5 سنوات على 11 سبتمبر.. هذه خلاصة الخلاصة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد المنعم سعيد
شهدت في الولايات المتحدة ومن مدينة بوسطون على الساحل الشرقي الأمريكي الذكرى الخامسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. ولم يكن التعامل مع الذكرى الأليمة متوقفا فقط على إقامة الصلوات وإرساء أكاليل الزهور وتمجيد المواقف البطولية التي قام بها رجال الإنقاذ وتسجيل الأحداث بطرق متنوعة عبر أجهزة الإعلام المختلفة، وإنما امتد للمرة الألف إلى بحث أسباب ما جرى وفوقه مراجعة وتقييم كافة السياسات الأمريكية داخليا وخارجيا التي تولدت عن هذا اليوم المشؤوم. وبالتأكيد كان هناك نوع ما من الرضى بأن العمليات الإرهابية لم تتكرر مرة أخرى، ولكن اليقين لم يمتد أبدا إلى المستقبل، فلم يكن هناك لدى السلطات الأمريكية المختلفة ما يجعلها تقطع يقينا بتوقف أعمال الإرهاب.
فقيادة تنظيم "القاعدة" لا تزال على حالها معلنة عن نفسها من حيث لا يعلم أحد مكانا أو زمانا، وهناك ما يشير إلى أن التنظيم يتوسع ولا ينكمش في مناطق كثيرة رغم الضربات الأمنية الواسعة باتساع العالم، والأخطر من ذلك كله أن هناك حالة من الانفلات العالمي عند التعامل بين الأديان المختلفة تخلق مناخا تصادميا بين الحضارات والعقائد. وخلال الأسابيع الأخيرة، وقبل وبعد حلول الذكرى، خرجت إلى النور عشرات من الدراسات والكتب عن موضوعات تدور كلها حول الإرهاب من ناحية والإسلام السياسي من ناحية أخرى. وكلها تشير إلى أن هذا اليوم الأغبر لم يكن هناك مثيل له بين الأزمان من حيث تحكمه في العلاقات الدولية خلال الأعوام القليلة التالية له.
ولكن ما يهمنا أن الذكرى الخامسة مرت مرور الكرام في العالم العربي، وفيما عدا عدد قليل من المقالات في الصحف وعدد أقل من البرامج التلفزيونية فإن المناسبة ظلت لا تخصنا، اللهم إلا من حيث تقييم رد الفعل الأمريكي والغربي في العموم. وببساطة جرى الاستسلام إلى المنطق الذي يقول بأن الإرهاب يعود من ناحية إلى السياسات الغربية، ومن ثم فإن من أطلق العفريت عليه أن يصرفه كما يقال في الأمثال الشعبية المصرية؛ ومن ناحية أخرى أن هناك بعضا من المصداقية في استهداف العالم الغربي للعالمين العربي والإسلامي تستوجب الدفاع والمواجهة، ولا يزيد الإرهاب في حقيقته عن نوع ما من رد الفعل على عالم قاس ومتوحش.
سلامة هذا المنطق أو ذاك ليست قضيتنا هنا، ولكن ما يهمنا التأكيد عليه هو أولا أن مناسبة الحادي عشر من سبتمبر تخصنا كما تخص العالم الغربي، ليس فقط لأن من قاموا به خرجوا من بين ضلوعنا وإنما لأن الحدث أوضح المدى الذي يمكن أن يصل إليه الإرهاب في القتل والتدمير. وثانيا أن من قاموا بهذا العمل أعلنوا بغير لبس أنهم يستهدفوننا أيضا لأسباب متنوعة. ووفقا لكافة الدراسات الموجودة فإن الأغلبية الساحقة من العمليات الإرهابية جرت في العالمين العربي والإسلامي وكان ضحاياها من العرب والمسلمين. وثالثا أن الأعمال الإرهابية تأتي من قبل تيار بالغ التطرف ينتمي إلى تيار أوسع يرغب أساسا في السيطرة على مجتمعاتنا وتغييرها وإعادة قولبتها وصبها في أشكال من الدول والأمم سببت كوارث متنوعة نشاهدها الآن في حالة أفغانستان، وتفكك العراق والسودان، والشلل في فلسطين، والتدمير في لبنان، والعمليات الإرهابية في مصر والسعودية، والتشويه الكامل للدين الإسلامي ليس فقط لدى الغرب المسيحي بتراثه العدائي والعنصري أحيانا، بل أيضا لدى الشرق صاحب العقائد المتنوعة من بوذية وشنتوية وهندوسية.
