصل يونيفيل الى ما يقارب 15 ألف عسكري مطلع العام 2007 أو نهاية الحالي، وموجات الزيارات من وزراء الخارجية والدفاع ومسؤولي دول أوروبية وغربية، الى لبنان والتزامات هؤلاء بمبالغ في اعادة الإعمار وتسليح القوات المسلحة اللبنانية، بالتزامن مع عملية بناء "يونيفيل"، فإن ما يحصل هو ترجمة عملية لالتزامات دولية بتنفيذ القرار 1701، كانت هناك شكوك لدى الكثيرين، في تنفيذه. وثمة من يعتقد بأن الحزب كان بين الذين يشككون في إمكان تنفيذ القرار حين وافق عليه وصولاً الى تعهده للأمم المتحدة بتسهيل مهمتها، أو على الأقل فإن الحزب لم يكن ينتظر أن تتكرس الالتزامات الدولية في هذه السرعة (وهذه حال بعض قوى 14 آذار أيضاً الذي فوجئ بهذا القدر من الالتزام الدولي بالقرار).
ويقول رئيس شبكة الأحزاب الاشتراكية الأوروبية بول راسموسن خلال الزيارة التي قام بها الى لبنان مطلع الأسبوع مع وفد أوروبي: "بصفتي مسؤولاً أوروبياً وتوليت رئاسة الحكومة 8 سنوات في بلدي الدانمارك، حضرت 26 قمة أوروبية. صدقوني انها القمة الأولى (في آب، أغسطس الماضي) التي أرى فيها إجماعاً في هذا الشكل على التعاطي مع وضعكم في لبنان بهذا القدر من الالتزام وبهذه السرعة".
وتستنتج الأوساط الديبلوماسية والمراقبة الداعية الى قراءة تصعيد "حزب الله" في الصورة الأوسع، أن الحزب يستشعر تغييراً جوهرياً مقبلاً في الوضع اللبناني، قد يكون منطقياً أن يقلقه، على رغم ان التحركات الأوروبية كافة تدعو الى استيعاب "حزب الله" وتشجيعه على أن يكون جزءاً من الحياة السياسية اللبنانية.
لكن هذه الأوساط تسأل اذا كانت لغضب الحزب أو انزعاجه، الذي يترجمه تصعيداً في الحملات الداخلية، خلفيات أبعد من الوضع اللبناني، متصلة بموقف حليفيه الإقليميين، إيران وسورية، من تزامن الزخم الدولي المنصب على فصل الأزمة اللبنانية عن أزمة المنطقة، بزخم آخر في فلسطين يقضي بالسعي الى استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، عبر إبداء ليونة غربية وأوروبية (خلافاً للتوجهات الأميركية المتشددة التي كانت قائمة قبل شهرين) حيال حركة "حماس" عبر الضغط على إسرائيل، ومساعدة الرئيس محمود عباس على إقامة حكومة وحدة وطنية من أجل حل جدي للصراع مع اسرائيل. ولعلّ المهمة الرئيسة لبلير في المنطقة كانت إقناع الاخيرة بهذا التوجه.
ومع أن هذه الجهود الدولية ما زالت في بدايتها، فإن الأوساط التي تدعو الى قراءة الصورة الأوسع في غضب وانزعاج "حزب الله" تسأل: هل أن إيران وسورية (أو إحداهما) بدأتا تعيدان النظر في موقفهما بـ "التعاون" مع القرار 1701، لأنهما تشعران أن المجتمع الدولي يتجه الى نزع "ورقتين" سوياً منهما، فلسطين ولبنان، وليس فقط الثانية وأنه لا بد لهما من رفع الصوت قبل أن "تأخذ الدول الكبرى راحتها" في مواصلة ما تخطط له؟
وفي كل الأحوال فإن مسؤولاً أوروبياً يقول ان الاتجاه بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي نحو التفاوض يخفض من البعد الإقليمي لدور "حزب الله" من دون أن يلغي أهمية دوره في الحياة السياسية اللبنانية.