بوش ونجاد... مَن ربح السِّجال في الأمم المتحدة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الجمعة: 2006.09.22
ويليام رو
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع عشر من سبتمبر الجاري مسرحاً لدراما حقيقية على خلفية تقديم رئيسي الولايات المتحدة وإيران لآرائهما المتعارضة وكيْل كل واحد منهما للآخر انتقادات لاذعة.
لقد ألقى الرئيس بوش كلمته وقت الظهيرة. وبالتالي، لم تتحْ لمعظم الأميركيين فرصة متابعة الخطاب بأكمله لأنهم كانوا في العمل. كما أن القنوات التلفزيونية الأميركية ذاك المساء والصحف الصادرة اليوم الموالي لم تنقلا سوى مقتطفات من كلمته. ونتيجة لذلك، فإن الجمهور الأميركي لم يطلع على التفاصيل. وبالمقابل، ألقى الرئيس أحمدي نجاد خطابه في المساء، أي وقت ذروة المشاهدة التلفزيونية في الولايات المتحدة؛ كما أن العديد من القنوات التلفزيونية نقلت خطابه الكامل مباشرة على الهواء، مرفقاً بترجمة فورية، وهو ما أتاح للمشاهدين متابعة كلمته بالكامل من البداية إلى النهاية.
ومما كرس هذه الأجواء الدرامية ورود تقارير إخبارية طيلة اليوم تحدثت عن أن الرئيس بوش يرفض مقابلة أحمدي نجاد وجهاً لوجه، وأن موظفي البيت الأبيض حرصوا على ألا يلتقي أحدهما بالآخر في أروقة الأمم المتحدة. والواقع أن الرئيس الإيراني أبدى موقفاً دالاً في هذا الباب حينما لم يحضر حفل الغداء التي أقامه أمين عام الأمم المتحدة على شرف كبار الموفدين؛ وهو ما زاد من تطلع الكثيرين إلى كلمته في المساء، والتي قاطعها بوش وكبار المسؤولين في الوفد الأميركي، طبعاً. والآن لنتحول إلى ما جاء في خطاب كل من الزعيمين.
أفرد الرئيس بوش الجزء الأكبر من خطابه لسياسة تشجيع الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، قال إن التغيرات التي شهدها أفغانستان والعراق خلال السنوات الخمس الماضية كانت "كبيرة"، إذ يتوفر البلدان اليوم على حكومتين منتخبتين ديمقراطياً. وبعد ذلك أشار إلى عدد من البلدان العربية الأخرى التي أجريت فيها انتخابات مؤخراً. ومما قاله في هذا السياق إشادته بأن "الإمارات العربية المتحدة أعلنت مؤخراً أن نصف مقاعد مجلسها الوطني الاتحادي سيتم اختياره عبر الانتخابات"، مضيفاً أن كل هذه الانتخابات تشكل "تغيرات حقيقية" و"خطوات مهمة"، كما أنها تساهم في محاربة العنف والإرهاب.
إلى ذلك، خصص الرئيس بوش عدة جمل لنفي أن "يكون الغرب بصدد خوض حرب ضد الإسلام"، واصفاً هذا الاتهام بـ"الدعاية"، ومُلحاً على "أننا نحترم الإسلام". والحقيقة أن هذا التصريح جاء في وقته نظراً للأخبار التي كانت تروج في اليوم نفسه من أن البابا تأسف على ما صدر منه من تصريحات بدا أنها تسيء إلى الإسلام.
وبخصوص لبنان، أثنى الرئيس بوش على الشعب اللبناني وأشار إلى معاناته. إلا أنه ندد بـ"حزب الله"، قائلاً إنه بدأ الحرب الأخيرة بسبب "هجماته غير المبررة على إسرائيل". أما بالنسبة للفلسطينيين، فقد قال إنهم: "عانوا من عقود من الفساد والعنف والإذلال اليومي بسبب الاحتلال"، في حين "تحمل الإسرائيليون أعمالاً إرهابية وحشية وخوفاً دائماً من الهجمات"، ودعا الرئيس بوش حركة "حماس" إلى: "التخلي عن الإرهاب والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود"، مشيراً إلى أنه يؤيد بقوة حل الدولتين.
