جريدة الجرائد

مبارزة في اليمن... حيث كلمة السرّ اسمها الاستقرار!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


خير الله خير الله


طوال ما يزيد على شهر، كان لا بدّ من متابعة الحملة الانتخابية في اليمن نظراً الى انّها ارتدت طابع المبارزة بين الرئيس علي عبدالله صالح من جهة ومنافسيه من جهة اخرى. وكان ابرز المنافسين السيّد فيصل بن شملان الذي دعمته احزاب المعارضة وعلى رأسها التجمّع اليمني للاصلاح، الحزب الاسلامي الكبير الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر والحزب الاشتراكي الذي كان حاكماً في الجنوب قبل تحقيق الوحدة والذي قاد حرب الانفصال صيف العام 1994. انّ دل ذلك على شيء، فهو يدلّ اولاً على وجود معارضة فاعلة في البلد كما الحال في ايّ بلد تدور فيه منافسة حقيقية لا ترتدي طابعاً صورياً فقط. كذلك تدل المبارزة التي شهدها اليمن في اسابيع ما قبل الانتخابات، التي تجري اليوم، على مقدار الحيوية السائدة في هذا المجتمع العربي الذي اعتمد التعددية الحزبية والديموقراطية والانتخابات الحرة منذ مايو من العام 1990 تاريخ تحقيق الوحدة بين شطري البلد.

ما اظهرته الحملة الانتخابية الرئاسية، ان التجربة الديموقراطية تتطوّر نحو الافضل في البلد. يشير الى ذلك اضطرار المرشّح علي صالح الى زيارة كلّ اليمن، من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، وذلك من اجل اقناع الناس بالتصويت له. فعل ذلك عن قناعة كي يتاكّد الناس من انّ رئيسهم، لا ينام على حرير متوقعاً فوزه بمجرد انّه ترشّح للانتخابات، بل سيفوز، في حال فاز، لانّه على علاقة مباشرة بهم وبمشاكلهم وانّه يسعى بالفعل الى تحقيق طموحاتهم. والاهمّ من ذلك، ان حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يمتلك اكثرية في مجلس النواب اضطر بدوره الى التصرّف بطريقة مختلفة بدل الاكتفاء بالنوم على امجاده وعلى لقب الحزب الحاكم الذي يراسه رئيس الدولة. كان على المؤتمر الشعبي العام النزول الى الشارع وتعبئة المواطنين وحضّهم على التصويت لمرشحه على اساس البرنامج الذي خاض الانتخابات على اساسه وليس بصفة كونه رئيس الدولة الساعي الى ولاية جديدة يسمح له بها الدستور... وليس ايّ شيء آخر.

في المقابل، كان على المعارضة بتشكيلتها الغريبة العجيبة والتي صارت تعرف بـ "اللقاء المشترك" تقديم مرشّح. وهذا في حدّ ذاته تطوّر مهم نظراً الى ان اجماع المعارضة على مرشّح والعمل من اجل انجاحه جزء لا يتجزّأ من التجربة الديموقراطية ومن عملية تطوير التجربة. صحيح ان المعارضة اختارت مرشحاً مستقلاً لا ينتمي الى اي من احزابها في محاولة مكشوفة الى اظهار الانتصار المتوقع ان يحقّقه علي صالح بالانتصار الباهت، الاّ ان الصحيح ايضاً انّ المعارضة اختارت من حيث تدري او لا تدري، والارجح انّها لا تدري، لعب اللعبة الديموقراطية وهي خدمت بذلك التجربة التي يمرّ فيها البلد... والنظام الذي تسعى الى تغييره والانقلاب عليه!

من حقّ ايّ معارضة السعي الى الوصول الى السلطة. وحبّذا لو تقدمت المعارضة بمرشح ينتمي الى احد احزابها كي تؤكد بما لا يقبل اي شكّ انّها تحترم الديموقراطية وانّ لديها ما تقدّمه للمواطن غير الشكوى من النظام القائم ومن انّه يستخدم الوسائل التي يمتلكها ويسخّرها في خدمة الرئيس صالح. ومن آخر النكات التي خرجت بها المعارضة ان التلفزيون الحكومي الذي ينقل مهرجانات مرشحها، كما ينقل المهرجانات التي يحضرها علي صالح او تلك التي ينظمها له حزبه، يتعمّد عدم اظهار الحشود التي تحضر مهرجانات بن شملان على حقيقتها. هل هو سرّ عسكري ان بن شملان يحشد الآلاف كونه يحظى بدعم التجمّع اليمني للاصلاح؟ ها هو سرّ عسكري ان التجمع اليمني حزب كبير وانّه ثاني اكبر حزب في البلد وانّه يحظى بدعم كبير يسمح له بالتمدد في اليمن وبان يوسّع قاعدته؟ اين المشكلة اذا في التغطية التلفزيونية التي يقرّ اليمني العادي بانّها عادلة باستثناء ان الشكوى منها تستهدف منذ الآن تبرير الهزيمة التي ستلحق ببن شملان. والواقع ان هذه الهزيمة يمكن ان تتحوّل انتصاراً في حال اعتبرت المعارضة الانتخابات نجاحاً للتجربة الديموقراطية، ايّ انها نجاح لليمن ولجميع اليمنيين. هل اهمّ من نجاح يصبّ في رصيد البلد؟

