1701 مؤامرة دولية ؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
راجح الخوري
قبل ان يكتمل عقد القوة الدولية في اطار تعزيز "اليونيفيل"، بحيث يصل عديدها الى 15 الفاً، كما هو مقرر، ستكون شعارات بعض القوى السياسية في لبنان والمنطقة قد وصلت حد القول:
ان القرار 1701 هو مؤامرة اوقعت لبنان في التدويل!
لا يغالي المراقب اذا قال منذ الآن ان منسوب الضيق من تدفق القوات والاساطيل تنفيذاً لبنود القرار المذكور آخذ في الارتفاع ويمكن معاينته من خلال بعض التصريحات والمواقف اللبنانية التي تعمل بايحاء من الخارج.
طبعاً المبالغة واضحة في القول ان القرار المذكور يشكل"مؤامرة" على لبنان، على الأقل لأن لدى اللبنانيين ذاكرة وهم يعرفون تماماً ما هي الجهود والمساعي والضغوط التي بذلتها الدول العربية عبر وفدها الثلاثي الى مجلس الأمن وكيف استمات لبنان في متابعتها على مدار الساعة من بيروت الى نيويورك، وما هو الاصرار الفرنسي الغاضب احياناً الذي حثّ مجلس الأمن على اتخاذ هذا القرار، بعدما كانت الحكومة اللبنانية قد نجحت في تعديل نصه الاساسي.
اذاً لم يكن الامر "مؤامرة على لبنان". فعندما كانت آلة القتل والتدمير الوحشية التي اطلقها العدو الاسرائيلي ماضية في اقتراف المجازر وتهديم المدن والاحياء والبنى التحتية، كان مطلوباً من الشرعية الدولية المسارعة الى وقف هذه الجريمة المتمادية. اما الان، وبعدما توقفت الحرب وذهب الجيش اللبناني الى الجنوب تسانده القوة الدولية، فقد بدأت بعض معالم الضيق ترتفع من وجودها ودورها، وخصوصاً ان القرار 1701 صيغ على اساس حرص مجلس الأمن على عدم العودة الى ما كان عليه الوضع قبل 12 تموز الماضي تاريخ بداية الحرب على لبنان.
ان الحديث عن "عدم العودة الى ما كان عليه الوضع" مسألة تريح اللبنانيين جميعاً، ربما بمن فيهم "حزب الله"، وخصوصاً اذا تمكنت الأمم المتحدة من تنفيذ محتوى الفقرة التمهيدية رقم 7 والفقرة التنفيذية رقم 10 اللتين تدعوان الامين العام للامم المتحدة كوفي انان الى بذل جهود سريعة لحل مسألة الاراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا واعادتها الى السيادة اللبنانية، بما يبطل الحاجة الى الاحتفاظ بالسلاح ما دام هناك شبر من الارض اللبنانية تحت الاحتلال.
اما اعطاء صفة "التدويل"، بما قد توحي هذه الكلمة في ابعادها السيكولوجية والثقافية السياسية من سلبيات ومحاذير، قياساً بما يعنيه "التدويل" او بالاحرى بما يطلقه من المخاوف، وقد سبق للبنان ان تقلّب طويلاً في جدليات التدويل والتعريب، هذا الوصف يمكن ان يفقد معناه السلبي وما يمكن ان يثيره من مخاوف بمجرد ان يتذكر المرء ان القوات التي تأتي لتعزيز "اليونيفيل" تحمل اكثر من 20 جنسية، بينها - اضافة الى الاوروبيين - الروسي والصيني والتركي والماليزي وغيرهم، وان الامر ليس فعلاً كما نسب امس الى الرئيس بشار الاسد، حيث قيل انه يرى:
"ان هذه القوات تتطور في عديدها وعتادها لتصبح قوات حلف شمال الاطلسي كما حصل في البوسنة، وبالتالي فان هذا يشكل تدويلاً يمتد الى كل المنطقة بما يؤدي الى الشرق الاوسط الذي يريدونه عبر اثارة النعرات الطائفية من اجل التقسيم كما هو حاصل في العراق".
من الواضح طبعاً ان كلام الاسد يؤسس لنظرية "التدويل" التي ستشكل محور التصريحات والبيانات والمواقف عند بعض اللبنانيين. وفي الواقع لن يتوقف كثيرون عند المعنى المحدد والواقعي لكلمة "تدويل"، اي ان "التدويل" نابع من كون القوات تأتي من دول متعددة، لا من جعل لبنان خاضعاً لهيمنة دولية، والدليل ان القرار 1701 يعطي لبنان الإمرة على هذه القوات التي جاءت للمساعدة لا للقيادة.
ولقد كان لافتاً اول من امس ان يقف علي لاريجاني بعد محادثاته مع الرئيس الاسد ونائبه فاروق الشرع ليقول "ان قوة "يونيفيل" لم تتجاوز صلاحياتها المحددة في القرار 1701"، وان "عليها انهاء الصراع الصهيوني - اللبناني الذي كان"، بينما كانت مصادر رسمية سورية، وخصوصا افتتاحيات الصحف الرسمية، قد تحدثت عن حصول تجاوزات!
لكن السؤال الجوهري الان هو: هل سيستمر الموقف الايراني عند هذا الحد الذي عبّر عنه لاريجاني؟ وهل لهذا الموقف اللافت علاقة عملية بما اشار اليه وزير خارجية فرنسا فيليب دوست - بلازي في نيويورك على هامش الجمعية العمومية، عندما قال ان فرنسا ابلغت الايرانيين انهم اذا ارادوا ان يلعبوا دوراً بناءً على الصعيد اللبناني، فينبغي ان يقولوا ذلك الآن وان لم يرغبوا في مثل هذا الدور سيكون ذلك مؤسفاً لهم ويؤدي الى عزلهم؟!
❒ ❒ ❒
في اي حال ان القرار 1701 هو مثل القرار 242 او 338، قرار دولي، وان وجود قوة "اليونيفيل" في جنوب لبنان هو تماماً مثل وجود قوة "اندوف" الدولية في الجولان، ولا يجوز في اي حال الافتراض ان لبنان سيقع في "شباك التدويل" عبر "اليونيفيل"، بينما يستمر وجود قوة "اندوف" في الجولان الهادئ جداً منذ فصل القوات في مطلع السبعينات.
ستكون من المفهوم تماماً معرفة الاسباب التي تكمن وراء كل ما يمكن ان يسمعه اللبنانيون في الايام المقبلة، من حديث عن الوقوع في "التدويل" وما ينطوي عليه من "المساوئ والاخطار والمؤامرات" التي تستهدف البلد والمنطقة. ذلك ان الساحة الوحيدة التي كانت مفتوحة كأرض للصراع العربي - الاسرائيلي (أين العرب من الصراع؟) قد اقفلت عبر القرار 1701 ولكن بشرط واضح وعنيد هو عودة ما تبقى من اراض لبنانية محتلة.
وذلك ايضاً، ان الذين يرفعون شعارات النضال والتحرير سيكونون في حاجة الى جبهة جديدة، بعدما كان الجنوب منذ أربعة عقود الجبهة الحصرية للصراع، على طريقة الشعلة الأبدية!
ومرة ثانية: بشرط ان يفضي القرار 1701 الى استعادة آخر شبر من الاراضي اللبنانية المحتلة.