وبصراحة كاملة فإن الهدف الأساسي لهذا التيار ليس أبراج مركز التجارة العالمي في نيويورك، أو محطات المترو في لندن ومدريد، وبالتأكيد ليس تحرير فلسطين، وإنما الدولة العربية المدنية التي تحاول اللحاق بالعصر. وفيما عدا استثناءات قليلة في تركيا وماليزيا فإن هذا التيار قد خلق نماذج مغرقة في رجعيتها ووحشيتها السياسية والاجتماعية حيث تبدأ من فرضية تقوم على أساس أن العالمين العربي والإسلامي لم يعرفا الإيمان والتضحية في سبيل الوطن والدفاع عن مصالح الأمة حتى جاءت الأحزاب والجماعات "الجهادية" لكى تنقذ شرف العرب والمسلمين. وكما فعلت جماعات قومية وراديكالية من قبل، فإن تفجير العداءات مع الغرب وإسرائيل، والتلاعب بالقضية الفلسطينية، كانا دائما من أهم وسائل السيطرة والهيمنة وإثارة النعرات والتحريض على العنف في الحياة السياسية.
ولم تكن هناك صدفة أبدا أثناء الحرب اللبنانية الأخيرة أن القوى "الإسلامية" المختلفة نصبت نفسها منذ البداية كمدافع وحيد عن الأمة في معركة كانت هي التي بدأتها، ولم تمض أيام من الحرب حتى جرى التشكيك في الدول العربية "الكبيرة" ـ مصر ـ والدول العربية "الغنية" ـ السعودية ـ ومن بعدهما قائمة طويلة من "المتخاذلين" و"المتقاعسين" العرب. وبجسارة يحسد عليها تملص "حزب الله" من كل المسئولية عما جرى، ولم يجد هناك مشكلة في تجاهل الدور العربى ـ السياسى والدبلوماسى ـ الذي تمكن في النهاية من التخفيف من كارثة مشروع القرار الأمريكي ـ الفرنسى حتى وصلنا إلى القرار 1701 بصورته الحالية. ولم تكن هناك صدفة خلال المعارك وبعدها في خلق فرق دعائية كاملة هدفها الترويج لنصر "حزب الله" التاريخي، بينما كانت الدول العربية تعمل من أجل وقف إطلاق النار والجلاء الإسرائيلي عن الأراضي التي احتلتها والحصار الجوي والبحري عن لبنان وعودة اللاجئين وتعمير أراضيهم للمرة الثانية خلال عقدين. وفي نهاية المعركة بدا الأمر غريبا تماما، فقد كان الحزب الذي تسبب في الاحتلال والحصار والتدمير هو الطرف المنتصر، بينما كانت الدول العربية التي استخدمت كافة أوراقها وعلاقاتها من أجل تحقيق التحرير ورفع الحصار هي المهزومة والمتخاذلة.
ولكن المسألة لم تكن مباراة إعلامية لسرقة حصاد تدمير لبنان، وإنما كان الهدف أبعد من ذلك، فلم يمض وقت طويل حتى ظهر "الملعوب" عندما خرج كهنة التيار "الإسلامي" وأبواقه الدعائية للمطالبة "بأسلمة" الصراع باعتبار ذلك الوسيلة الأساسية للنصر. ومن بعد "أسلمة" الصراع كان ضروريا "أسلمة" المجتمع، وهي فكرة قوامها تخليص المجتمع من كل سمات العصرية والمدنية وتسليمه بما فيه لجماعات من الفقهاء ترجع اجتهاداتها إلى عصور الظلام الإسلامية. وهنا نصل إلى خلاصة الخلاصة التي كان علينا التعرف عليها من خلال فهم ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر الذي لم نعطه ما يكفي من فهم ومن دراسة ومن تقييم.
ومن المفهوم تماما المأزق الإستراتيجي الذي يضع فيه التيار "الإسلامي" كافة التيارات السياسية الإصلاحية في العالمين العربي والإسلامي، فهي باشتباكها مع الغرب وإسرائيل في معارك متنوعة تحصل على شعبية لأسباب تاريخية وموضوعية معروفة، ولكنها من ناحية أخرى تجعل كل من يناوئها وكأنه يقف مع الصف الآخر الذي يعرض الأمة لكثير من العسف والظلم. مثل هذا المأزق يحتاج فهما وتعاملا خاصا يبدأ بالحساسية تجاه المواقف والأحداث التي تمر بنا بحيث لا يتم جر الأمة كلها إلى معارك لم تقررها بإرادتها، أو يتم دفعها إلى قبول ما لا تقبل به تحت رايات كاذبة هدفها في النهاية رقابنا وليس رقاب أحد آخر!