يفترض في المعارضة اليمنية تجاوز السخافات وتفادي السعي الى ايجاد الاعذار المسبقة لفشل مرشحها. نعم هناك حشود في مهرجانات المرشح المعارض. وهذه الحشود وفّرها له "الاصلاح"، هذه حقيقة. لكن الحقيقة الاخرى التي لا بدّ من رؤيتها ايضاً ان هناك حشوداً اكبر بكثير في المهرجانات التي يتكلّم فيها علي عبدالله صالح. والجانب المهم في هذه الحشود انّها عفوية من جهة كما تعكس من جهة اخرى قدرة المؤتمر الشعبي العام على التعبئة الشعبية وتحوله الى حزب كبير له وجود على كل الارض اليمنية وليس مجرد حزب السلطة. هذا هو الجديد الذي على المعارضة التعاطي معه بدل النظر الى الامور بعين واحدة ومن زاوية ضيقة.

تختلف الانتخابات الرئاسية اليمنية الحالية عما سبقها من انتخابات، من ناحية واحدة على الاقلّ. تتمثّل هذه الناحية في ان هناك شعوراً حقيقياً بوجود منافسة بين الحزب الحاكم واحزاب المعارضة وان هذه المنافسة تعكس الى حدّ كبير هامش الحرية والديموقراطية في البلد الذي يزداد يومياً بفعل الممارسة خصوصاً. اكثر من ذلك، جاءت الانتخابات الحالية وهي في الواقع ذات شقين الاول رئاسي والآخر محلي لتتوّج سلسلة من التجارب الديموقراطية التي مرّ فيها البلد منذ تحقيق الوحدة. بدأت هذه التجارب بالاستفتاء الشعبي على دستور دولة الوحدة ومرّت بالانتخابات التشريعية للعام 1993 التي كرّست التعددية السياسية على اساس حزبي، وبالاصرار على الانتخابات في العام 1997، اي بعد فشل تجربة الانفصال. وهذا يعني بكل بساطة ان الديموقراطية في اليمن ليست مرتبطة بوجود توازنات سياسية معيّّنة في السلطة، على غرار ما كانت عليها الحال بين العامين 1990 و1994، بمقدار ما انّها مرتبطة بالوحدة. اي انّها استمرت مع خروج الحزب الاشتراكي من السلطة اثر رهانه على الانفصال وصارت جزءاً لا يتجزّأ من الوحدة، اي من وجود اليمن وتركيبته.

يتوقع ان تنقل الانتخابات اليمن الى مرحلة جديدة، مرحلة تزداد فيها الحاجة الى التفكير بما هو ابعد من الانتخابات اي بالتحديات التي تواجه البلد من جهة ودوره في المحافظة على الاستقرار الاقليمي من جهة اخرى. وليس صدفة ان يكون اليمنيون نزلوا الى الشارع بعشرات الآلاف للمشاركة في المهرجانات التي اقامها المؤتمر الشعبي العام دعماً لعبدالله صالح بسبب تفكيرهم في الاستقرار اوّلا وادراكهم لاهميّة الاستقرار. ان اليمنيين يدركون ان بلدهم الفقير ذا الموارد المحدودة يواجه مشاكل كثيرة مرتبطة بالتنمية والتعليم والفساد والارهاب والنمو السكّاني العشوائي الذي يقضي على جهود التنمية. لكنّهم يدركون في الوقت ذاته ان جهوداً كبيرة بذلت من اجل التغلب على هذه المشاكل وان الارقام تشير بوضوح الى ان البلد حقق الكثير في السنوات الاخيرة على الصعيد السياسي والتنموي والاقتصادي رغم محاولات الخنق التي تعرّض لها اكان ذلك في مطلع التسعينات عندما طُرد العمال اليمنيون من دول خليجية معيّنة عقاباً على جريمة لا علاقة لهم بها، ارتكبها صدّام حسين الذي غزا الكويت ورُدّ خائباً عنها، او في العام 1994 عندما وُجد من يموّل حرب الانفصال التي الحقت بالبلد خسائر هائلة تقدّر بمليارات الدولارات.

هناك تحسّن كبير في الوضع اليمني. في اساس التحسّن والاستثمار في الديموقراطية التي كانت تخيف بعض دول الجوار في مرحلة ما الى ان اكتشفت هذه الدول انها دواء وليست داءً. من يزور اليمن حالياً يجد فارقاً كبيراً بين الماضي القريب والحاضر. ويجد خصوصاً ان هناك مشاريع كثيرة نفّذت واستثمارات كبيرة في انحاء مختلفة من البلد وان هناك تفكيراً جدّياً في مشاريع اخرى كبيرة في كلّ المحافظات. تبقى كلمة السر كلمة الاستقرار. الاستقرار في ظل الديموقراطية. انّه استقرار لا يفيد اليمن وحدها، بل يفيد ايضاً المنطقة كلّها. وقد بدات بعض دول الخليج تدرك ذلك ولو متاخرّة. المهم ان تدرك ذلك، فان يأتي مثل هذا الادراك متاخراً افضل من الاّ يأتي ابداً!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف