جريدة الجرائد

حركة النهضة التونسية: نخاصم السلطة لكن لا نتهمها بمغنطة أبواب المساجد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نهج النهضة سلمي والحركة في مأمن من اتساع القاعدة بإفريقيا
تونس بحاجة الى انفراج سياسي يواكب عودة الشباب للدين
نزعات الولاء لابن لادن نتيجة طبيعية لتزايد المظالم الدولية
حريصون على التنسيق السياسي مع ألوان الطيف بالشارع التونسي



طه حسين - الشرق القطرية



حذر عامر العريضي رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة التونسية من أن استمرار التضييق على قيادات الحركة وملاحقتهم وعدم حدوث انفراج سياسي في تونس يمكن أن يولد تيارات تشق طريقا مغايراً لنهج حركة النهضة السلمي، في ظل موجة التدين التي تشهد مداً داخل المجتمع التونسي حاليا.

كما أن اقصاء قادة الحركة يمكن ان يؤدي إلى نشوء تيارات منشقة في الحركة الاسلامية تتبنى العنف وتتخذه وسيلة للتغيير وهو نهج مخالف لنهج حركة النهضة التي تنتهج منهج الوسطية، لكن العريضي في حواره مع الشرق قلل من خطر اتساع رقعة القاعدة في إفريقيا مستبعداً أن ينال من جمهور حركة النهضة مثلما نال من الجماعة السلفية في الجزائر أو الجماعة الإسلامية في مصر أو بعض التيارات في السودان، مؤكداً ان حركة النهضة تبنت الوسطية والحوار منهجاً للإصلاح والتغيير.

وعامر العريضي هو رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة التونسية التي اسسها الشيخ راشد العنوشي عام 1981، ومرت بموجات من التضييق وحرية العمل في المجتمع التونسي، وتعرضت لحملة اعتقالات سنة 1981 وانتهت بسقوط بورقيبة ومجئ الرئيس بن علي عام 1987 الذي بدأ اتصالات مع الحركة في البداية وحدث نوع من الانفراج والاتفاق على الإصلاح السياسي، لكن هذا الانفراج لم يستمر، فبنهاية عام 1987 بدأت الحملة ضد قياداتها ورموزها، واضطر معظمهم إلى التوجه إلى لندن وباريس ليمارسوا منها انشطتهم.

وفيما يلي نص الحوار:

uuml; كيف تقرأ تصريح البابا الأخير حول الاسلام واتهامه لديننا بأنه يتوق إلى العنف وسفك الدماء وهل نشكر البابا على صراحته أم نطالبه بالاعتذار؟
- الحقيقة أن تصريح البابا مفاجأة لأننا لم نتعود من الحبر الأعظم للمسيحيين ان يشجع على التصادم بين الأديان والحضارات، وتحتاج هذه التصريحات الى توضيحات حقيقية واضحة حتى لا يحدث ما حدث إثر ازمة الكاريكاتير الدانماركية الأخيرة، وأعتقد أن علماء المسلمين طالبوا البابا بالاعتذار ونحن ايضاً نطالبه بتوضيح واعتذار للمسلمين حتى نتجنب حالة صدام، ونحن دعاة حوار وتعايش مع الاديان الأخرى والثقافات الاخرى، ونرى من مصلحة الانسانية ألا يحدث هذا التشابك المبني علي جهل بخصائص الإسلام والفكر الاسلامي وتاريخ الحضارة الإسلامية وبعضه قد يكون مدفوعاً ببعض اللوبيات التي تريد ان تحدث فتنة بين العالم العربي الاسلامي والمسيحي.

uuml; تشهد المنطقة العربية تهديدات من أطراف متعددة آخرها تهديد القاعدة بشن هجمات على دول خليجية وظهور للقاعدة في السودان معلنة مسؤوليتها عن مقتل صحفي، فهل نحن إزاء تحول وكيف تقرأ حركة النهضة هذه التهديدات؟
- نحن جزء من التيار الإسلامي الوسطي الذي يدعو الى الحوار والاصلاح بالتي هي أحسن ونحن لا نرى ان التهديد باستعمال القوة والعنف يؤدي إلى تحقيق هذا الاصلاح، بل بالعكس فإن هذا التهديد يعطي صورة سيئة عن الإسلام، ويشوه في تقديم الاسلام من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يزيد هذه البلدان إلا انكماشا ونكوصا عن السير في طريق الاصلاحات السياسية والاجتماعية المختلفة.