على أن إيران هي التي كانت هدف أشد انتقادات الرئيس بوش، إذ قال إن الحكام الإيرانيين يحرمون شعبهم من الحرية، ويستعملون ثروات البلاد لتمويل الإرهاب وتطوير أسلحة نووية، معتبراً أن عليهم أن يحجموا عن ذلك، ودون قيد أو شرط.
وعلى الضفة الأخرى من هذه المواجهة الخطابية الساخنة والسِّجال المفتوح في نيويورك، قدم الرئيس أحمدي نجاد، صورة مختلفة تماماً عن المنطقة؛ حيث نفى اتهام بوش القائل بأن إيران عازمة على إنتاج أسلحة نووية، قائلاً إن برنامج طهران النووي إنما هو بغرض الاستعمال السلمي للطاقة، وإن للبلاد كامل الحق في امتلاك هذا البرنامج. كما أشار إلى أن إيران كانت ضحية أسلحة كيماوية في الحرب الإيرانية- العراقية؛ ومع ذلك، فلم تقمْ أبداً باستعمالها في الحرب. وفي هجوم واضح على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، انتقد أحمدي نجاد أعضاء من مجلس الأمن، وإن لم يذهب إلى حد الإشارة إليهم بالاسم، متهماً إياهم باستعمال المجلس والأسلحة النووية لتهديد وترهيب إيران ودول أخرى غير نووية، ومساعدة إسرائيل على امتلاك مثل هذه الأسلحة.
ولئن كان بوش قد أتى على ذكر "الحرية" عدة مرات، فإن أحمدي نجاد كرر كلمة "العدالة". ومن بين النقاط الكثيرة التي أشار إليها أحمدي نجاد في خطابه، وصف العراق وأفغانستان وفلسطين من زوايا مختلفة جداً عن تلك التي استعملها الرئيس بوش، حيث قال إن البلدان الثلاثة تعاني تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، والذي دعا إلى وضع حد له من أجل إحلال السلام والاستقرار بالمنطقة، مضيفاً أنه من الخطأ اتهام الفلسطينيين بالإرهاب على اعتبار أنهم يقاومون المحتل.
وفي تباين كبير مع بوش، أكد أحمدي نجاد أن في إيران "ديمقراطية حقيقية" شهدت 27 استحقاقاً انتخابياً في 27 عاماً منذ إسقاط نظام الشاه الذي وصفه بالاستبدادي.
والحقيقة أنه أتيحت لأحمدي نجاد فرصة توضيح وجهة نظره بمساعدة وسائل الإعلام الأميركية، غير أنه لا يبدو أنه سجل نقاطاً سجالية كثيرة أمام الجمهور الأميركي. صحيح أن الأميركيين لاحظوا أن أحمدي نجاد كان منضبطاً نوعاً ما مقارنة مع بعض من خطاباته السابقة، إذ لم يكرر مثلاً تصريحاته حول محو إسرائيل أو أن المحرقة أسطورة، غير أن معظمهم يحتفظ أصلاً برأي سلبي جداً عن إيران منذ سقوط الشاه، بدءاً بما ترسخ في ذاكرتهم من احتجاز للدبلوماسيين الأميركيين عام 1979، وما تلاه من سنوات المواجهة بين واشنطن وطهران والتي أدت إلى استمرار تبادل الاتهامات. فالأميركيون يعتبرون تصريحات أحمدي نجاد الأخيرة حول إسرائيل خطيرة، ويعلمون أن إيران هي أحد داعمي "حزب الله" الرئيسيين، ويميلون إلى عدم تصديق نفيه المتكرر بخصوص برامج الأسلحة النووية. والواقع أن خطاب أحمدي نجاد صيغ بطريقة ذكية، غير أنه فشل في إقناع العديد من الناس بوجهة نظره.