uuml; اتهام الإسلام والحركات الاسلامية بالعنف هل هو مسؤولية هذه الحركات بفعل ما ارتكب من جرائم باسم الإسلام؟
- الحقيقة أن تهمة انتشار الإسلام بالسيف مقولة استعملت كلما عجز الآخرون عن مواجهة الأطروحة الإسلامية والفكر الإسلامي ومقارعة هذه الاطروحة، فيلجأون إلى الاتهام بأنها لا تحمل مشروعاً للإنسانية، ولا تأتي إلا بشر وهذا حدث في مراحل كثيرة من التاريخ البشري، ومن ناحية اخرى اظن ان التهديدات وأحداث العنف التي يشهدها الغرب في اوروبا وغيرها مسؤولة بشكل أو بآخر عن نمو هذه النزعة في الغرب، وان كانت لا تبررها.

مظالم دولية
uuml; إعلان الجماعة السلفية بالجزائر ولاءها لابن لادن وبدء ظهور القاعدة في السودان والتحول في منهج عمل الجماعة الإسلامية في مصر حيث انضمت بعض الرموز إلى القاعدة، ما موقف حركة النهضة التونسية ازاء هذه التحولات؟
- يجب ان نفهم أن ما يحدث في العالم الآن من مظالم دولية، من احتلال للشعب الفلسطيني واعتداء على لبنان يدفع إلى تشجيع هذه النزعة وللأسف فإنه رغم سعي القطاع الأوسع من العاملين في الحقل الاسلامي الى أن تكون العلاقة قائمة على الحوار والتعايش وتبادل المنافع فإن ما يحدث في العالم يشجع هذه النزعة، فالسياسة الدولية وسياسة القوة المهيمنة مسؤولة بشكل او بآخر عن نمو هذه التيارات والنزاعات بحكم سياستها في المنطقة من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن حركة النهضة كجزء من التيار الاسلامي الوسطي عامة لا ترى أن هذا المنهج يحقق مصلحة للمسلمين، فضلاً عن اننا نعتقد أنه مخالف لطبيعة المشروع الاسلامي والاطروحة الاسلامية السياسية المعتدلة التي ندافع عنها ونرفع لواءها وشعارها ونعتقد أننا نستطيع ان نحقق مكاسب بالنضال المدني والسياسي وبقوة الفكرة والمشروع والاطروحة السياسية وفي كثير من المواقع، ولاشك أن الأمر يختلف حيث الاحتلال، فحيث يكون الاحتلال تكون المقاومة مشروعة.

رقعة القاعدة
uuml; ولكن من المسؤول عن اتساع رقعة القاعدة هل هو يأس من الحركات الإسلامية المعتدلة أو هو يأس من الإصلاح؟
- لا أحد يستطيع الجزم باتساع رقعة القاعدة، والكثير من التقارير تؤكد اتساع رقعة التيار الاسلامي الوسطي وكان هناك تقرير دولي مؤخراً يتحدث عن ان التيار الوسطي هو الذي يكتسب الواقع ويتسع اداؤه في المنطقة.

ولاشك أن وجود بؤر توتر كثيرة في منطقتنا بما في ذلك افريقيا يشجع على هذه النزعة.

uuml; كثير من الحركات الاسلامية، كانت ذات اداء مؤثر في السياسة وبعضها لجأ إلى العنف لكن حركة النهضة بقيت في خط واضح يلتزم بالسلم إلى حد البعض يراه زائدا على الحد واتهم الحركة بأنها تكتفي بالعمل عبر الفضائيات والانترنت فهل هي ظروف استثنائية تعمل فيها الحركة؟
- حركة النهضة سلمية وهي مقتنعة بذلك تماما وتعتمد بعد الله سبحانه وتعالى على العمل الشعبي والنضال السلمي والسياسي والحوار الفكري مع الآخرين والتغيير في عمق المجتمع، لكن أن يقال انها تشتغل فقط من الخارج فهذا غير دقيق لأن الحركة تشتغل في الداخل والخارج بل إن القسم الأكبر هو في الداخل وإن كان عدد كبير منهم في السجون او خارج السجن في ظروف محاصرة وتضييق، لكن هناك عملا إسلاميا قويا وسياسيا وهناك تنسيق مع مختلف مكونات الطيف السياسي في تونس وهناك هيئة مشتركة تقود هذا العمل ولاشك أن العمل الاعلامي له دور معتبر في ايضاح الحقيقة والضغط من أجل الإفراج عن السجناء والسياسيين.

شكرا للسلطات
uuml; ماذا عن أوضاع سجناء النهضة في المعتقلات التونسية؟
- هناك نحو 140 سجينا سياسيا لا يزالون داخل السجن وهم من قياديي الحركة وظروف السجن سيئة في تونس نتيجة سوء المعاملة وطول المدة فبعض هؤلاء مضى عليهم 15 سنة أو عشر سنوات في سجن انفرادي وفي عزلة كاملة، وكلهم كوادر من أطباء ومهندسين ومدرسين وهم متمسكون بمشروعهم وقضيتهم لأن هؤلاء لو ارادوا التخلي عن مشروعهم لخرجوا من السجن لكنهم متمسكون بحقهم في العمل الإسلامي والنضال السياسي والإصلاح، وكل هؤلاء في الحقيقة حفظوا كتاب الله.

uuml; خرج من السجن نحو 1500 حافظ لكتاب الله، وهذا يدعونا إلى شكر السلطات إذن وهذا ما تفخر به تونس؟.
- شكر السلطات لا، لأن هؤلاء حفظوا القرآن في ظروف صعبة ومنعت عنهم المصاحف ومنعوا من صلاة الجماعة، وكانوا يحفظون بطريقة التداول فكل واحد يحفظ الآخرين ما يحفظه، وبعضهم كان يكتب من المصحف على ملابسه حتى إذا حجز المصحف حفظ من هذا اللوح الرقيق، وهذا شأن المؤمن ان يبذل جهداً لأخذ ايجابيات من المكان ولو كان سجناً.

uuml; وما حقيقة تدنيس المصحف في السجون التونسية؟ هل كان بهذا الحجم الذي أظهره الإعلام؟
- المشكلة أنه في داخل تركيبة الدولة في تونس هناك عدد من المتطرفين ضد الفكرة الإسلامية من اصلها يحملون عداءً ايديولوجيا واحياناً لتعقيدات نفسية وهؤلاء يمارسون اعتداءات على المقدسات الإسلامية، حتى وصل الحد إلى تدنيس المصحف الكريم ولكن المشكلة أن الدولة كان يفترض أن تجري تحقيقا مناسبا وتتخذ اجراءات لمعاقبة من يقوم بهذه الأعمال حتى توقفها لكنها لم تقم بذلك وتغض الطرف عن هذه الحالات وكأنها تشجعها من حيث أعلنت او لم تعلن، ولذلك فإن كثيراً من الدعاة طالبوا السلطة بأن تجري تحقيقاً وأن تقوم بمعاقبة ومحاكمة من يقوم بهذه الأعمال التي تسيء أول ما تسيء إلى الإسلام وإلى تونس.

uuml; هذا داخل السجن ولكن ماذا عن حقيقة الأوضاع في الشارع التونسي وتحديداً الشباب؟
- انتم تعرفون ان السلطة رفعت شعاراً اسمته "تجفيف ينابيع الدعوة والتدين" وهذه الخطة كانت تهدف الى القضاء على كل مظاهر التدين بوسيلتين، الأولى بالعنف الأمني من خلال الاعتقال والمحاكمات وغلق المساجد ومنع الحجاب، والثانية بسياسة افساد ممنهج تقوم على نشر الممنوعات وبرامج اعلامية تشجع على ذلك ووصل هذا المشروع الى نهايته في منتصف التسعينيات والذي كان يزور تونس في تلك الفترة كان يلاحظ حالة الجفاف الحقيقية، ولكن بعد ذلك عاد التدين ليعم البلاد، صحيح هذا جزء من ظاهرة عالمية تتمثل في الرجوع إلى الدين، ولكن الضغط الذي مورس على أهل تونس فيما يتعلق بتدينهم ساهم في ردة الفعل هذه والذين ارادوا ان يجففوا ينابيع التدين في تونس كانوا يعتقدون أن الإسلام في تونس لحظة عابرة يمكن انهاؤها بجملة من الاجراءات ولكنهم واهمون فسرعان ما عاد التدين ليعم كل قطاعات المجتمع. واذا زرت تونس الآن تشاهد مساجد مليئة بالمتدينين، وعاد الحجاب رغم المنع البات حتى في الشارع ولكن هذا الحجاب الآن لم يعد بامكان السلطة أن تمنعه واصبح امرا واقعاً في المجتمع، وخطة السلطة في القضاء على النهضة كحركة وفي تجفيف ينابيع التدين كظاهرة اظن انها فشلت على مستوى القضاء على الحركة كحركة لأنها عادت الى قلب معركة النضال السياسي من اجل الحرية في تونس وهناك الآن التقاء بين النهضة والطيف السياسي المتعدد في تونس والتقاء على ارضية واضحة تقوم على تحقيق الحرية والاصلاح والتغيير، وهذا لاشك يطرح تحديا كبيرا على الحركة يتمثل في حاجة هذه المشاعر الاسلامية، وهذه العودة الى التدين الكبير تحتاج إلى التعمق والى الوعي بالاسلام الصحيح والى ان تنشر بينها الاطروحة والفكر الذي يحفظها من ان يحدث توظيف لها من اليمين او اليسار وهو تحدٍ حقيقي للحركة في الداخل والخارج.

العمل من الخارج
uuml; يؤخذ على قيادات حركة النهضة العمل من الخارج وعبر الفضائيات والانترنت اكثر من الحضور في الداخل، فهل هذه هي الآلية المتاحة؟
- نحن لم نختر العمل من الخارج، نحن نريد أن نشتغل من داخل بلدنا ولكن انت تعرف أنه لسنوات كثيرة فإن ابناء النهضة اما داخل السجون أو خارج البلاد، والفريق الذي أفلت من الاعتقال تحمل مسؤولية العمل وعمل على تحرير من اعتقل وتحرير البلد.

uuml; ومن يمثل الحركة من الداخل؟
- هناك اخوة وإن كنا لم نصل بعد إلى اعلان رسمي لتمثيل الحركة من الداخل، هناك عدد من القياديين الذين خرجوا من السجن يمثلون رموز الحركة في الداخل منهم حمادي الجبالي وعلي العريضي واخرون خرجوا من السجن.

uuml; ما دلالات الافراج عن هذه القيادات هل حدث تغير في نهج السلطة في التعامل مع الحركة؟
- لابد أن هناك تغيراً ذا قيمة في تعامل السلطة مع الحركة إذ ان هؤلاء الذين اطلق سراحهم في الغالب أنهوا محكوميتهم او يكادون ومن ناحية اخرى جاء نتيجة ضغوط كثيرة في الداخل والخارج من الهيئات الانسانية والاعلامية واصدقاء تونس وهم كثيرون.

مساجد ممغنطة
uuml; ما مدى صحة قيام السلطات التونسية بمغنطة ابواب المساجد حتى لا يدخلها الا حملة البطاقات الأمنية الممغنطة؟
- هذه من المبالغات، وان كانت هناك رقابة على المساجد ويمنع فيها تحفيظ القرآن الكريم والدروس الدينية ولكن الأذان يرتفع في كل مكان وهناك اقبال على التدين وزيادة في اعداد مرتادي المساجد، وقصة البطاقات الممغنطة كانت مقالا لأحد الصحفيين علق على المدى الذي تضيق فيه السلطات على المساجد الى درجة انها ربما ستصل الى البطاقات الممغنطة، فتحول هذا الخيال الأدبي الى هاجس صدق البعض وجوده في ظل التعتيم الإعلامي في تونس وحالة الانغلاق فاحياناً يتم تصديق اي شيء.

uuml; كيف ترون مستقبل الحركة داخل تونس هل هو بيد السلطة وبمدى ما تسمح به من التحرك؟
- مستقبل الحركة ليس بيد السلطة ولو كان بيدها لقضت عليها من زمان ومسحتها من الوجود وهذا تعلنه في المحافل الدولية وتتباهى بأن الوصفة التونسية للقضاء على الإسلاميين ناجحة وكانت تريد تصديرها الى الجيران ولكنها اثبتت فشلها والحركة مرت بظروف صعبة ولا تزال ولكن مستقبلها افضل من ماضيها لأنها اولا معتصمة بحبل الله لأنها تريد أن يعلو الحق في بلادنا وان تكون تونس جزءاً من الأمة الإسلامية تناصر قضاياها وان هذه الحركة من الناحية السياسية تتقدم فهناك فرق بين مرحلة بداية التسعينيات عندما كانت تستهدف بعمليات استئصال كاملة وبين هذه المرحلة التي يقبل عليها الشركاء السياسيون من تيارات مختلفة واصبح لها علاقات في الخارج وعادت الى قلب الرحى السياسية في الشارع التونسي.

موجات الإصلاح
uuml; لكن ألا ترى أن حركة النهضة لم تستفد من موجات الاصلاح التي هبت على العالم العربي مثلما استفادت منها جماعات اسلامية في مصر وفلسطين وفي الاردن أيضاً؟
- هذه احد اوجه الغرابة في تونس فهناك بحر فيه حركة كبيرة من حول تونس ومسارات من الاصلاح السياسي في اكثر من بلد عربي من المغرب للمشرق بينما تنكبت تونس كسلطة وكبلد عن مسار الاصلاح، وظلت ارادة السلطة الى اليوم رافضة للانخراط في مسار اصلاح داخلي وحتى الذي تحقق من بعض المكاسب وهوامش الحريات تحقق بفعل النضال وتضحيات غير قليلة.

رائد الوسطية
uuml; بعض الحركات انشقت عنها تيارات متشددة نتيجة اليأس من الإصلاح، فهل تتوقعون انشقاق تيارات عن حركة النهضة التي بقيت سلمية منذ نشأتها؟
- النهضة لم تشهد رغم العنف الذي مورس عليها اي تحولات نحو العنف وظلت متمسكة بحول الله وبمنهجها السلمي الدعوي السياسي القائم على الوسطية استلهاما من نهج استاذنا الدكتور يوسف القرضاوي الذي يعد رائد الوسطية وبدور الشيخ راشد الغنوشي الذي كان له الفضل في ترشيد الصحوة التونسية وعدم انجرارها الى متاهات العنف والتطرف وحافظت النهضة على وسطيتها ودفعت عن نفسها كل الاتهامات التي ارادت السلطة أن تشوهها بها، واتهام الحركة بالعنف عاد عليها بالنفع، فهناك قضايا ربحتها الحركة في القضاء البريطاني وحصلت على أحكام تبرئها من العنف واستفادت الحركة منها في اثبات طبيعتها السلمية، وعادت بالفائدة على عائلات المساجين الذين استفادوا من التعويضات نتيجة القضايا التي كسبتها الحركة.

ولكن هذا لا يمنع من القول بأن استمرار اقصاء النهضة واستثناءها من حق العمل في البلد والتضييق على قيادتها ورموزها في الداخل وملاحقة من هم في الخارج مع هذه الموجة العارمة من التدين في البلد قد ينبت هذا المناخ نزعات من العنف في تونس، وصحيح إلى حد الآن ان تونس حماها الله بحكمة دعاتها ومشايخها من ان تنزلق الى مسار الحرب الأهلية والعنف ولكن نأمل الا يستمر هذا الوضع كثيراً حتى لا ينزلق البلد إلى ذلك، واستمرار التضييق يمكن ان يؤدي الى انشقاق تيارات عن المسار السلمي لحركة النهضة لأن الظاهرة واسعة ويمكن ان تنشأ عنها تيارات تشجعها الأوضاع الدولية المعروفة، وكلما استمر التضييق ومنع حرية التدين كان ذلك مناخاً مناسباً لنشوء تيارات منشقة عن الحركة الإسلامية، ونحن ليس لدينا تخوف من انشقاق من داخل حركتنا ولكن بالتأكيد فإن تونس بحاجة الى انفراج سياسي والى مساحة واسعة من الحرية والى إصلاح حقيقي والى اجراءات عاجلة تتمثل في اخلاء السجون حتى نحفظ هذه البلاد من أن تنزلق نحو العنف والطريق غير مغلق ولكن السلطة لا تسمع، اما عدم انزلاق الحركة نحو العنف فلأنها تأسست على قناعة راسخة بمنهج العمل السياسي والسلمي والدعوي والفكري والنضال بمختلف وسائله الذي لا يصل الى العنف ونحن مقتنعون بذلك المسلك ومارسناه ليس تكتيكيا وانما اقتناعا بأن هذا افضل وأقوم لتحقيق المصلحة لبلادنا والحركة لديها قناعة بأن منهج العنف له بداية وليس له نهاية ولم يحقق اصلاحاً حيث حدث، والمقاومة السلمية المدنية والنضال والعمل التغييري في المجتمع هي التي اثبتت جدواها في اكثر من مكان ونحن هنا نتحدث عن الاصلاح الداخلي لكن عندما يتعلق الأمر باحتلال خارجي تصبح كل الوسائل مشروعة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف